أبرز شعراء المدح في الحقبة العباسية

شعراء المدح في العصر العباسي

يعتبر العصر العباسي من الفترات التي تميزت بكوكبة من شعراء المدح. من بين أبرز هؤلاء الشعراء، نجد:

بشار بن برد العقيلي

يُعتبر بشار بن برد شاعرًا مخضرمًا، حيث شهد أواخر الخلافة الأموية وبداية الخلافة العباسية. ورغم أصوله الفارسية، إلا أنه وُلِد ونشأ بين العرب. يُعرف بشار بلغته السليطة وخصائصه السلبية التي تشمل الهجاء والتعجرف، ولكنه ترك إرثًا شعريًا ذو قيمة كبيرة.

إليك جزء من قصيدته التي مدح فيها عقبة بن سالم، والي كان والي البصرة:

حَيِّيا صاحِبَيَّ أُمَّ العَلاءِ

وَاِحذَرا طَرفَ عَينِها الحَوراءِ

إِنَّ في عَينِها دَواءً وَداءً

لِمُلِمٍّ وَالداءُ قَبلَ الدَواءِ

رُبَّ مُمسٍ مِنها إِلَينا عَلى رَغ

مِ إِزاءٍ لا طابَ عَيشُ إِزاءِ

أَسقَمَت لَيلَةَ الثُلاثاءِ قَلبِي

وَتَصَدَّت في السَبتِ لي لِشَقائِي

وَغَداةَ الخَميسِ قَد مَوَّتَتني

ثُمَّ راحَت في الحُلَّةِ الخَضراءِ

أبو دلامة

أبو دلامة هو شاعر ساخر، اشتهر بنوادره وحكاياته الأدبية، وبرزت شخصيته في العصر العباسي. يُعرف باسمه “زند بن الجون”، ولكن بعض المصادر تتنوع في ذكر اسمه ما بين زبد وزيد. ترك أبو دلامة العديد من الطرائف المميزة في الأدب العربي القديم.

إليك جزء من قصيدته في رثاء المنصور وتهنئة المهدي:

عَينَانِ وَاحِدةٌ تُرَى مَسرُورَةً

بإمَامِها جَذلَى وأُخرَى تَذرِفُ

تبكي وَتَضحَكُ مَرَّةً وَيَسُوؤها

ما أبصَرَت وَيَسُرُّها ما تَعرِفُ

فَيَسُوؤها مَوتُ الخَلِيفةِ مُحرِماً

ويَسُرُّها أن قامَ هذا الأَرأفُ

ما إن رأيتُ وَلا سَمِعتُ كما أرَى

شعراً أرَجِّلُهُ وآخَرَ أنتِفُ

البحتري

امتاز البحتري بتعلمه على يد أبي تمام، الذي أثر في أسلوبه الشعري. انتقل لاحقًا إلى مدينة حلب، حيث اكتسب مهارات البلاغة والشعر. كان البحتري متجذرًا في المعاني البدوية القديمة، ولم يستمد من الحضارة الحديثة سوى الأساسيات والأشكال الظاهرة، مما جعله يحافظ على الأصالة الشعرية العربية في الأوزان والقوافي.

وإليك جزء من قصيدته التي قام فيها بمدح أحد أحفاد موسى الطالبي:

اِبنَ مَن طابَ في المَواليدِ حُرّاً

مِن بَني جَعفَرٍ إِلى اِبنِ أَبيهِ

أَنا بِالقُربِ مِنكَ عِندَ صَديقٍ

قَد أَلَحَّت عَليَةَ شُهبُ سِنيهِ

عِندَهُ قيتَةٌ إِذا ما تَغَنَّت

عادَ مِنّا الفَقيهُ غَيرَ فَقيهِ

تَزدَهيهِ وَأَينَ مِثلِيَ في الفَه

مِ تُغَنّيهِ ثُمَّ لا تَزدَهيهِ

مَجلِسٌ كَالرِياضِ حُسناً وَلَكِن

لَيسَ قُطبُ السُرورِ وَاللَهوِ فيه

أبو نواس

ابن نواس تجوّل بين الكوفة والبصرة، حيث التقى بالشاعر الكبير خلف الأحمر، وتلقى عنه الكثير في مجالات الأدب والثقافة. كان أبو نواس موسوعي المعرفة في اللغة والأدب والعلوم الإسلامية، وكتب في معظم الأغراض الشعرية، بما في ذلك المدح والهجاء والرثاء والغزل.

على الرغم من مكانته المرموقة عند هارون الرشيد، إلا أنه كان يتعرض للاحتجاز بسبب شعره الماجن. اشتهر أبو نواس بالشعر الذي يتناول الخمر، مما جعله يُلقب بشاعر الخمر. كان من رواد غزل الغلمان وأبرز أعلامه في هذا المجال.

إليك جزء من قصيدته التي تضمّنت مدح هارون الرشيد:

لَقَد طالَ في رَسمِ الدِيارِ بُكائي

وَقَدطالَ تَردادي بِها وَعَنائي

كَأَنّي مُريغٌ في الدِيارِ طَريدَةً

أَراها أَمامي مَرَّةً وَوَرائي

فَلَمّا بَدا لي اليَأسُ عَدَّيتُ ناقَتي

عَنِ الدارِ وَاستَولى عَلَيَّ عَزائي

إِلى بَيتِ حانٍ لا تَهُرُّ كِلابُهُ

عَلَيَّ وَلايُنكِرنَ طُولَ ثَوائي

فَإِن تَكُنِ الصَهباءُ أَودَت بِتالِدي

فَلَم توقِني أُكرومَتي وَحَيائي

المتنبي

المتنبي يُعَد من أعظم الشعراء، إذ امتاز بحكمته وإتقانه للغة العربية. وُصف بأنه نادرة عصره، وقد كتب نوع المدح الذي أرسى أسسه الشاعران: أبو تمام والبحتري. ابتدأ كتابة الشعر في سن مبكرة، حيث كتب عن الشجاعة وفلسفة الحياة في عمر التاسعة. تنقّل بين بلدان عدة، واستقر في نهاية المطاف في شيراز بإيران، تحت رعاية أمير الدولة.

وهنا جزء من قصيدته التي ألقاها في مدح كافور:

كَفى بِكَ داءً أَن تَرى المَوتَ شافِيا

وَحَسبُ المَنايا أَن يَكُنَّ أَمانِيا

تَمَنَّيتَها لَمّا تَمَنَّيتَ أَن تَرى

صَديقاً فَأَعيا أَو عَدُوّاً مُداجِيا

إِذا كُنتَ تَرضى أَن تَعيشَ بِذِلَّةٍ

فَلا تَستَعِدَّنَّ الحُسامَ اليَمانِيا

وَلا تَستَطيلَنَّ الرِماحَ لِغارَةٍ

وَلا تَستَجيدَنَّ العِتاقَ المَذاكِيا

فَما يَنفَعُ الأُسدَ الحَياءُ مِنَ الطَوى

وَلا تُتَّقى حَتّى تَكونَ ضَوارِيا