معاني الأخوة والصداقة في الهجرة
لقد حظي الصديق -رضي الله عنه- بشرف مرافقة النبي -صلى الله عليه وسلم- في رحلة الهجرة، والتي تمثل نقطة تحول في تاريخ الأمة الإسلامية. خلال هذه الرحلة، تجلّت خصال الصديق الكريمة واهتمامه الكبير برفيقه النبي -صلى الله عليه وسلم-. وهذا يتضّح بوضوح عندما لجأ النبي والصديق إلى غار ثور، وسط استعدادات قريش لملاحقتهما.
عبّر الصديق عن خوفه على النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: “يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى قدميه، لأبصرنا تحت قدميه”. فيتجلّى هنا دور النبي -عليه الصلاة والسلام- في تعزيز شعوره بالأمان، حيث قال له: (يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما). هذه القصة تعكس كيف يمكن للصديق الحق أن يدعم رفيقه ويذكره بالله في أوقات الضيق.
مبايعة المسلمين تحت الشجرة
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحرص على تشجيع أصحابهم على فعل الخير، ويحثهم على السعي في الأمور النبيلة. ومن الأمثلة على ذلك، قصة مبايعة المسلمين للنبي -صلى الله عليه وسلم- تحت الشجرة، بعد تأخر سيدنا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في مفاوضاته مع قريش حول أداء العمرة. ظن المسلمون أن قريش قد اغتالت عثمان -رضي الله عنه-.
وأخذوا يبايعون النبي -صلى الله عليه وسلم- على قتال قريش، حيث تمت المبايعة بمصافحة النبي -صلى الله عليه وسلم- للمسلمين تحت الشجرة المعروفة لاحقاً بشجرة الرضوان. وبعد أن تمت البيعة لكل المسلمين، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “هذه يد عثمان” وضرب بها على يده، ليكون عثمان -رضي الله عنه- شريكاً لهم في الأجر والثواب. هذه القصة تدل على أهمية مشاركة الإخوة في الأعمال الصالحة وضمان عدم ضياع حقوقهم في الغياب.
لقاء النبي بأخته الشيماء
تأتي قصة النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أخته الشيماء منطفئاً من ذكريات طفولته، حيث كانت الشيماء إحدى أسرى هوازن. حين عرفت النبي بنفسها كأخته من الرضاعة، أبدى النبي -عليه الصلاة والسلام- رغبته في التأكد من ذلك فقال: (إن تكوني صادقة، فإن بك مني أثراً لن يبلى).
عندما كشفت الشيماء عن يدها، ظهر أثر عضة من النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما كان صغيراً. وتروي مصادر تاريخية أن الإمام الذهبي أشار إلى ضعف سند هذه القصة. بعد أن تأكد النبي من صدقها، أكرمها بجعل رداءه لها، وعرض عليها البقاء مع والدها أو العودة إلى قومها لكنها فضلت العودة. هذه القصة تُظهر مكانة الأخت وتُظهر تقدير النبي لحق الأخوة، حتى في حالة الرضاعة.
تفقد النبي لجليبيب
كان من سمات النبي -صلى الله عليه وسلم- الاهتمام بأحوال أصحابه والسؤال عنهم. مثال ذلك هو قصة الصحابي جليبيب -رضي الله عنه- الذي كان يعيش أعزباً، ولم يكن أحد يرغب في تزويجه بسبب مظهره. ومع ذلك، أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- المبادرة وسعى لتزويجه.
بعد غزوة أحد، بدأ النبي -عليه الصلاة والسلام- يسأل المتواجدين عن الشهداء، فذكر بعضهم الصحابة الذين فقدوا. رغم أن الصحابة لم يذكروا جليبيباً، فقد قال النبي إنه يفقده. وطلب من الجميع البحث عنه، ليعثروا عليه بجوار سبعة قتلوا معه. وقد أكرمه النبي حتى بعد استشهاده، حيث قال: (هذا مني وأنا منه). وعندما جهزوا قبره، وضع النبي -صلى الله عليه وسلم- رأسه على ساعده.
مزاح النبي مع زاهر
جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين كل صفات الكمال الدينية والدنيوية، لكنه كان يتفاعل مع أصحابه بشكل غير رسمي ويمازحهم. مثال على ذلك كانت قصته مع زاهر -رضي الله عنه-، الذي كان له شكل غير جميل وكان من الأعراب.
- كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يضم زاهراً من الخلف ويسأله: من يشتري هذا العبد، فكان زاهر يرد بقول: “والله، إذاً لتجدني كاسداً”.
- كان يقول: زاهر باديتنا ونحن حاضروه، إذ يحمل زاهر أخبار البادية بينما نحن نخبره بأخبار المدينة.
- علمه النبي -عليه الصلاة والسلام- أن قيمة الرجل تُحدد بما يقدره الله، وليس بما يراه الناس.
طلب سواد القصاص من النبي
خلال تجهيز صفوف غزوة بدر، قام النبي -صلى الله عليه وسلم- بتحريك سواد ليعود إلى الصف، لكن سواد قال: “أوجعتني، فأقدني”. فرد النبي -عليه الصلاة والسلام- بكشف عن بطنه الشريفة قائلاً: استقد، واجعله يأخذ حقه.
ولم يقم سواد إلا بتقبيل بطن النبي ثم قال: “بل اعفُ عني لعلّك تشفع لي بها يوم القيامة”. لم يُعرف النبي -صلى الله عليه وسلم- بالضغينة لمطالبة أصحابه لحقوقهم. لذا، عيّن النبي سواد أميراً على خيبر، وأعطاه حقوقه، مُكرراً أنه قد أُعطي مكانة خاصة بسبب شجاعته وطلبه للقصاص.