أبيات شعرية مختارة من قصائد الشاعر امرئ القيس

ألا انعم صباحاً أيها الأحباب وابتسموا

ألا انعم صباحاً أيها الأحباب وابتسموا

وحدثوا حديث القوافل إن شئتم وصدقوا

وتحدثوا عن المواقف إذ زال حملها في الليل

مثل الناحل من الأعراض غير المنكشفة

توجهن بالحوايا وجلسن في أماكنهن

وأخفّفن من حوك العراق المنمق

وفوق الحوايا غزوة ونساءٌ مطاهرات

تضامخن من مسكٍ ذكي وزهر الياسمين

فاتبعتهم بنظراتي وقد حال دونهم

عمق الرمال ذي المجد والأشجار

فعلى أثر حيٍ يتجهزون لنيةٍ

فحلتِ العقيق أو مرتفع المطر

فقد عزيت نفسي حين رأيتهم بجسرةٍ

كالبنيان في الخفاء كأبناء اليهود

إذا زُجِرَت ألفيتُهم مشمعةً

تنفح بعذقٍ من غروس ابن معنق

تروح حين تروح مثل رياح الغيم

تتبع جملة جحيم رائحي متفرق

كأن فيهن هرّاً جليلاً يجرهن

بكل طريق صادفته ومأزقه

كأني ورحلي والقراب ونمرقي

على يرفئ ذي زوائد نقي

تروح من أرض إلى أرض جديدة

لذكرة قيض حول بيضٍ متكسر

يجول بآفاق البلاد المغرباً

وتسحقه ريح الصبا في كل مكان

وفي بيتٍ يفوح المسك في حجراته

بعيدًا عن الآفات غير مريب

دخلتُ على بيضاء مميزة عظيمةٌ

تعفي بذيل الدرع حين أتيتُ المودق

وقد ركدت وسط السماء نجومها

ركود نوادي الربرب المتورقة

وقد أغتدي قبل العطاس بهيكلاً

شديد مشك الجنب فعامِ المنطِق

بعثنا ربيئًا قبل ذاك محملاً

كذئب الغضا يسير في القفر ويتقين

فبقي كمثل الخشف يرفع رأسه

وسائره مثل التراب المدقق

وقد جاء خفيفًا يسف الأرض ببطنه

ترى الترب منه لاصقًا بكل ملصق

وقال ألا هذا صوار وعانة

وخيظ نعامة يرعى متفرقًا

فقمنا بأشلاء اللجام ولم نقدر

على غصن بانٍ ناصرٍ لم يُحرق

نزاوله حتى حملنا غلامنا

على ظهر ساطٍ مثل الصليف المعاق

كأن غلامي إذ علو حال متنه

على ظهر بازٍ في السماء مُحلِق

رأى أرنبًا فانقضّ يهوى أمامه

إليه وجلاها بطرفٍ مائل

فقلت له: صوب ولا تجهدنه

لينتهز من أعلى القطاة فتنزلق

فأدبرن مثل الجزع المفصل بينه

بجيد الغلام ذي القميص المطوق

وأدركهن ثانيًا من عنانه

كغيث العشي الأقهب المتودق

فصاد لنا عيراً وثوراً وخاضباً

عدا وان لم ينضح بماء فيعرق

وظل غلامي يضجع الرمح حوله

لكل مهاءٍ أو لأحقب سهوق

وقام طويل الشخص إذا يخضبونه

قيامة العزيز الفارسي المنطق

فقلنا: ألا قد كان صيدٌ لقانصٍ،

فخبوا علينا كل ثوب مزوق

وظلّ صحابي يشتهون بنعمةٍ

يصفون غاراً باللكيك الموشق

ورحنا كأني من جؤاثي عشيةً

نعالي النعاج بين عدلٍ ومشنق

ورحنا بقدره يجنب وسطنا

