قصيدة أعاتب دهراً لا يلين لعاتب
أُعاتِبُ الزمانَ الذي لا تلين فيه العتاباتُ،
وأطلبُ الأمانَ من تقلباتِ المصائبِ،
وتعدني الأيامُ بوعدٍ يُخدعني،
وأعلمُ يقيناً أنَّ هذا الوعد كاذبٌ،
لقد خدمْتُ أشخاصاً وتخذتُ أقاربَ،
للمساعدة ولكنهم أصبحوا كالعقاربِ،
يُنادونني في السلم يا ابنَ زبيبةٍ،
وعندَ اشتباكِ الخيلِ ينادون يا ابنَ الأطايبِ،
ولولا الهوى ما ذلَّ مثلي لمثلهم،
ولا خضعت أُسدُ الفلا للثعالبِ،
ستَذكُرني قومي إذا الخيلُ أصبحت،
تجوبُ بها الفرسانُ بين المضاربِ،
فإن هم نَسَوْني فالصواري والمنايا،
ستذكرهم فعلي ووقعَ مضاربي،
فيا ليتَ الزمانَ يقربُ أحبَّتي،
إليَّ كما يقتربُ مصائبي،
وليت خيالاً منكِ يا عبلَ طارقًا،
يرى فيضَ جفني بالدموعِ السواكبِ،
سأصبرُ حتى تطرحني عواذلي،
وحتى يضجَّ الصبرُ بين جوانبي،
مقامُكِ في جو السماء مكانهُ،
وباعِي قليلٌ عن نوال الكواكبِ.
قصيدة إذا كشف الزمان لك القناعا
إذا كشفَ الزمانُ لك القناعَ،
ومدَّ إليك صرفُ الدهرِ باعًا،
فلا تخشَ المنيةَ واندفع إليها،
دافع ما استطعتَ لها دفاعًا،
ولا تختَرْ فراشًا من حريرٍ،
ولا تبكي المنازلَ والبقاعا،
وحولَك نسوةٌ يندبْنَ حزنًا،
ويهتكنَ البراقعَ واللقاعا،
يقول لك الطبيبُ دواك عندي،
إذا ما جسَّ كفَّكَ والذراعا،
ولو عَرَفَ الطبيبُ دواءَ داء،
يردُّ الموتَ ما قاسى النزاعا،
وفي يوم المصانعِ قد تركنا،
لنا بفعالنا خبرًا مشاعًا،
أقمنا بالذوابل سوقَ حربٍ،
وصيّرنا النفوسَ لها متاعًا،
حصاني كان دلّالَ المنايا،
فخاض غبارها وشرى وباعا،
وسيفي كان في الهيجا طبيبًا،
يداوي رأسَ من يشكو الصداع،
أنا العبدُ الذي كنتَ تعرفه،
وقد عاينْتَني فدعِ السماعَ،
ولو أرسلتَ رُمحِي مع جبانٍ،
لكانَ بهيبتي يلقى السِباعا،
ملأتُ الأرضَ خوفًا من حسامي،
وخصمي لم يجدْ فيها اتساعا،
إذا الأبطالُ فرّت خوفًا بأسي،
ترى الأقطار باعًا أو ذراعا.
قصيدة لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب
لا يحملُ الحقدَ من تعلو به الرتبُ،
ولا ينالُ العلا من طبعِه الغضبُ،
ومن يكن عبدَ قومٍ لا يخالفهم،
إذا جفوهُ ويسترضى إذا عتبوا،
قد كنتُ فيما مضى أرعى جمالهم،
واليومَ أَحمي حماهم كلما نُكِبوا،
لله دَرُّ بني عَبْسٍ لقد نَسلوا،
من الأكارم ما قد تنسلُ العربُ،
لئن يعيبوا سوادي فهو لي نسبٌ،
يوم النزالِ إذا ما فاتني النسبُ،
إن كنتَ تعلمُ يا نعمانُ أن يدي،
قصيرةٌ عنك فالأيامُ تنقلبُ،
اليومَ تعلمُ يا نعمانُ أي فتىً،
يلاقي أخاك الذي قد غَرَّهُ العُصَبُ،
إن الأفاعي وإن لانت ملامسها،
عند التقلُّبِ في أنيابها العطبُ،
فتى يخوضُ غِمار الحربِ مُبتسمًا،
وينثني وسنانُ الرمحِ مُختضبُ،
إن سلَّ صارمهُ سالت مضاربهُ،
وأشرَقَ الجوُّ وانشَقَّتْ له الحجبُ،
والخيلُ تشهدُ لي أني أكفكفُها،
والطعن مثل شرارِ النارِ يلتهبُ،
إذا التقيتُ الأعادي يومَ معركةٍ،
تركتُ جمعَهُم المغرور يُنتَهَبُ،
لي النفوسُ وللطيرِ اللحومُ ولل،
ـوحشِ العظامُ وللخيَّالةِ السلبُ،
لا أبعدَ الله عن عيني غطارفةً،
إنسا إذا نزلوا جنّاً إذا ركبوا،
أسودُ غابٍ ولكن لا نيوبَ لهم،
إلا الأَسِنَّةُ والهِنْدِيَّةُ القُضبُ،
تعدو بهم أعوجياتٌ مُضَمَّرةٌ،
مثلُ السرابين في أعناقها القُبُبُ،
ما زلتُ ألقى صُدورَ الخيلِ مندفعًا،
بالطعن حتى يضجَّ السرجُ واللَّببُ،
فالعمى لو كان في أجفانهم نظروا،
والخُرس لو كان في أَفواهِهم خَطَبُوا،
والنَّقعُ يومَ طِرادِ الخيلِ يشهدُ لي،
والضربُ والطعنُ والأقلامُ والكتبُ.
قصيدة أنا في الحرب العوان
أنا في الحربِ العوان،
غيرُ مجهول المكان،
أينما نادى المنادي،
في دجى النَّقع يراني،
وحسامي مع قناتي،
لفعالي شاهدان،
أنني أطعنُ خصمي،
وهو يقظانُ الجنان،
أسقِه كاسَ المنايا،
وقِراها منه داني،
أشعلُ النار ببأسي،
وأطأها بجناني،
إنني ليثٌ عبوسٌ،
ليس لي في الخلق ثاني،
خلق الرمحُ لكفي،
والحسامُ الهندواني،
ومعي في المهدي كانا،
فوق صدري يؤنساني،
فإذا ما الأرضُ صارت،
وردةً مثل الدهان،
والدما تجري عليها،
لونها أحمرُ قاني،
ورأيتُ الخيلَ تهوي،
في نواحي الصحصحان،
فاسقِيني لا بكأسٍ،
من دمٍ كالأرجوان،
واسمعيني نغمةَ الأسيافِ حتى تُطرباني،
أطيبُ الأصواتِ عندي،
حسنُ صوتِ الهندواني،
وصريرُ الرمحِ جهرًا،
في الوغى يومَ الطعن،
وصياحُ القومِ فيه،
وهو للأبطالِ دانٍ.