أبو مدين التلمساني: شاعر وصوفي من الأندلس

أبو مدين التلمساني

يُعد أبو مدين شعيب بن الحسين الأنصاري الأندلسي واحداً من أبرز الشعراء والمتصوفين. وُلِد في منطقة حوز إشبيلية، حيث تلقى تعليمه في فاس. بعد أدائه فريضة الحج، استقر في مدينة بجاية، وفيما بعد توفي بالقرب من تلمسان، ودفن في قرية العباد. هنا نسلط الضوء على بعض الجوانب المهمة في حياة أبي مدين التلمساني.

حياته

نشأ أبو مدين يتيمًا بعد وفاة والده في سن مبكرة. كان والده راعيًا للأغنام، وكُلِّف برعاية القطعان من قِبَل إخوته. ورغم انشغاله بهذه المهنة، إلا أن لديه شغفاً كبيراً للعلم والعبادة كان يدفعه لتقليل اهتمامه برعاية الأغنام.

يُزعم أنه كان يُعجب برؤية الآخرين يتلون القرآن أو يؤدون الصلاة، مما كان يُشعره بالحزن بسبب جهله في هذه الأمور. وعليه، قرر أن يترك كل شيء خلفه ليظهر في رحلة طلب العلم.

رحلته في طلب العلم

بدأت رحلة أبو مدين التلمساني في طلب العلم حيث واجه العديد من الصعوبات في سبيل تحقيق مبتغاه. وصل إلى مدينة فاس، حيث التزم بمسجدها، وعمل على تعلم الصلاة والانخراط في حلقات العلم. تأثر بشدة بالشيخ “أبو الحسن بن حرزهم” الذي أصبح معلمه ومرشده، وشارك في دروسه وعمل كناسخ لتأمين ظروفه المالية.

لاحقاً، تطلعت نفسه إلى علم التصوف وتأثر بشدة بالشيخ الزاهد “أبو يعزى يلنور ميمون” الذي ألف إليه. اختبره الشيخ وأظهر له حبّه وتقديره، مُبشرًا إياه بمكانة عظيمة في المستقبل. كما كانت مؤلفات الإمام الغزالي لها تأثير كبير على شخصيته، حيث كان أبو مدين يحرص على العمل بما يتعلم قبل الانتقال إلى أي علم آخر.

أشعاره

اشتهر أبو مدين التلمساني بالكرامات وعجائب الأمور، وكانت له أشعار قيمة سواء كانت منظومة أو منثورة. ومع ذلك، فإن معظم أعماله الجميلة تظل متفرقة وتحتاج إلى جهود لجمعها وتحقيقها، ومن بين هؤلاء، اهتم الشيخ “العربي بن مصطفى الشوار” بمحاولة تجميع أعماله في ديوان خاص حمل عنوان: (ديوان الشيخ سيدي شعيب أبي مدين)، الذي لا يزال بحاجة إلى المزيد من التحقيق.

نستعرض هنا بعض أعماله التي تم جمعها، منها قصيدته اللامية التي تعبر عن الاستغاثة. تبدأ بمطلعها التالي:

لأَِلطفاك الحسنى مددت يد الرجا

وحالي كما تدري وأنت المؤمل

قصدتك ملهوفا فؤادي لما طرا

وأنت رؤوف محسن متفضل

وتنتهي بقول:

وأزكى سلام لا يزال عبيره

يفوق على المسك الذكي ويفضل

وآلٌ وأصحاب بدور وسادة

تحلو فكل في حلاه مكمل

ومن بين قصائده النونية الخمرية التي تُعتبر من أوائل القصائد في هذا المجال، حيث تبدأ كما يلي:

أدرها لنا صرفا ودع مزجها عنا

فنحن أناس لا نعرف المزج مذ كنا

وغن لنا فالوقت قد طاب باسمها

لأنا إليها قد رحنا بها عنا

وتنتهي بــ:

وحتى غصون البان مالت ترنما

وغنت عليه كل صادحة شجنا

أهل عائد لي وقت كي أرى بها

خيال سوى زائر مضجعي وهنا