أحكام متعلقة بالأضحية
حكم الأضحية
انقسم الفقهاء في حكم الأضحية إلى قولين رئيسيين، كما يلي:
- آراء الجمهور
رأى جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة أن الأضحية سنة مؤكدة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويكره تركها لمن كان قادرًا على شرائها.
- رأي الحنفية
أما الحنفية، فقد ذهبوا إلى وجوب الأضحية على كل مقيم مقتدر من أهل المدن والقرى والبوادي، ولا تتعين على المسافر.
شروط الأضحية
يشترط في المسلم الذي ينوي التضحية في أيام النحر ثلاثة شروط لا بد من توفرها:
- نية التضحية
يجب على المسلم عند ذبح أضحيته أن تكون لديه نية التضحية، مما يميزها عن سائر القربات؛ فقد يمسح المسلم الشاة بنية العقيقة أو الهدي أو الفدية، وتكون النية هي العامل الفاصل بين هذه القربات، كما أنها تميز الأضحية عن الذبائح التي تكون من أجل الحصول على اللحم.
- اقتران النية بالذبح
يجب أن تترافق النية مع فعل الذبح، ويمكن أن تسبق النية ذلك، كأن ينوي الشخص التضحية عند شراء البهيمة أو عند فصلها عن الأنعام الأخرى.
- عدم مشاركة من لا ينوي القربة
يجوز للمضحي أن يشارك في الأضحية من الإبل أو البقر مع غيره، بشرط ألا يزيد عددهم عن سبعة أشخاص، وأن تكون النية من الجميع لأداء القربة، حتى وإن اختلفت أنواعها. ولا تصح المشاركة مع من يعتزم فقط الحصول على اللحم دون نية القربة، بحسب رأي الحنفية والمالكية، بينما أجاز الشافعية والحنابلة المشاركة مع اختلاف النيات.
كما يشترط في البهيمة المضحى بها أربعة شروط، كما يلي:
- أن يحصل المضحي على البهيمة بطريقة مشروعة، فلا تصح الأضحية إذا كانت مسروقة أو مغصوبة أو تم شراؤها بعقد باطل أو ثمن محرم.
- أن تكون من الأنواع المخصصة التي أقرّها الله -سبحانه وتعالى- كالإبل، والبقر، والغنم، سواء الضأن أو الماعز.
- أن تبلغ السن الشرعي المعتمد؛ إذ يتطلب في الإبل أن تكون قد أتمت خمس سنوات، وفي البقر سنتين، وفي الماعز سنة واحدة، وفي الضأن ستة أشهر.
- أن تكون خالية من العيوب التي تنقص من قيمة الأضحية، ومن هذه العيوب العور والمرض والعرج والكسور، حيث قد يؤدي وجود أي عيب أشد من هذه العيوب إلى عدم صحة الأضحية.
كيفية التصرف بلحم الأضحية
رأي بعض الفقهاء أن من المستحب أن يقسم المضحي أضحيته إلى ثلاثة أجزاء: يأكل من جزء، ويهدى جزءًا، ويتصدق بالجزء الثالث. وإليكم تفصيل آراء المذاهب الأربعة في هذا الشأن:
- المذهب الحنفي
يرى الحنفية أنه من المستحب أن يتصدق المضحي بثُلث الأضحية، ولا يجب أن يقل عن ذلك. ويجوز له إطعام الأغنياء من أضحيته، وله الانتفاع بجلد الأضحية، لكن لا يجوز له بيعه.
- المذهب المالكي
رأى المالكية أن المضحي يمكنه الجمع بين الأكل والتصدق والإهداء دون تحديد نسبة لكل قسم.
- المذهب الشافعي
قال الشافعية بأنه يتوجب على المضحي التصدق بشيء من أضحيته، على أن يكون اللحم المتصدق به نيئاً طرياً. ومن المستحب أن يقتصر المضحي على أكل لقيمات من أضحيته، ولا تتجاوز الثلاث لقيمات، ويفضل أن تكون من الكبد.
