الحب
الحب هو عملية تبادل المشاعر النبيلة والاهتمام العميق بالمحبوب، حيث يتم تقديم الحنان والعواطف القوية لإشباع غريزة الحب التي تسكن القلب. إنها علاقة تعكس شراكة بين شخصين، يجمعهما قلب واحد ومشاعر متآلفة. لقد أبدع العديد من الشعراء على مر العصور، القديم والحديث، في كتابة قصائد تعبر عن الحب وتأثيره على النفس البشرية، وكيف يمكن أن ينتقل بالفرد من حالة من الحزن والانطواء إلى حالة من السعادة والاندماج مع المجتمع. في هذا المقال، سنقدم لكم بعضًا من أجمل القصائد التي تناولت موضوع الحب.
كم للمنازل من عام ومن زمن
زهير بن أبي سلمى هو ربيعة بن رباح المزني، شاعر ولد في غطفان بالقرب من المدينة المنورة. تتزوج مرتين، وكانت الأولى من أم أوفى، لكن لم يحالفه الحظ في زواجه بسبب وفاة أولاده منها، ثم تزوج من كبشة بنت عمار وأنجب شاعرين. وتوفي زهير عام 607 ميلادي، ومن أشهر قصائده في الحب تلك الآتية:
كَم لِلمَنازِلِ مِن عامٍ وَمِن زَمَنٍ
لِآلِ أَسماءَ بِالقُفَّينِ فَالرُكُنِ
لِآلِ أَسماءَ إِذ هامَ الفُؤادُ بِها
حيناً وَإِذ هِيَ لَم تَظعَن وَلَم تَبِنِ
وَإِذ كِلانا إِذا حانَت مُفارَقَةٌ
مِنَ الدِيارِ طَوى كَشحاً عَلى حَزَنِ
فَقُلتُ وَالدِيارُ أَحياناً يَشُطُّ بِها
صَرفُ الأَميرِ عَلى مَن كانَ ذا شَجَنِ
لِصاحِبَيَّ وَقَد زالَ النَهارُ بِنا
هَل تُؤنِسانِ بِبَطنِ الجَوِّ مِن ظُعُنِ
قَد نَكَّبَت ماءَ شَرجٍ عَن شَمائِلِها
وَجَوُّ سَلمى عَلى أَركانِها اليُمُنِ
يَقطَعنَ أَميالَ أَجوازِ الفَلاةِ كَما
يَغشى النَواتي غِمارَ اللُجِّ بِالسُفُنِ
يَخفِضُها الآلُ طَوراً ثُمَّ يَرفَعُها
كَالدَومِ يَعمِدنَ لِلأَشرافِ أَو قَطَنِ
أَلَم تَرَ اِبنَ سِنانٍ كَيفَ فَضَّلَهُ
ما يَشتَري فيهِ حَمدَ الناسِ بِالثَمَنِ
وَحَبسُهُ نَفسَهُ في كُلِّ مَنزِلَةٍ
يَكرَهُها الجُبَناءُ الضاقَةُ العَطَنِ
حَيثُ تُرى الخَيلُ بِالأَبطالِ عابِسَةً
يَنهَضنَ بِالهُندُوانِيّاتِ وَالجُنَنِ
حَتّى إِذا ما اِلتَقى الجَمعانِ وَاِختَلَفوا
ضَرباً كَنَحتِ جُذوعِ النَخلِ بِالسَفَنِ
يُغادِرُ القِرنَ مُصفَرّاً أَنامِلُهُ
يَميلُ في الرُمحِ مَيلَ المائِحِ الأَسِنِ
تَاللَهِ قَد عَلِمَت قَيسٌ إِذا قَذَفَت
ريحُ الشِتاءِ بُيوتَ الحَيِّ بِالعُنَنِ
أَن نِعمَ مُعتَرَكُ الحَيِّ الجِياعِ إِذا
خَبَّ السَفيرُ وَمَأوى البائِسِ البَطِنِ
مَن لا يُذابُ لَهُ شَحمُ النَصيبِ إِذا
زارَ الشِتاءُ وَعَزَّت أَثمُنُ البُدُنِ
يَطلُبُ بِالوِترِ أَقواماً فَيُدرِكُهُم
حيناً وَلا يُدرِكُ الأَعداءُ بِالدِمَنِ
وَمَن يُحارِب يَجِدهُ غَيرَ مُضطَهَدٍ
يُربي عَلى بِغضَةِ الأَعداءِ بِالطَبَنِ
هَنّاكَ رَبُّكَ ما أَعطاكَ مِن حَسَنٍ
وَحَيثُما يَكُ أَمرٌ صالِحٌ فَكُنِ
إِن تُؤتِهِ النُصحَ يوجَد لا يُضَيِّعُهُ
وَبِالأَمانَةِ لَم يَغدُر وَلَم يَخُنِ
يعلمني الحب ألا أحب
حصل الشاعر محمود درويش على العديد من الجوائز، منها جائزة لوتس من اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا في الهند عام 1969، ودرع الثورة الفلسطينية من منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1981. يُعتبر درويش واحدًا من أبرز الشعراء العرب الذين ساهموا في تطوير وتجديد الشعر العربي. وُلِد عام 1941 في قرية البروة، وله مجموعة من القصائد التي تتناول مواضيع الحب، منها القصيدة التي نعرضها الآن:
يُعلِّمُني الحُبُّ ألاَّ أحِبَّ وَأَنْ أفْتَحَ النَّافِذَهْ
عَلَى ضِفَّة الدَّرْبِ هَل تَسْتَطيعين أنْ تَخْرُجي مِنْ نداءِ الحَبَقْ
وَأَنْ تقسمِيني إلى اثْنَيْن أَنْتِ وَمَا يَتَبِقَّى مِنَ الأُغْنِيَهْ
وَحُبٌ هو الحُبُّ فِي كُلِّ حُبِّ أرى الحُبَّ مَوْتاً لِمَوْتٍ سَبَقْ
وَريحاً تُعَاوِدُ دَفْعَ الخُيُول إلَى أمِّهَا الرِّيحِ بَيْنَ السَّحَابَة والأوْدِيَهْ
أًلا تَسْتَطِيعينَ أَنْ تَخْرُجِي مِنْ طَنينِ دَمي كَيْ أْهَدْهِدَ هَذَا الشَّبقْ
وكَيْ أُسْحَبَ النَّحْلَ مِنْ وَرَق الوَرْدَةِ المُعْدِيهْ
وَحُبٌ هو الحُبُّ يَسْأًلُنِي كَيْفَ عَادَ النَّبِيذُ إلَى أْمِّه واحْتَرقْ
وَمَا أًعْذَبَ الحُبَّ حِينَ يُعذب حِينَ يُخرِّب نَرْجسَةَ الأْغْنيهْ
يُعَلِّمُني الحُبِّ أن لاَ أُحِبَّ وَيَتْرُكُني في مَهَبِّ الوَرَقْ
هل كان حبا
بدر شاكر السياب هو شاعر عراقي وُلِد في عام 1926، حيث تخصص في دراسته في الأدب العربي ومن ثم الأدب الإنجليزي، وتخرج عام 1948. توفي السياب عام 1964 عن عمر يناهز 37 عامًا. وله قصائد تحاكي الحب، ومن أبرزها القصيدة التالية:
هل تُسمّينَ الذي ألقى هياما
أَمْ جنوناً بالأماني أم غراما
ما يكون الحبُّ نَوْحاً وابتساما
أم خُفوقَ الأضلعِ الحَرّى إذا حانَ التلاقي
بين عينينا فأطرقتُ فراراً باشتياقي
عن سماءٍ ليس تسقيني إذا ما
جئتُها مستسقياً إلاّ أواما
العيون الحور لو أصبحنَ ظلاً في شرابي
جفّتِ الأقداحُ في أيدي صحابي
دون أن يَحْضَينَ حتى بالحبابِ
هيئي يا كأسُ من حافاتك السكرى مكانا
تتلاقى فيه يوماً شفتانا
في خفوقٍ والتهابِ
وابتعادٍ شاعَ في آفاقهِ ظلُّ اقترابِ
كم تَمَنَّى قلبيَ المكلومُ لو لم تستجيبي
من بعيدٍ للهوى أو من قريبِ
آهِ لو لم تعرفي قبل التلاقي من حبيبِ
أيُّ ثغرٍ مَسَّ هاتيك الشفاها
ساكباً شكواهُ آهاً ثم آها
غير أنّي جاهلٌ معنى سؤالي عن هواها
أهو شيءٌ من هواها يا هواها
أَحْسدُ الضوءَ الطروبا
مُوشكاً مما يلاقي أن يذوبا
في رباطٍ أوسع الشَّعرَ التثاما
السماء البكرُ من ألوانه آناً وآنا
لا يُنيلُ الطرفَ إلاّ أرجوانا
ليتَ قلبي لمحةٌ من ذلك الضوء السجينِ
أهو حبٌّ كلُّ هذا خبّريني
هل تذكرين وأنت من غزلانه
مصطفى التل، المعروف بمصطفى وهبي صالح التل، هو شاعر أردني وُلِد عام 1899. كان يتقن العديد من اللغات بما في ذلك التركية والفارسية، وله العديد من الدواوين مثل “عشيّات وادي اليابس” الذي صدر عام 1982. توفي عام 1949 ودُفن في إربد. ومن أبرز قصائده في الحب تلك الآتية:
هل تذكرين وأنت من غزلانه
وادي الشتا والعمر في ريعانه
والقلب مخضل الجوانب نشوة
رعناء قد أودت بثبت جنانه
فهنا هوى وهوى هناك وثالث
وقف عليك وأنت من أعيانه
يا مي ما للقلب حال وجيبه
صمتاً كصمت الميت في أكفانه
وعلام أحلامي أسف خيالها
وتبرمي يشتط في إمعانه
وعلام آمالي يروعها الأسى
واليأس يجذبها إلى أحضانه
وعلام شيطاني إذا استلهمته
شعراً يزيد الوقر في آذانه
هاتي الجبين أعل من نعمائه
عذباً نهلت الصبا من حرمانه
فلعل إلهامي القديم يعودني
ويحفني في وحشتي بحنانه
يا مي ما ذنبي إذا فر الصبا
ومضى ولم أجن الشباب لشأنه