تستقيم فيه العين طوراً ونرتقي

وأصبح زهلولاً يُزِلّ غلامنا

كَقدح النضي باليدين المتفوق

كأن دماء الهدايات بنحره

عصارة حناءٍ بشيبٍ متناثر

ألا عِمْ صباحاً أيها الطلل البالي

ألا عِمْ صباحاً أيها الطلل البالي

وهل يعُمنَ من كان في العصر الخالي

وهل يعُمنَ إلا سعيدٌ مخلدٌ

قليل الهموم ما يبيت بأوجاله

وهل يعُمنَ من كان أحدث عهده

ثلاثين شهراً في ثلاثة أحوال

ديارٌ لسلمى عافياتٌ بذو خال

ألَحَّ عليها كل أسحمٍ هطَّال

وتحسبُ سلمى لا تزال ترى طلا

من الوحش أو بيضاً بميثاء محلال

وتحسُبُ سلمى لا نزال كعهدنا

بوادي الخزامى أو على رسّ أوعال

ليالي سلمى إذ تريك منصباً

وجيداً كجيد الرئم ليس بمعطال

ألا زعمت بسبابة أنني

كبرتُ وأن لا يحسنُ اللهو أمثالي

كذبتِ لقد أصبَى على المَرء عرسُهُ

وأمنعُ عرسي أن يُزَنَّ بها الخالي

ويا رب يومٍ قد لهوت وليلةٍ

بآنسةٍ كأنها خطُّ تمثال

يضيء الفراش وجهها لضجيعها

كمصباح زيتٍ في قناديل ذبّال

كأنَّ على لباتها جمرَ مصطل

أصاب غضى جزلاً وكفًّا بأجذال

وهبّت له ريحٌ بمختلف الصُوَا

صباً وشمال في منازل قفال

ومثلِكِ بيضاء العوارض طفلةٍ

لعوبٍ تُنسيني، إذا قمت، سربالي

إذا ما الضجيع ابتزها من ثيابها

تميل عليه هونًا غير مجبال

كحِقْفِ النقا يمشي الوليدان فوقه

بما احتسبا من لين مس وتسهال

لطيفةُ طَيّ الكشح غير مُفَاضَةٍ

إذا انفتلت مرتجّة غير مثقال

تنورتها من أذراعٍ وأهلها

بيَثرب أدنى داره نظرٌ عال

نظرتُ إليها والنجوم كأنها

مصابيح رهبانٍ تشبُّ لقفال

سموتُ إليها بعد ما نام أهلها

سموَّ حبابِ الماء حالاً على حال

فقالت سَباك اللَه إني فاضحي

أَلَسْتَ تَرى السُمّارَ والناسَ أحيالي

فقلتُ ييمينَ اللَه أبرح قاعداً

ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي

حلَفتُ لها باللَه حِلفَة فاجِرٍ

ناموا فما إن من حديثٍ ولا صال

فلما تنازعنا الحديث وأسمحت

هصّرتُ بغصنٍ ذي شماريخ ميّال

وصِرنا إلى الحُسنى ورَقّ كَلامُنا

ورضتُ فذلّت صعبةٌ أي ذلزال

فأصبحتُ معشوقاً وأصبح بعلها

عليه القتامُ سيئ الظن والبال

يغُطُّ غطيطَ البكرِ شُدَّ خِناقُهُ

ليقتلني والمَرء ليس بقتّال

أيقتلني والمشرفيُ مضاجِعي

ومسنونةٌ زرق كأنياب أغوال

وليس بذي رمحٍ فيطعنني به

وليس بذي سيفٍ وليس بنبّال

أيقتلني وقد شغفت فؤادها

كما شغفَ المهنوة الرجل الطالي

وقد علمت سلمى وإن كان بعلها

بأن الفتى يهذي وليس بفَعّال

وماذا عليه إن ذكرتُ أوا نبسى

كغزلانِ رملٍ في محاريب أقيا ل

