يا رب مائسة المعاطف تتزين
من قصائد ابن خفاجة التي تصف الطبيعة:
يا ربّ مائسة ِ المعاطفِ تتزين
من كل غصن خافق بوشاح
مُهتَزّة تناجي أعطافها،
ما شئت من كفل يموج رداح
نَفَضَتْ الرياحُ ذوائِبَها عَشيّة،
فتمَلّكَتها هزة المُرتاح
حطّ الربيع قِناعها عن مَفرِقٍ
شَمطٍ، كأنما يرتد كاسُ الرّاح
لفاءٌ حاكَ لها الغمام ملاءة
لبست بها، حُسناً، قميصَ صباح
نَضَحَ الندى نوّارَها، وكأنّما
مسحت معاطفها يمينُ سماح
ولوَى الخليجُ هناك صفحة َ معرضٍ
لثمَت سوالفها ثغورُ أقاح
واحر قلباه ممن قلبه شغوف
من قصائد المتنبي التي تمدح سيف الدولة الحمداني:
واحرّ قَلْباهُ ممنْ قَلْبُهُ شغوف
ومن بجسمي وحالي عنده سقم
ما لي أُكَتمُ حُبّاً قد بَرَى جسَدي
وتدّعي حُبّ سيف الدولة الأُمم
إن كانَ يجمعنا حبٌّ لعزتِهِ
فلَيتَ أنّا بقَدْرِ الحُب نقتسم
قد زُرْتُه وسُيُوفُ الهند مُغمدَةٌ
وقد نظرتُ إليه والسيوف دم
فكانَ أحسنَ خَلق الله كُلّهِمِ
وكانَ أحسنَ ما في الأحسَن الشيمُ
فَوْتُ العدوّ الذي يَمّمته ظَفَرٌ
في طَيّه أسَفٌ وفي طَيّه نِعَمُ
قد نابَ عنك شديدُ الخوف واصطنعتْ
لك المهابَةُ ما لا تصنعُ البهمُ
ألزمتَ نَفسكَ شيئاً ليس يلزمها
أن لا يُوارِيَهم أرضٌ ولا علمُ
أكمَا رُمْتَ جيشاً فانثنى هَرَبا
تصرّفت بك في آثارهم الهمم
عليك هزمُهم في كل معتركٍ
وما عليك بهم عارٌ إذا انهزموا
أمَا ترى ظَفَراً حُلوً سِوى ظَفَرٍ
تصافَحَت فيه بِيضُ الهند واللّمم
يا أعدلَ النّاسِ إلاّ في مُعامَلَتي
فيكَ الخِصامُ وأنتَ الخصمُ والحكمُ
أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنكَ صادِقَةً
أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ
وما انتفاعُ أخي الدّنْيا بناظِرِهِ
إذا استَوَتْ عندَهُ الأنوارُ والظّلمُ
إن هجاء الباهليين دارماً
من قصائد الفرزدق في الهجاء:
إنّ هِجَاءَ الباهليّينَ دَارِماً
لَمِنْ بِدَعِ الأيّامِ ذاتِ العَجائِبِ
أباهلَ! هَلْ في دَلوِكُمْ، إذْ نَهَزْتُمُ
بها، كَرِشَاءِ ابني عِقالٍ وَحاجِبِ
رِشَاءٌ له دَلْوٌ تفيضُ ذَنُوبُهَا
على المَحْلِ أعلى دَلْوِهَا في الكَوَاكبِ
فميَن يَكُ أمسَى غابَ عَنْهُ فُضُوحُهُ،
فَلَيْسَ فُضُوحُ ابني دُخانٍ بغائبِ
لَعَمْرُكَ! إنّي وَالأصَمَّ وَأُمَّهُ
لَفي مَقْعَدٍ في بَيْتِهَا مُتَقارِبِ
تَقولُ وقد ضَمّتْ بعِشرِينَ حَوْلَهُ:
ألا لَيْتَ أني زَوْجةٌ لابنِ غالِبِ
لأرْشُفَ رِيحاً لمْ تَكُنْ بَاهِلِيّةً،
وَلَكِنّهَا رِيحُ الكِرَامِ الأطَايِبِ
بَنو دارِمٍ كالمِسْكِ رِيحُ جُلُودهمْ،
إذا خَبُثَتْ رِيحُ العَبيدِ الأشَايبِ
