الإمام الشافعي
وُلِد الإمام الشافعي في غزّة عام 150هـ/ 204م. بعد وفاة والده، قامت والدته بنقله إلى مكة لتفادي ضياع نسبه. انتقل الشافعي بين البلدان بغرض طلب العلم، وكان فصيحًا وشاعرًا بارعًا ورامياً ماهرًا، يهوى السفر. حفظ القرآن الكريم في سن السابعة، وموطأ مالك في سن العاشرة. أنجب الشافعي من زوجته أربعة أبناء: محمد (أبو عثمان)، وفاطمة، وزينب، ومحمد (أبو الحسن) من جاريته المسماة دنانير.
دع الأيام تفعل ما تشاء
من حكم الشافعي في الصبر:
دع الأيام تفعل ما تشاء
وطب نفسًا إذا حكم القضاء
ولا تـجزع لحادثة الليالي
فما لحوادث الدنيا بقـاء
وكن رجلاً على الأهوال جلدًا
وشيمتك السماحة والوفاء
وإن كثرت عيوبك في البرايا
وسرك أن يكون لها غطاء
تستر بالسخاء، فكل عيب
يغطيه كما قيل: السخاء
ولا ترى للأعداء قط ذلاً
فإن شماتة الأعداء بلاء
ولا تــرج السماحة من بخيل
فما في النار للظمـآن ماء
ورزقك ليس ينقصه التأنـي
وليس يزيد في الرزق العناء
ولا حزن يدوم ولا سرور
ولا بؤس عليك ولا رخاء
إذا ما كنت ذا قلب قنوع
فأنت ومالك الدنيا سواء
ومن نزلت بساحته المنايا
فلا أرض تقيه ولا سماء
وأرض الله واسعة لكن
إذا نزل القضاء ضاق الفضاء
دع الأيام تغدر كل حين
فما يغني عن الموت الدواء
إليك إله الخلق أرفع رغبتي
يقول الإمام الشافعي:
إليك إله الخلق أرفع رغبتي
وإن كنت يا ذا المن والجود مجرما
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
بعفوك ربي كان عفوك أعظم
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تـزل
تجود وتعفو منة وتكرما
فلولاك لم يصمد لإبليس عابد
فكيف وقد أغوى صفيك آدما
فلله در العارف الندب إنه
تفيض لفرط الوجد أجفانه دما
يقيم إذا ما الليل مد ظلامه
على نفسه من شدة الخوف مأتما
فصيحًا إذا ما كان في ذكر به
وفي ما سواه في الورى كان أعجما
ويذكر أياما مضت من شبابه
وما كان فيها بالجهالة أجرما
فصار قرين الهم طول نهاره
أخا السهد والنجوى إذا الليل أظلما
يقول حبيبي أنت سؤلي وبغيتي
كفى بك للراجين سؤلاً ومغنما
ألست الذي غذيتني وهديتني
ولا زلت منانًا علي ومنعمًا
عسى من له الإحسان يغفر زلتي
ويستر أوزاري وما قد تقدما
يا واعظ الناس عما أنت فاعله
يقول الإمام الشافعي:
يا واعظ الناس عما أنت فاعله
يا من يعد عليه العمر بالنفس
أحفظ لشيبك مـن عيب يدنسه
إن البياض قليل الحمل للدنس
كحامل لثياب الناس يغسلها
وثوبه غارق في الرجس والنجس
تبغي النجاة ولم تملك طريقتها
إن السفينة لا تجري على اليبس
ركوبك النعش ينسيك الركوب على
ما كنت تركب من بغلٍ ومن فرس
يوم القيامة لا مال ولا ولد
وضمة القبر تنسي ليلة العرس
فإذا سمعت بأن مجدودا حوى
يقول الإمام الشافعي:
فإذا سمعت بأن مجدودا حوى
عوداً فأثمر في يديه فصدق
وإذا سمعت بأن محرومًا أتى
ماء ليشربه فغاض فحقق
لو كان بالحيل الغنى لوجدتني
بنجوم أقطار السماء تَعَلُّقي
لكن من رُزق الحجى حرم الغنى
ضدان مفترقان أي تفــرق
وأحق خلق الله بالهم امرؤ
ذو همة يُبلَى برزق ضيق
ومن الدليل على القضاء وحكمه
بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
إن الذي رزق اليسار فلم ينل
أجرا ولا حمدا لغير موفـق
والجد يدني كل أمر شاسع
والجد يفتح كل باب مغلق