وبيتي عذارى يومَ دجنٍ ولجتُهُ

يطُفنَ بجَباء المرافق مكسال

سِباطُ البنانِ والعَرانين والقَنا

لطافَ الخصور في تمام وإكمال

نواعِمُ يُتبِعنَ الهوى سُبُلَ الرَدى

يقلنَ لأهل الحلم ضُلَّ بتضلال

صرفتُ الهوى عهُنَّ من خشية الردى

ولستُ بمقليِّ الخلال ولا قائل

كأني لم أركب جَواداً للذّةٍ

ولم أَتَبَطَّن كاعِباً ذاتَ خِلخال

ولم أَسْبَإِ الزقَّ الرَّويَّ ولم أَقُل

لخيليَ كُرّي كَرَّةً بعد إجفال

ولم أشهد الخيل المغيرَةَ بالضحى

على هيكلٍ عبلِ الجزارَةِ جَوَّال

سليم الشظى عبل الشوى شنجَ النسا

له حَجَباتٌ مُشرِفاتٌ على الجال

وصُمٌ صلابٌ ما يقينَ من الوجى

كأن مكان الردف منه على رئل

وقد أغتدى والطيرُ في وكُناته

لِغيثٍ من الوسمي رائده خال

تحاماه أطراف الرماح تحامياً

وجادَ عليه كل أسحم هطّال

بعجلزةٍ قد آترز الجري لحمها

كميتٍ كأنها هرواةُ منوال

ذَعَرتُ بها سيراً نقياً جلودُهُ

وأكرعه وشي البردِ من الخال

كأن الصُوارَ إذ تجَهَّدَ عدوُهُ

على جُمَزَى خيلٍ تجول بأجلال

فجالَ الصُوارُ واتقين بقَرْهَبٍ

طويل الفرا والروق أخنَسَ ذيّال

فعادى عداءً بين ثورٍ ونعجةٍ

وكان عِداءُ الوحشِ مني على بال

كأني بفَتخاءِ الجناحين لَقوةٍ

صَيودٍ من العقبان طأطأتُ شملالي

تَخَطَّفُ خزّان الشُرَيَّةِ بالضحى

وقد حجرَت منها ثعالِبُ أُورال

كأن قلوب الطير رطباً ويابساً

لدى وكرها العُنّابُ والحشفُ البالي

فلَو أن ما أسعى لأدنى معيشةٍ

لكفاني ولم أطلُب قليلاً من المال

ولكنما أسعى لمجدٍ مؤثلٍ

وقد يُدرِكُ المجد المؤثل أقراني

وما المرء ما دامت حُشاشةُ نفسه

بمدرك أطراف الخطوب ولا آلي

أرانا موضعين لأمر غيب

أرانا موضعين لأمر غيب

ونُسخر بالطعام وبالشّراب

عصافيرٌ وذبانٌ ودودٌ،

وأجْرأُ مِن مُجَلِّحة الذئاب

فبعضَ اللوم عاذلتي فإني

ستكفيني التجارب وانتسابي

إلى عرقِ الثرى وشجت عروقي

وهذا الموت يسلبني شبابي

ونفسي، سوف يسلبها، وجريمي،

فيلحقني وشيكاً بالتراب

ألم أنض المطي بكل خرق

أمَقَ الطول، لمّاعِ السراب

وأركبُ في اللهام المجر حتى

أنالَ مآكل القُحَم الرّغاب

وكُلُّ مَكارم الأخلاق صارت

إلى هِمَّتي، وبه اكتمالي

وقد طوَّفتُ في الآفاق حتى

رضيتُ من الغنيمة بالإياب

أبعد الحارث الملكِ ابن عمرو

وبعد الخيرِ حُجرٍ ذي القباب

أرجى من صروف الدهر ليناً

ولم تغفل عن الصم الهضاب

وأعلمُ أنني، عما قريبٍ،

سأنشبُ في شبا ظفر وناب

كما لاقى أبي حجرٌ وجدّي

ولا أنسى قتيلاً بالكلاب