يتضمن القرآن الكريم العديد من الآيات التي تدعو إلى الصلح والتسامح، حيث أكد الله عز وجل على أهمية التسامح عند القدرة. فكل فرد يتمكن من العفو عن الآخرين وامتناع الرد بالإساءة، يُكتب له الكثير من الحسنات.
عندما يتحلّى الشخص بهذه الفضيلة، يُظهر أنه بلغ أعلى مراتب الإيمان بالله واليوم الآخر، وسيكون قريبًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآخرة. لذا، من الضروري أن يسعى كل فرد قادر إلى الصفح والتصالح وامتلاك قلب رحيم.
تعريف الصلح والتسامح
التسامح والصلح هما من الفضائل التي قد تكون صعبة في ممارستها، ولا يتمكن منها الجميع.
لذا، خص الله سبحانه وتعالى أولئك القادرين على التسامح بمكانة عالية في درجات الإيمان.
التسامح يعني الصفح عن الأخطاء والقدرة على التصالح دون رد الأذى. وتوضح العديد من الآيات في القرآن أهمية التسامح والصلح، مما يُبرز مكانتهما في حياتنا.
وقد أوصانا الله بالتسامح لأنه يعكس نقاء القلب ويخلوه من الأحقاد. كما أن التسامح، الذي يدعو إليه جميع الأنبياء، هو الأساس لبناء مجتمع متماسك.
يؤدي التسامح والصلح إلى تعزيز السلام بين الأفراد والمجتمعات، وهو ما يُعزز رسالة الإسلام. ويجد الأفراد الذين يسامحون أنفسهم في حالة من السلام الداخلي، مما يساعدهم على التخلص من المشاعر السلبية.
هذه المشاعر، إذا تُركت بلا معالجة، قد تؤدي إلى الانتقام والأذى، وهو أمر يتعارض مع تعاليم دين الإسلام ووصايا رسول الله محمد.
فضل التسامح
يحتوي القرآن على العديد من الآيات التي تتحدث عن فضل التسامح، ومنها:
- قال تعالى: “وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ” (الشورى: 40).
- هذا يدل على أن من يسامح له أجر عظيم عند الله.
- قال تعالى: “وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير” (البقرة: 109).
- هنا يُوصينا الله بالصفح حتى يأتي بأمره.
- قال تعالى: “فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ” (الشورى). وهذا يشير إلى أن من يسامح ويعفو يُجازيه الله خيرًا.
- قال تعالى: “وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاس وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين” (آل عمران: 133).
- تشير هذه الآية إلى أن الذين يعفون عن الناس لهم جنات عرضها السماوات والأرض.
- قال تعالى: “وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ” (الشورى).
- وهنا يأمرنا الله بالاستغفار عند الغضب.
- قال تعالى: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” (آل عمران: 159).
- هذا يدل على أن العفو ضرورة للحفاظ على الروابط الاجتماعية.
- قال تعالى: “وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ” (البقرة: 219).
- هذا يُظهر أن التسامح هو نوع من الإنفاق في سبيل الله.
- قال تعالى: “خذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ” (الأعراف: 199).
- هذا يؤكد على أهمية تجاهل الجاهلين والعفو عنهم.
آيات قرآن عن التسامح
توجد العديد من السور القرآنية التي تؤكد على أهمية التسامح والغفران والصلح، وعدم الرد على الإساءة، بل ترك الأمر لله تعالى، مثلما قال الله:
- ثمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، وهذا يُظهر حب الله للعفو عن عباده.
- فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، يُذكر فيها تفويض الأمر إلى الله.
- فَمَنْ عُفِيَ لَه مِنْ أَخِيهِ شَيْء فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ، يدل على أن العفو يُقرب القلوب.
- عَلِمَ اللَّه أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ، يظهر أهمية العفو عند الله.
- وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى، إن القادرين على التسامح أقرب إلى الله.
- إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أو يَعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدة النكاح، يُظهر فضيلة العفو ممن لديه القدرة.
- وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا، هذا يُظهر أهمية الدعاء للعفو.
- وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ، هؤلاء لهم جنات عرضها السموات والأرض.
- ثمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ، الله يعفو عن عباده بالرغم من أخطائهم.
- وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ، يُظهر أهمية التسامح للعباد.
- فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا، يؤكد الله على حماية عباده.
- فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا، يشير إلى أهمية المغفرة.
- إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفوًّا قَدِيرًا، يؤكد أن العفو من سمات المؤمن.
قيمة التسامح في الأديان
أهمية التسامح في الدين الإسلامي
يساهم التسامح في تعزيز الرحمة بين الناس، إذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “حرم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس”.
يدعو الإسلام إلى التسامح لأنه يعزز من حسن الظن بين الناس، وينشر السعادة ويحولهم إلى مجتمع يسوده السلام.
إن التسامح في الإسلام يُعتبر بوابة للفوز بجنة عرضها السماوات والأرض كما وعد الله سبحانه وتعالى.
أهمية التسامح في المسيحية
في الإنجيل، يتواجد الكثير من النصوص التي تؤكد على أهمية التسامح، منها:
- ولكن معكم هناك مغفرة حتى نتمكن من خدمتكم بوقار.
