شخصيات التراث العربي
ابتكرت العديد من الثقافات شخصيات خيالية تتميز بالطرائف، تعكس الظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة في تلك البلدان، وأنتجت عن ذلك قصص تحمل طابعاً فكاهياً، تجمع بين الذكاء والدهاء أحياناً، والسذاجة أحياناً أخرى، مما يسعد السامعين ويعطيهم متعة. ومن أبرز تلك الشخصيات في التراث العربي نجد جحا، وأشعب، وأبو القاسم الطنبوري. في هذه المقالة سنستعرض شخصية أبي القاسم الطنبوري، ونروي إحدى القصص الشهيرة المرتبطة به.
أبو قاسم الطنبوري
يعتبر أبو قاسم الطنبوري واحداً من التجار الذين عاشوا في بغداد، وكان يُعرف عنه البخل على الرغم من ثروته. تداوت العديد من الحكايات الطريفة عنه في كتب أدب النوادر، ومن أشهر هذه القصص قصة حذائه التي تم تناولها في عدة أعمال تلفزيونية.
قصة حذاء أبي قاسم الطنبوري
تروي الحكايات أن لدى أبي القاسم الطنبوري حذاءً قديماً، وكلما انقطع جزء منه كان يقوم برقعه بقطع من القماش أو الجلد، حتى أصبح حذاؤه مليئاً بالرقع، مما جعله يحظى بشهرة مميزة بين الناس. وكان يضرب به المثل فيقولون: “أثقل من مداس أبي القاسم الطنبوري”. حاول الطنبوري التخلص من حذائه، لكنه كان دائما ما يواجه المتاعب عند القيام بذلك. ففي إحدى المرات، رمى حذاءه في القمامة، لكنه اكتشف أن أحدهم قد أخذه ورمى به من نافذته. عندما اصطدم الحذاء بقارورة العطر التي كان قد اشترى، انكسرت القارورة، مما جعل الطنبوري يندم على فعله، فقرر إعادته إلى القمامة.
وفي محاولة أخرى للتخلص منه، رمى الحذاء في النهر، إلا أن أحد الصيادين وجده وأعاده للطنبوري. وضعه الطنبوري على سطح منزله ليجف، لكن قطة ظنت أنه قطعة لحم حملته وهربت به، مما تسبب في وقوع الحذاء على امرأة حامل مما أدى إلى إجهاضها، فتقدم زوجها بشكوى إلى القاضي بحق الطنبوري. قضى القاضي بإلزامه بدفع دية الجنين وعاقبه بسبب إلحاق الأذى بجيرانه، ثم أعاد له الحذاء.
عند محاولته الأخيرة للتخلص من الحذاء، قرر رميه في مجاري الصرف الصحي، ولكن بعد يومين من ذلك، فاضت المجاري وأثرت على السكان. جاء العمال لتنظيف المجرى المسدود، ليكتشفوا أنه بسبب حذاء الطنبوري. نتيجة لذلك، تم حبسه وجُلِد، ولكن تمت إعادته له مجدداً. فاتخذ قرارًا بحفر حفرة في الليل لدفن الحذاء، إلا أن جيرانه اشتكوا للشرطة باعتقادهم أنه يخطط لسرقة ما، مما أدى إلى حبس الطنبوري مرة أخرى.
وفي إحدى الجولات إلى الحمام العام، قرر الطنبوري ترك حذائه ولكنه صادف وجود الأمير في الحمام. عندما سُرق حذاء الأمير، استُدعي الطنبوري للتحقيق نظراً لأنه كان آخر من ارتدى حذاءًا في الحمام. وقد كُلف بإحضار حذائه ليكتشفوا أنه الحذاء المسروق. في محاولة للتخلص من حذائه، قرر دفنه في صحراء خارج بغداد، ولكن داهمه الحراس أثناء الحفر وظنوا أنه قاتل لرجل تم العثور عليه ميتاً في تلك المنطقة. عانى الطنبوري كثيراً حتى أثبت براءته أمام القاضي، الذي أطلق سراحه لكن ليس قبل أن يعاقبه على الإزعاج الذي سببه. وعندما طلب الطنبوري من القاضي أن يكتب له وثيقة ببراءته من الحذاء، أصبح يُضرب به المثل في الأشياء المشؤومة التي يصعب التخلص منها، وتقول الحكمة: “مثل حذاء الطنبوري”.