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا
وقال الإمام الشافعي في الصديق:
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا
فدعـه ولا تكثر عليه التأسفا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة
وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا
فما كل من تهواه يهواك قلبه
ولا كل من صافيتك له قد صفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة
فلا خير في ود يجيء تكلفا
ولا خير في خل يخون خليله
ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشا قد تقادم عهده
ويظهر سرا كان بالأمس في خفا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق
صدوق صادق الوعد منصفا
البخل والظلم
قال الشافعي في البخل والظلم:
بلوت بني الدنيا فلم أر فيهـم
سوى من غدا والبخل ملء إهابه
فجردت من غمد القناعة صارمـًا
قطعت رجائي منهم بذبابـه
فلا ذا يرانـي واقفاً في طريقه
ولا ذا يراني قاعداً عند بابـه
غنى بلا مال عن الناس كلـهـم
وليس الغنى إلا عن الشيء لا به
إذا ما ظالم استحسن الظلم مذهبا
ولج عنتاً في قبيح اكتسابـه
فكله إلى صرف الليالي فإنـها
ستدعو له ما لم يكن في حسابه
فكم قد رأينا ظالما متمردا
يرى النجم رتيها تحت ظل ركابه
فعما قليلٍ وهو في غفلاتـه
أناخت صروف الحادثات ببابـه
وجوزي بالأمر الذي كان فاعلا
وصب عليه الله سوط عذابه
صن النفس واحملها على ما يزينها
من روائع الشافعي:
صن النفس واحملها على ما يزينها
تعش سالماً والقول فيك جميل
ولا تولين الناس إلا تجملا
نبا بك دهر أو جفاك خليل
وإن ضاق رزق اليوم فاصبر إلى غد
عسى نكبات الدهر عنك تزول
ولا خير في ود امرئ متلون
إذا الريح مالت مال حيث تميل
وما أكثـر الإخوان حين تعدهـم
ولكنهم في النائبات قليل
ما في المقام لذي عقل وذي أدب
من أجمل قصائد الشافعي:
ما في المقام لـذي عقل وذي أدب
من راحة فدع الأوطان واغترب
سافر تجد عوضاً عمن تفارقه
وانصب فإن لذيذ العيش في النصب
إني رأيت وقوف الماء يفسده
إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب
والأسد لولا فراق الأرض ما افترست
والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة
لملها الناس من عجم ومن عرب
والتبر كالترب ملقى في أماكنه
والعود في أرضه نوع من الحطب
فإن تغرب هـذا عز مطلبه
وإن تغرب ذاك عز كالذهب
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
من قصائد الشافعي أيضًا:
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
بعفوك ربي كان عفوك أعظم
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل
تجود وتعرف نعمة وتكرمًا
فلولاك لم يصمد لإبليس عابد
فكيف وقد أغوى صفيك آدما
فلله در العارف الندب إنه
تفيض لفرط الوجد أجفانه دما
يقيم إذا ما الليل مد ظلامه
على نفسه من شدة الخوف مأتما
فصيحًا إذا ما كان في ذكر ربّه
وفي ما سواه في الورى كان أعجما
ويذكر أيامًا مضت من شبابه
وما كان فيها بالجهالة أجرما
فصار قرين الهم طول نهاره
أخا السهد والنجوى إذا الليل أظلما
يقول حبيبي أنت سؤلي وبغيتي
كفى بك للراجين سؤلاً ومغنما
ألست الذي غذيتني وهديتني
ولا زلت منانًا علي ومنعمًا
عسى من له الإحسان يغفر زلتي