ألا كُلُّ بَيْتٍ بَاهِليٍّ أمَامَهُ
حِمَارٌ وَعِدْ لا نِحِيِ سَمْنٍ وَرَايِبِ
يُؤدّى بهَا عَنْهُمْ خَرَاجٌ، وَانّهُمْ،
لجِرْوَةَ، كانُوا جُنّحاً للضّرَائِبِ
إذا ابْنَا دُخَانٍ وَاقَفَا وِرْدَ عُصْبَةٍ
لِئامٍ وَإنْ كانوا قَلِيلِي الحَلايِبِ
لَقالوا اخْسَآ، يا ابنَي دُخانٍ فإنّكُمْ
لِئَامٌ وَشَرّابُونَ سُؤرَ المَشَارِبِ
فَظَلّ الدُّخانيّونَ تُرْمَى وُجوهُهمْ
عَلَى الماء بالإقْبالِ رَمْيَ الغَرَائِبِ
أبَاهِلَ! إنّ المَاءَ لَيْسَ بِغَاسِلٍ
مَخازِيَ عنكُمْ عارُها غَيرُ ذاهِبِ
وَإنّ سِبَابِيكُمْ لَجَهْلٌ، وَأنتُمُ
تُبَاعُونَ في الأسْوَاق بَيْعَ الجلايِبِ
قل للمليحة قد أبلتني الذكر
من قصائد عمر بن أبي ربيعة الغزلية:
قلْ للمليحة ِ: قد أبلتنيَ الذكرُ،
فَالدَّمْعُ كُلَّ صَبَاحٍ فِيكِ يَبْتَدِرُ
فَلَيْتَ قَلْبي وَفِيهِ مِنْ تَعَلُّقِكُمْ
ما لَيْسَ عِنْدي لَهُ عِدْلٌ وَلاَ خَطَرُ
أفاقَ، إذ بخلت هندٌ، وما بذلتْ
مَا كُنْتُ آمُلُهُ مِنها وأَنْتَظِرُ
وَقَدْ حَذِرْتُ النَّوَى في قُرْبِ دَارِهِمُ
فَعِيلَ صَبْري وَلَمْ يَنْفَعْنيَ الحَذَرُ
قد قلتُ، إذ لم تكن للقلبِ ناهيةٌ
عَنْها تُسَلِّي وَلاَ لِلْقَلْبِ مُزْدَجِرُ
يا لَيْتَني مِتُّ إذ لم ألقَ مِن كَلَفي
مفرحاً، وشَأني نحوها النظر
وشاقني موقفٌ بالمروتينِ لها،
والشَّوقُ يُحْدِثُهُ لِلْعاشِق فِكَرُ
وقولها لفتاةٍ غيرِ فاحشةٍ:
أَرَائِحٌ مُمْسِيٍ أَمْ بَاكِرٌ عُمَرُ
اللَّه جَارٌ لهُ إمّا أَقَامَ بنا
وفي الرحيلِ، إذا ما ضمهُ السفر
فَجِئْتُ أَمْشي وَلَمْ يُغْفِ الأُلى سَمَرُوا
وصاحبي هندوانيٌّ به أثر
فلم يرعها، وقد نضتْ مجاسدها،
إلا سوادٌ، وراءَ البيت، يستتر
فلطمتْ وجهَها، واستنبهتْ معها
بَيْضَاءُ آنِسَةٌ مِن شَأْنِها الخَفَرُ
ما باله حين يأتي، أختِ، منزلنا،
وقد رأى كثرة َ الأعداءِ، إذ حضروا
لَشِقْوَةٌ مِن شَقَائي أُخْتِ غَفْلَتُنا
وشؤمُ جدي، وحينٌ ساقه القدر
قَالَتْ: أَرَدْتَ بِذا عَمْداً فَضيحَتَنا
وصرمَ حبلي، وتحقيقَ الذي ذكروا
هَلاَّ دَسَسْتَ رَسولاً مِنكَ يُعْلِمُني
ولم تعجلْ إلى أن يسقطَ القمر
فقلتُ: داعٍ دعا قلبي، فأرقهُ،
ولا يتابعني فيكم، فينزجر
فبتُّ أسقى عتيقَ الخمرِ خالطهُ
شَهْدٌ مَشَارٌ وَمِسْكٌ خَالِصٌ ذَفِرُ
وَعَنْبَرَ الهندِ والكَافورَ خَالَطَهُ
قرنفلٌ، فوقَ رقراقٍ لهُ أشر
فبتُّ ألثمها طوراً، ويمتعني،
إذا تمايلُ عنهُ، البردُ والخصر
حتى إذا الليلُ ولى ، قالتا زمراً:
قُوما بِعَيْشِكُما قَدْ نَوَّر السَّحَرُ
فَقُمْتُ أَمْشي وَقَامَتْ وَهْيَ فَاتِرَةٌ