وسواد شعرك حد من غلوائه
ومشى المشيب إلي قبل أوانه
يا مي ما ذنبي إذا دهري عتا
وسواد حظي لج في طغيانه
فالمرء يدرك ما يشاء من المنى
بالسعي والتأييد من إخوانه
وأنا الذي جحد الأحبة فضله
وأعان أصدقهم على خذلانه
هاتي الجبين فما تزال سعادتي
إن يدن من شفتي طوع بنانه
وتوسدي صدري وحسبي نعمة
هذا الذي توحين من خفقانه
مالي ودنياهم فحبك عالم
أسمى ولن يصل الأذى لكيانه
يا مي جلعاد الأشم كعهده
ما زال يريض جاثماً بمكانه
والغور ما انفكت غدائر نبته
وزهوره تحنو على غدرانه
وسماء إربد ما يزال سحابها
يسقي سهول الحصن من هتانه
يا مي ما برحت حمائم سدرنا
تشدو مصفقة على أغصانه
فتعهدي قلبي بحبك واسمعي
ما شئت من شدوي ومن ألحانه
كوخ الندامى قد تقلص ظله
وعراصه أقوين من ندمانه
ومضت برب الكوخ نحو حجالها
خرقاء في يدها زمام عنانه
فتنته لعنة خدرها عن رهطه
واستبدلته مخاوفاً بأمانه
وأساء محسن للقرين وعرسه
ولنا عشية صاغ عقد قرانه
فوددت لو أني استطعت حمية
للكوخ قبل العقد سل لسانه
وارحمتا للكوخ كيف تبرمت
ضجراً صوى اللذات في عنوانه
تدعو السقاة كؤوسها فيجيبها
رجع الصدى يرتد عن جدرانه
والزق يسأل عن سباة حريمه
والدف يسأل عن مصير قيانه
وارحمتا للكوخ إن حضيضه
قد ضم إشفاقاً ذرى بنيانه
والعود ألوى كاليتيم برأسه
وبكى لها فبكت غضاضة شأنه
هذا الكمان فأين عازفه الذي
يبكي حطام الكوخ شجو كمانه
وارحمتا للكوخ كيف تجهمت
من بعد إشراق وجوه زمانه
حتى أنا وأنا الوفي لعهده
أَصبحت لا أرتاد نجعة حانه
فكأنني عبود في إِسلامه
أو حمزة العربي في إِيمانه
وأخاف إن طالت جذور تقشفي
أن يدعيني القصر من شيخانه
عجباً حبائي من طلال عمامة
قوراء مثل البدر في إبانه
ونوال نايف سبحة حباتها
غاصت إلى الآذان في سبحانه
وعطاء سيدنا مقال ممتع
في الزهد يسكرني بسحر بيانه
وقصيدة عصماء من أبياتها
عاينت سر الحق في غفرانه
ورأيت أن اللّه أوسع رحمة
مما يظن البعض من عبدانه
وشهدت كيف العفو يسبل ستره
حتى على فرعون في عصيانه
لا تعجلو يا قوم إن تصوفي
ما زال مفتقراً إلى برهانه
يا مي قد عاد الربيع وعاودت
نفسي وساوس قصفه ودنانه
ورؤى خمار كنت معه أظنني
كسرى أنو شروان في إيوانه
حولي دهاقيني تحف بسدتي
شأن المتوج في ذوي سلطانه
حتى إذا روحي ترنح عطفها
من لحظك المخمور في أجفانه
واكتظ رأسي من جمالك نشوة
ضن الشراب بها على سكرانه
حطمت كأسي واعتصمت بتوبة
قد ألهبت صفعاً قفا شيطانه
وأنبت عن شرب العقار وبذله
وتنزهت شفتاي عن أدرانه
يا مي قد صرت جنادب حقلنا
وفراشه يختال في طيرانه
للّه أجنحة الضعيف فإنها
تسمو به ويقيم دون عنانه
فادني شفاهك من فمي وتوسدي
صدري يكف الدهر عن عدوانه
يا ويح حملان الخيال فإنهم
قربان واديهم إلى سرحانه
هاتي جبينك فالتلاع تبسمت
للمكفهر الفظ في لمعانه
وشعاب وادي السير سال لجينها
للبرق لما افتر عن أسنانه
هاتي جبينك فالحياة جوادها
شرس وليس فتاك من فرسانه
من لم يكن ذئباً فإن زمانه
يغري به العشرات من ذؤبانه
يا ويح أجنحة الخيال فإنها
تغتال طائرها بريش سنانه
وادي الشتا هذا وتلك ملاعبي
أيام كنت وكنت من جيرانه
فادني شفاهك من فمي إن لم يكن
يا مي قلبك قد من صوانه
وتوسدي صدري وحسبك نعمة
هذا الذي توحين من خفقانه
مالي ودنياهم فحبك عالم
سر الهوى وقف على سكانه