- المذهب الحنبلي
يرى الحنابلة أنه من المستحب أكل ثلث الأضحية، وإهداء الثلث الآخر، والتصدق بالثلث الأخير. وينبغي أن يتصدق المضحي بأفضل ما لديه، وأن يهدي الجزء المتوسط، ويأكل أقل الأجزاء تفضيلًا، ويجب أن يتصدق بشيء من الأضحية، وأقل ذلك أوقية.
ادخار لحم الأضحية
توصل جمهور الفقهاء إلى جواز ادخار لحوم الأضاحي، فقد روى جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “كلوا وتزودوا وادخروا”، وقد كان النبي قد نهى عن ادخار اللحوم لأكثر من ثلاثة أيام لأسباب تتعلق بالضعفاء من الأعراب.
بينما رأى علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- منع إدخار لحوم الأضاحي لأكثر من ثلاثة أيام، وذلك بناءً على ما سمعا من النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الاشتراك في الأضحية
توافق فقهاء المذاهب الأربعة على جواز اشتراك سبعة مسلمين في أضحية واحدة من الإبل أو البقر، وتفصيل ذلك كالتالي:
- الحنفية
وفقًا للحنفية، يجوز اشتراك سبعة أشخاص في ذبح أضحية واحدة من الإبل أو البقر، على أن يكون المشتركون جميعهم يبتغون بذلك وجه الله -تعالى-، ولا تصح الأضحية إذا كان أحدهم ينوي الحصول على اللحم فقط.
- المالكية
تأكّد المالكية على صحة اشتراك سبعة أشخاص في أضحية واحدة من الإبل أو البقر، بشرط تحديد نصيب كل منهم بالسُبع.
- الشافعية والحنابلة
يرى الفقهاء من الشافعية والحنابلة إمكانية اشتراك سبعة أشخاص من المضحين في أضحية واحدة، مع التأكيد على ضرورة أن يتشاركوا قبل عملية الذبح.
التشريك في أجر الأضحية
يمكن للمسلم أن ينوي مشاركة الآخرين في ثواب الأضحية، بشرط أن تكون هذه النية قد سبقت الذبح، وإلا فإنها لن تكون محققة.
كما يشترط أن يكون الذين ينوي الاشتراك معهم في الأجر أقارب المضحي كوالديه وإخوته وأبنائه، بما أنهم يعيشون معه في نفس البيت، حيث كان بعض الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- يذبحون شاة واحدة عن أسرهم دون أن يتشاركوا في ثمنها.
النيابة في الأضحية
اتفق الفقهاء على صحة نيابة المسلم عن غيره في ذبح أضحيته، حيث طلب النبي -صلى الله عليه وسلم- من ابنته فاطمة -رضي الله عنها- أن تشهد ذبح أضحيتها، مما يدلل على جواز ذلك، والأفضل أن يقوم المسلم بذبح أضحيته بنفسه.
أما إذا كان النائب من أهل الكتاب، فإن ذلك يعتبر جائزًا مع الكراهة حسب آراء جمهور الفقهاء. بينما جاء رأي المالكية برفض الاستنابة من الكتابي فالغرض من الذبح في هذه الحالة لا تعتبر أضحية، لكن يمكن أكلها، وتتم النيابة بأي قول أو دلالة تدل على رضا المضحي.
الأضحية عن الميت
توافقت آراء الفقهاء على جواز ذبح الأضحية عن الميت إذا أوصى بذلك أو ترك وقفًا ليضحي عنه منه، أو نذر أن يضحي ولكنه توفي قبل الوفاء بنذره. بينما اختلفوا في حالة رغبة ولي الميت أو أحد أقاربه التضحية عنه دون وصية أو وقف، وجاء اختلافهم على النحو التالي:
- القول الأول: رأى الحنفيّة والحنابلة جواز ذبح الأضحية عن الميت حتى بدون وصية.
- القول الثاني: ذهب المالكية إلى صحة الأضحية عن الميت مع كراهة، معتبرين أن الأضحية نوع من أنواع الصدقات التي تصل إلى الميت.