- دع الأشرار يتخلون عن طرقهم والأفكار الخاطئة، ودعهم يلجأون إلى الرب، لأنه سيعفو بحرية.
- واغفر لنا ديوننا كما غفرنا للمدينين، ولا تقودنا إلى إغراء بل نستخلصنا من الشر.
- إذا سامحت للآخرين عندما يخطئون ضدك، سيسامحك أبوكم السماوي، وإن لم تغفر للآثام خطاياهم، فلن يغفر لك خطاياك.
عواقب الخصام في الإسلام
الخصام في الإسلام غير مقبول تمامًا، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال”.
وفي سياق حديثه، سُئل الرسول إن كان المقصود بالأخ هو المسلم فقط، فأجاب: “الأخ هنا يشمل جميع الناس”.
الإسلام بُني على الرحمة والعلاقة الطيبة بين جميع البشر، ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى التسامح لمن لديه القدرة. الله تعالى يقول: “إن الشيطان ينزع بينهم؛ إن الشيطان كان للإنسان عدوًا مبينًا”.
آيات عن الصلح في القرآن
تشمل الآيات القرآنية التي تناولت موضوع الصلح ما يلي:
- فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ.
- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ.
- فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ.
- لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ.
أهمية التسامح للفرد والمجتمع
للفرد:
- سلامة الروح: التسامح يعزز الصحة النفسية ويساهم في تقليل التوتر والقلق من خلال تحرير الفرد من المشاعر السلبية.
- تحسين العلاقات: التسامح يُعزز العلاقات الشخصية ويؤدي إلى بناء علاقات قوية مستندة إلى الاحترام المتبادل.
- النمو الشخصي: من خلال ممارسة التسامح، يتمكن الفرد من النمو روحياً وعاطفياً، مما يزيد من القدرة على التكيف مع تحديات الحياة.
- تعزيز الصبر: تعلّم التسامح يعزز الصبر، ويمنح الفرد القدرة على مواجهة الصعوبات بالصبر والحكمة.
للمجتمع:
- تعزيز الوحدة: التسامح يساعد في الوصول إلى الانسجام والتفاهم بين أفراد المجتمع مما يعزز تماسكه.
- تقليل النزاعات: المجتمعات التي يسيطر فيها التسامح تكون أقل عرضة للصراعات والنزاعات، حيث يُمكن حل الخلافات بسلمية.
- زيادة السلام: يعزز التسامح بناء مجتمع أكثر سلامًا واستقرارًا حيث تتناقص مشاعر الكراهية.
- تشجيع التعاون: التسامح يسهم في تعزيز التعاون بين الأفراد، مما يتحقق الأهداف المشتركة بشكل أكثر فعالية.
جزاء التسامح في الآخرة
في الإسلام، يُعتبر التسامح من الفضائل الكبيرة وله جزاء عظيم في الآخرة:
- رضا الله: التسامح يدل على تقوى القلب وصفاء الروح ويجعل الفرد محبوبًا لدى الله، كما ذكرت الحديث: “من لا يُحِبُّ أن يُعَفَ عَنْهُ فَلْيَعْفُ عَنْ النَّاسِ”.
- المغفرة: الله وعد بالرحمة والمغفرة لمن يسامح الآخرين، كما جاء في قوله: “وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”.
- رفع درجات الجنة: التسامح يعزز فرص دخول الفرد الجنة، كما ذُكر أن “المتسامحين” سيكون لهم نصيب عظيم من النعيم.
أنواع التسامح
التسامح الديني:
- المدى: قبول التنوع الديني واحترام معتقدات الآخرين.
- أمثلة: السماح للآخرين بممارسة شعائرهم الدينية بحرية، والتعامل معهم بإنصاف.
التسامح السياسي:
- المدى: احترام الاختلافات السياسية والتعامل معها بمرونة.
- أمثلة: قبول الأيديولوجيات السياسية المختلفة وتشجيع الحوار بين الأطراف السياسية.
التسامح الفكري:
- المدى: احترام الأفكار والآراء المختلفة والتعامل معها بأسلوب بناء.
- أمثلة: الاستماع إلى وجهات النظر المختلفة دون تحيز، وبناء فهم مشترك.
التسامح العرقي:
- المدى: احترام التنوع العرقي والثقافي والتعامل مع الأفراد بناءً على كفاءاتهم وليس على أساس عرقي.
- أمثلة: مكافحة العنصرية وتعزيز المساواة بين الجميع.
التسامح في السنة النبوية
-
قوله صلى الله عليه وسلم:
- عن عائشة رضي الله عنها، قائلة: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عُرضت عليه خصومة، كان أسرع الناس إلى العفو”.
- حديث آخر: “من لا يُحِبُّ أن يُعَفَ عَنْهُ فَلْيَعْفُ عَنْ النَّاسِ”.
-
أمثلة عملية:
- عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة، حيث قال: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.
- عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن خصومه، حيث حرص دائمًا على تسوية الخلافات بروح التسامح.