ويستر أوزاري وما قد تقدما
لما عفوت ولم أحقد على أحد
قال الشافعي في حسن الأخلاق:
لما عفوت ولم أحقد على أحد
أرحت نفسي من هم العداوات
إني أُحيي عدوّي عند رؤيته
لأدفع الشر عني بالتحيات
وأظهر البشر للإنسان أبغضه
كما إن قد حشى قلبي محبات
الناس داء وداء الناس قربهم
وفي اعتزالهم قطع المودات
إني صحبت الناس ما لهم عدد
من أجمل قصائد الشافعي أيضًا:
إني صحبت الناس ما لهم عدد
وكنت أحسب أني قد ملت يدي
لما بلوت أخلاّئي وجدتُهمُ
كدهرٍ في الغدر لم يبقوا على أحد
إن غبت عنهم فشر الناس يشتمني
وإن مرضت فخير الناس لم يعدِ
وإن رأوني بخير ساءهم فرحي
وإن رأوني بشر سرّهم نكدي
تغرب عن الأوطان في طلب العلا
من قصائد الشافعي في العلم:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفريج هم واكتساب معيشة
وعلم وآداب وصحبة ماجد
وإن قيل في الأسفار ذل ومحنة
وقطع الفيافي واكتساب الشدائد
فموت الفتى خير له من حياته
بدار هوان بين واش وحاسد
بموقف ذلي دون عزتك العظمى
قال الشافعي في عزة النفس:
بموقف ذلي دون عزتك العظمى
بمخفي سر لا أحيط به علمًا
باطرق رأسي باعتراضي بذلتي
بمد يدي استمطِر الجود والرحمى
بأسمائك الحسنى التي بعض وصفها
لعزتها يستغرق النثر والنظما
بعهد قديم من أَلَستُ بربّكم
بمن كان مجهولا فعرف بالأسماء
أذقنا شراب الأنس يا من إذا سقى
مُحبًّا شرابًا لا يضام ولا يظما
توكلت في رزقي على الله خالقي
قال الشافعي في التوكل على الله:
توكلت في رزقي على الله خالقي
وأيقنت أن الله لا شك رازقي
وما يكُ من رزقي فليس يفوتني
ولو كان في قاع البحار العوامق
سيأتي به الله العظيم بفضله
ولو لم يكن مني اللسان بناطق
ففي أي شيء تذهب النفس حسرة
وقد قسم الرحمن رزق الخلائق
خبت نار نفسي باشتعال مفارقي
قال الشافعي:
خبت نار نفسي باشتعال مفارقي
وأظلم ليلي إذ أضاء شهابها
أيا بومة قد عششت فوق هامتي
على رغم مني حين طار غرابها
رأيت خراب العمر مني فزرّتني
ومأواك من كل الديار خرابها
أأنعم عيشًا بعدما حل عارضي
طلائع شيب ليس يغني خضابها؟
وعزة عمر المرء قبل مشيبه
وقد فنيت نفس تولى شبابها
إذا اصفر لون المرء وابيض شعره
تنغص من أيامه مستطابها
فدع عنك سواءات الأمور فإنها
حرام على نفس التقي ارتكابها
وأد زكاة الجاه واعلم بأنها
كمثل زكاة المال تم نصابها
وأحسن إلى الأحرار تملك رقابهم
فخير تجارات الكرام اكتسابها
ولا تمشين في منكب الأرض فاخراً
فعما قليل يحتويك ترابها
ومن يذق الدنيا فإني طعمتها
وسيق إلينا عذبها وعذابها
فلم أرها إلا غُرورًا وباطلاً
كما لاح في ظهر الفلاة سرابها
وما هي إلا جيفة مستحيلة
عليها كلاب همّهن اجتذابها
فإن تجتنبها كنت سِلما لأهلها
وإن تجتذبها نازعتك كلابها
فطوبى لنفس أودعت قعر دارها
مغلقة الأبواب مرخي حجابها
قلبي برحمتك اللهم ذو أنس
من قصائد الشافعي في الرحمة:
قلبي برحمتكَ اللهم ذو أنسِ
في السر والجهر والإصباح والغلس
وما تقلبت من نومي وفي سنتي
إلا وذكرك بين النفس والنفس
لقد مننت على قلبي بمعرفة
بأنكَ الله ذو الآلاء والقدس
وقد أتيتُ ذنوبًا أنت تعلمها
ولم تكن فاضحي فيها بفعل مسي
فمنن علي بذكر الصالحين ولا
تجعل علي إذا في الدين من لبس
وكن معي طول دنياي وآخرتي
ويوم حشري بما أنزلت في عبس