- القول الثالث: رأى الشافعية والقاضي أبو يوسف من الحنفية عدم جواز التضحية عن الميت في هذه الحالة، حيث تعتبر الأضحية عبادات مخصصة ولم يرد دليل جوازها.
الأكل من الأضحية
ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب أن يأكل المسلم من أضحيته، استنادًا إلى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “فكلوا وادخروا وتصدقوا”، والغرض من الأضحية هو القربى لله -تعالى-، وليس الأكل منها واجبًا بل مستحب.
سُنن الأضحية
يستحب للمضحي في يوم العيد عدم تناول شيء قبل الأكل من أضحيته، والسنّة تؤكد على أداء صلاة العيد وحضور خطبتها ثم الذبح وتناول اللحم. ويستحب كذلك للمضحي أن يقوم بذبح أضحيته بنفسه، وإذا لم يستطع، فيفضل أن يشهد عملية الذبح.
من المستحب أن يوزع المضحي أضحيته على ثلاثة أجزاء: يأكل من ثلث، ويهدي الآخر، ويتصدق بالثلث الأخير، كما لا يجوز له بيع شيئ منها أو دفع أجرة الجزار من الأضحية، ولكنه يمكنه تبرعه له مثل هدية، كما يمكنه إعطاء غير المسلم من أضحيته بغرض التبرع.
اختلف أهل العلم بشأن أخذ الشعر والأظافر للمضحي في أيام النحر عند دخول العشر من ذي الحجة، وتفصيل ذلك كالتالي:
- الإمام أبو حنيفة والمالكية في رواية: إباحة أخذ الشعر أو الأظافر دون كراهة.
- الإمام الشافعي والمالكي في رواية أخرى: كراهة ذلك مع عدم الحرمة.
- الإمام أحمد بن حنبل: حرمة أخذ الشعر أو الأظافر عند دخول العشر من ذي الحجة واعتبار ذلك إثمًا.
مشروعية الأضحية والحكمة منها
تعرف الأضحية بأنها: ما يذبحه المسلم من الإبل أو البقر أو الغنم في أيام عيد الأضحى وأيام التشريق، تقربًا إلى الله -تعالى-، وقد وردت مشروعية الأضحية في القرآن الكريم حيث قال -سبحانه وتعالى-: “فصل لربك وانحر”.
وقد ذُكرت مشروعية الأضحية أيضًا في السُنة النبوية، حيث رواية أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: “ضحى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده”. وقد أجمع المسلمون على مشروعيتها.
وأقر الله -تعالى- الأضحية لحكم عظيمة، تشمل ما يلي:
- اتباع هدي نبي الله إبراهيم -عليه السلام-، حيث أمر الله -تعالى- النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بذلك.
- تربية المسلم على تحمل الصبر والامتثال لأوامر الله -تعالى-، كما في قصة إبراهيم -عليه السلام- مع ابنه إسماعيل.
- زيادة المودة والمحبة بين المسلمين من خلال توسيع نطاق العطاء للأقارب وإدخال السرور على المحتاجين.
- إظهار الشكر والحمد لله -تعالى- على نعمه وفضائله.
فضل الأضحية
تحمل الأضحية في أيام النحر العديد من الفضائل، منها:
- تعتبر الأضحية من أحب الأعمال إلى الله في أيام النحر، حيث قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: “ما عمل آدم من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم”.
- تأتي الأضحية يوم القيامة بالهيئة التي ذُبحت بها، حيث يقع دمها بمكان قبوله قبل أن يتجاوز الأرض.
- نيل المضحي لأجر عظيم، حيث يحصل على حسنة عن كل شعرة من أضحيته.
- تعتبر الأضحية من أفضل أشكال الإنفاق في أيام النحر لنيل فضائلها.
- تُعد الأضحية من شعائر الله -تعالى- وتعظيمها يساهم في تكوّن التقوى في القلب.
- اقتران الذبح بالصلاة في الكتاب العزيز مما يبرز أهميتها كطاعة كبيرة.
