تعتبر الجزية من المصطلحات المعروفة تاريخياً، وقد تم تطبيقها قبل الإسلام، لكنها ازدادت شهرة وتطبيقًا بعد ظهور الدين الإسلامي. حيث كانت الجزية تُفرض على غير المسلمين مقابل حمايتهم.
هناك مجموعة من الشروط الهامة يجب توافرها لفرض الجزية، إذ إنها لا تُفرض على الجميع. في هذا المقال سنتناول كافة المعلومات المتعلقة بالجزية في الإسلام، بالإضافة إلى آراء عدد من العلماء حول تعريفها وتاريخها، فتابعونا.
من هم أهل الذمة؟
يُطلق لقب أهل الذمة على اليهود والنصارى، لأنهم يعتنقون الديانات السماوية التي أنزلها الله على عباده عبر الرسل.
يشمل هذا اللقب اليهود والنصارى الذين يعيشون في أراضي المسلمين تحت حماية الدين الإسلامي، وقد تم تحديد مقدار الجزية المقررة عليهم من أجل حمايتهم من أي خطر.
تعريف الجزية
يمكن تعريف الجزية بأنها المال المدفوع من قبل أهل الكتاب إلى الدولة الإسلامية التي توفر لهم الحماية والعيش بأمان، دون التعرض لهم بأي شكل. تم تسمية هذا بالمصطلح ‘جزية’ لأنها تعتبر تعويضاً لهم لمنع التعرض للقتل أو الأذى.
آراء العلماء في تعريف الجزية في الإسلام
- رأي الجوهري يشير إلى ما يتم أخذه من مختلف الممتلكات من أهل الذمة، وتجمع كلمة جزية إلى “جزي”.
- يعتقد ابن رشد أن الجزية هي المال الذي يدفعه الكفار مقابل الحصول على الأمان ومنع قتلهم، وأن الكلمة مستمدة من ‘الجزاء’ حيث يحصلون على الحماية مقابل الأموال المقررة.
- يرى ابن قدامة أن الجزية تُعتبر التزاماً يُفرض على الكافر من أجل أن يعيش بسلام بين المسلمين، ويُدفع مرة كل عام.
من يجب عليه دفع الجزية
كون الجزية تمثل عقدًا ينفذ وفقًا للتفاهم بين الطرفين ووفقًا للأوامر الإلهية التي تقضي بعدم خيانة أياً من الأطراف.
تتطلب الجزية دفعها من الأفراد القادرين على مواجهة المسلمين ومحاربتهم، بينما لا تُفرض على الضعفاء.
كما قام سيدنا عمر بن الخطاب بإصدار قرارات تتعلق بالجزية، حيث لم يُقر الجزية على النساء والأطفال.
ومن ناحية القيمة، كانت الجزية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كافية بحيث يستطيع الجميع دفعها، حيث لم تتجاوز دينار واحد.
تاريخ الجزية
أُدرجت الجزية قبل انتشار الإسلام، حيث كانت موجودة في عصور ما قبل الإسلام.
في السياقات التي كانت فيها نصرة أنبياء الله على بعض الدول والملوك، كان يتم جمع أموال الجزية من البلاد المهزومة.
لكن بعد دخول الإسلام، تسلحت الجزية بروح الحضارة التي حمت من يدفعها من الذل.
كما اعتُبرت الجزية عقدًا يتم تنفيذه بين أهل الكتاب والمسلمين.
حكم الشريعة الإسلامية في الجزية
تنص الشريعة على ضرورة مقاتلة جميع الكفار الذين يحملون عداءً للمسلمين والدين الإسلامي، والممتنعين عن اعتناق الدين الإسلامي أو قبول تعاليمه.
ومع ذلك، يتم استثناء كل من النصارى واليهود، حيث يكون الواجب هو دعوتهم للدخول في الإسلام، وإذا لم يقبلوا، يتم فرض الجزية عليهم. وإذا رفضوا دفعها، يتم قتالهم.
الجزية تُعتبر رمزاً للخضوع، مما يعني قبول النصارى واليهود للعيش وسط المسلمين تحت حماية الدولة الإسلامية، عبر طاعتهم لولاة الأمر المسلمين، بهدف تحقيق تعاون مشترك.
من الجدير بالذكر أن المسلمين يدفعون الزكاة كل عام، وفي المقابل، يُطلب من أهل الكتاب دفع الجزية، والتي تمثل مبالغ صغيرة يمكن لأي شخص دفعها.
ويُفترض أن فرض تلك الجزية لا يهدف إلى الاستيلاء على أموال أهل الكتاب، بل الهدف الأسمى هو ضمان شعورهم بالرضا في العيش بين المسلمين وتحت قيادة الخلفاء المسلمون.
شروط الجزية
هناك عدة شروط يجب أن تتوافر فيمن يرغب بدفع الجزية من النصارى واليهود، وهي كالتالي:
الرجال البالغين
حيث إن الجزية لا تفرض على الأطفال والنساء، بل تستهدف الرجال القادرين على حمل السلاح، وهذه النقطة مدعومة بالعديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
الرجال العاقلين
يوجد توافق بين العلماء والفقهاء، مثل القرطبي وابن قدامة، على أن الذين يعانون من مشاكل عقلية لا تُفرض عليهم الجزية حتى يستعيدوا صحتهم.
الأحرار
الجزية لا تُفرض على اليهود أو النصارى الأرقاء، أي الذين يكونون في حالة عبودية، سواء لشخص مسلم أو غير مسلم، وقد ذُكر هذا في بعض الآيات القرآنية.
القدرة المالية
تتفق المذاهب الأربعة، الشافعية والمالكية والحنفية والحنبلية، على أنه لا يُفرض الجزية على أي شخص غير قادر مالياً، وهناك العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدعم ذلك.
الشفاء من الأمراض
يجب أن يكون الشخص المفروض عليه الجزية في صحة جيدة قادر على حمل السلاح، ولا يعاني من عاهة تعيقه عن العمل أو الخروج من بيته.
فالأشخاص الذين يعانون من أمراض تجعلهم غير قادرين على القتال لا تجب عليهم الجزية.
الرهبان المتفرغين للعبادة
هناك اختلاف بين الفقهاء بشأن فرض الجزية على الرهبان الذين انقطعت بهم السبل للعبادة. يرى البعض أنه لا ينبغي فرض الجزية عليهم كونهم لا يشاركون في الأعمال العسكرية، بينما يؤيد المذهب الشافعي فرض الجزية عليهم.
كما تُطرح آراء بشأن فرض الجزية وفقاً لوضعهم المالي؛ إذ يُفرض عليهم في حال امتلاكهم الأموال، بينما يُستحب التصدق عليهم في حال عدم امتلاكهم.