كَشَارِبِ الخَمْرِ بَطَّى مَشْيَهُ السَّكَرُ
يَسْحَبْنَ خَلْفِي ذُيُولَ الخَزِّ آوِنَةً
وناعمَ العصبِ كيلا يعرفَ الأثر
الرّفق يبلغ ما لا يبلغ الخَرَق
من زهديات أبي العتاهية:
الرّفْقُ يَبلُغُ ما لا يَبلُغُ الخَرَقُ،
وقلَّ في الناسِ منْ يصفُو لهُ خُلُقُ
لمْ يفلقِ المرءُ عن رشدٍ فيتركَهُ
إلاّ دَعاهُ إلى ما يَكْرَهُ الفلَقُ
الباطِلُ، الدّهْرَ، يُلْفَى لا ضِياءَ لَهُ،
والحقُّ أبلجُ فيهِ النورُ يأتلِقُ
متى يُفيقُ حَريصٌ دائِبٌ أبَدا،
والحِرْصُ داءٌ لهُ تحتَ الحَشا قَلَقُ
يستغنم الناسُ من قومٍ فوائدهمْ
وإنّما هيَ في أعناقِهِمْ رَبَقُ
فيَجهَدُ النّاسُ في الدّنيا، مُنافسةً،
وليسَ للناسِ شيءٌ غيرَ ما رُزِقُوا
يا مَن بنى القَصرَ في الدّنْيا، وَشَيّدَه،
أسّسْتَ قَصرَكَ حَيثُ السّيلُ وَالغرَقُ
لا تَغْفُلَنّ، فإنّ الدّارَ فانيةٌ،
وشربهَا غصصٌ أو صفوهَا رنقُ
والموتُ حوضٌ كريهٌ أنت واردُهُ
فانظرْ لنفسكَ قبلَ الموتِ يا مَذِقُ
اسْمُ العَزيزِ ذَليلٌ عِنْدَ مِيتَتِهِ؛
وَاسْمُ الجَديدِ، بُعَيدَ الجِدّةِ، الخَلَقُ
يَبلى الشّبابُ، وَيُفني الشّيبُ نَضرتَهُ،
كمَا تَساقَطُ، عن عيدانها، الوَرَقُ
ما لي أرَاكَ، وَما تَنفَكّ من طَمَعٍ،
يَمْتَدّ مِنْكَ إلَيْهِ الطّرْفُ، وَالعُنُقُ
تَذُمّ دُنْياكَ ذَمّاً لا تَبُوحُ بِهِ،
إلاّ وَأنْتَ لهَا في ذاكَ مُعْتَنِقُ
فَلَوْ عَقَلْتُ لأعَدْتُ الجِهازَ لهَا،
بعدَ الرحيلِ بها ما دامَ لي رمقُ
إذا نَظَرْتَ مِنَ الدّنْيا إلى صُوَرٍ،
تخَيّلَتْ لكَ يَوْماً فَوْقَها الخِرَقُ
ما نَحْنُ إلاّ كَرَكْبٍ ضَمّهُ سَفَرٌ
يَوْمًا، إلى ظِلّ فَيٍّ ثمّتَ افترَقُوا
وَلا يُقيمُ على الأسْلافِ غابِرُهُمْ،
كأنّهمْ بهمِ مَنْ بعدهمْ لحقُوا
ما هبَّ أو دبَّ يفني لا بَقاءَ لهُ
والبَرُّ، والبَحرُ، وَالأقطارُ، وَالأفقُ
نستوطِنُ الأرضَ داراً للغرورِ بِهَا
وَكُلّنا راحِلٌ عَنها، وَمُنْطَلِقُ
لَقَدْ رَأيْتُ، وَما عَيني براقِدَةٍ،
قتلَى الحوادثِ بينَ الخلقِ تخترقُ
كمْ من عزيزٍ أذلَّ الموتُ مصرعَهُ
كانَتْ، على رَأسِهِ، الرّاياتُ تختفقُ
كلُّ امرء ولهُ رزقٌ سيبلغُهُ
واللهُ يرزُقُ لا كيسٌ ولا حمقُ
إذا نَظَرْتُ إلى دُنْياكَ مُقْبِلَةً،
فلا يغُرَّنْكَ تعظِيمٌ ولا مَلَقُ
أخَيَّ إنَّا لنحنُ الفائزونَ غَدًا
إنْ سلَّمَ اللهُ منْ دارٍ لها علقُ
فالحمدُ للهِ حمْداً لا انْقِطاعَ لَهُ،
ما إنْ يُعَظَّمُ إلا مَنْ لَهُ ورقُ
والحمدُ للهِ حمداً دائماً أبداً
فازَ الّذينَ، إلى ما عِندَهُ، سَبَقُوا
ما أغفلَ الناسَ عنْ يومِ انبعاثهمِ
وَيَوْمِ يُلجِمهُم، في الموْقِفِ، العَرَقُ