رثاء الأب
يعتبر رثاء الأب من أبرز موضوعات الشعر العربي منذ العصر الجاهلي وحتى الوقت الحاضر. حيث يعبّر الشاعر عن حزنه العميق وفقدانه لشخص عزيز عليه، متناولًا أهمية وجوده وتأثيره في حياته. وفيما يلي نستعرض لكم بعض أجمل القصائد التي تعبر عن الألم والفقد في رثاء الأب.
شعر عن رثاء الأب
أيّ ليلٍ وأيّ صبحٍ في صباحي
من يُداري ومن يُداوي جراحي
لا تلُميني لما ترى، فليس تدري
ربما ظننتني غير مصاب
لا تَلُميني، فإن في القلب شيئًا
لا يُدارى، وليس يمحوه ماحي
إن فراق الآباء أمرٌ عظيمٌ
ما لذكرى همومه من بَراح
كيف أنسى من كان كالبدر نورًا
قد أضاءت من نوره كلُّ ساحِ
سراجًا إلى المعالي منيرًا
ودليلاً إلى دروب النجاح
كيف أنسى من كان حبّي وقلبي
وحياتي وجنّتي وارتياحي
كان في ليلنا سراجًا منيرًا
فتوارى بنوره في الصباح
قد سما إلى السماء، والروح صارت
في جوار العليم بالأرواح
في جوارٍ أنعم به من جوارٍ
هو أهل الثناء والمدح
رَبِّ ألهمه ثابت القول واجعل
حوله القبر من جنان فِساحِ
وتقبّله صابرًا وشهيدًا
ورفيقًا أهلَ التقى والصلاحِ
فزتَ يا والدي بقول سديدٍ
وبوجهٍ يُنير كالمصباحِ
لك فرضٌ وواجبٌ في صلاتي
بدعاءٍ وافر الإلحاحِ
لكَ خير دعاءٍ ما دمتُ حيًا
ورجائي في فالق الإصباحِ
أنت حيٌ أراك في كل دربٍ
من دروبي وحيثما كنتُ ناحي
في بيوتٍ بنيتها شاهقاتٍ
شاهداتٍ بخيرِ كفٍ وراحِ
أنت حيٌّ أراك في البدر لما
يتجلّى بنوره الوضاحِ
أنت حيٌ ذكراك في كل شيء
في وصاياك وفي جميع النواحي
ذكريات أصولها من نخيلٍ
باسقاتٍ وزهرها من أقاح
حكمة منك يا أبي كيف أنسى
حين كانت الأكف راحًا براحِ
لك ذكرى كثيرة في الوصايا
كنت والله سيّد النّصّاحِ
كنت تروي قلوبنا بالوصايا
وطبيبًا مداويًا للجراحِ
ولبيبًا إذا تغلّق باب
جاء منك الجواب كالمفتاحِ
نادر في الرجال، شهم كريم
حسن الخلق، ظافر بالمداحِ
فسلامٌ عليك في كل ليل
وسلام عليك كل صباحِ
وسلامٌ عليك ما طار طيرٌ
أو تغنّى بصوته الصداحِ
وسلامٌ عليك ما قام نبتٌ
واستمالت أغصانه بالرياحِ
وسلام عليك ما شَعّ نورٌ
أو توارى في غدوةٍ أو رواحِ
وسلام عليك في كل حين
يا شبيهاً للبدر في الإيضاح
قصيدة عن رثاء الأب لنزار قباني
أماتَ أَبوك؟
ضَلالٌ! أنا لا يموتُ أبي
ففي البيت منه
روائحُ ربي وذكرى نبي
هُنَا رُكْنُهُ.. تلك أشياؤهُ
تَفَتَّقُ عن ألف غصنٍ صبي
جريدته.. تَبْغُهُ.. مُتَّكَاهُ
كأنَّ أبي –بَعْدُ– لم يذهَبِ
وصحن الرماد.. وفنجانهُ
على حالهِ.. بعدُ لم يُشرَبِ
ونَظَّارتاهُ.. أيسلو الزجاجُ
عُيُوناً أشفَّ من المغرب؟
بقاياهُ، في الحجرات الفِساحِ
بقايا النُسُور على الملعبِ
أجول الزوايا عليه، فحيثُ
أمرُّ.. أمرُّ على مُعْشِبِ
أشُدّ يديه.. أميلُ عليهِ
أُصلِّي على صدرهِ المُتعَبِ
أبي.. لم يَزل بيننا، والحديثُ
حديثُ الكؤوسِ على المَشرَبِ
يسامرنا.. فالدوالي الحُبلى
تَوَالَدَت من ثغرهِ الطيّبِ..
أبي خَبَرًا كانَ من جَنَّةٍ
ومعنى من الأرحب الأرحبِ..
وعَيْنَا أبي.. ملجأٌ للنجومِ
فهل يذكرُ الشرقُ عَيْنَيْ أبي؟
بذاكرة الصيف من والدي
كرومٌ، وذاكرة الكوكبِ..
أبي يا أبي.. إنَّ تاريخ طيبٍ
وراءكَ يمشي، فلا تَعْتَبِ..
عَلَى اسمكَ نمضي، فمن طيّبٍ
شهيّ المجاني إلى أطيبِ
حَمَلْتُكَ في صَحْو عَيْنَيَّ.. حتى
تَهيَّأ للناس أنِّي أبي..
أشيلك حتى بنبرة صوتي
فكيف ذَهَبْتَ.. ولا زلتَ بي؟
إذا فُلَّةُ الدار أعطَت لدينا
ففي البيت ألفُ فمٍ مُذهَبِ
فَتَحْنَا لتموّز أبوابَنا
ففي الصيف لا بُدَّ يأتي أبي.
شعر عن رثاء الأب لأحمد شوقي
سأَلوني: لِمَ لَمْ أَرْثِ أَبي؟
ورِثاءُ الأبِ دَيْنٌ، أَيُّ دَيْنْ
أَيُّها اللُوّامُ، ما أَظلمَكم!
أينَ لي العقلُ الذي يسعد أينْ؟
يا أبي، ما أنتَ في ذا أولٌ
كلُّ نفسٍ للمنايا فرضُ عَيْنْ
هلكتْ قبلك ناسٌ وقرَى
ونَعى الناعون خيرَ الثقلين
غايةُ المرءِ وإن طالَ المدى
آخذٌ يأخذه بالأصغرين
وطبيبٌ يتولى عاجزاً
نافضاً من طبه خفيّ حنين
إن للموت يداً إن ضَرَبَتْ
أوشكَتْ تصدعُ شملَ الفَرْقَدَيْنْ
تنفذ الجوّ على عقبانه
وتلاقي الليثَ بين الجبلين
وتحطُّ الفرخَ من أَيْكَته
وتنال الببّغا في المئتين
أنا من مات، ومن مات أنا
لقي الموتَ كلانا مرتين
نحن كنا مهجة في بدنٍ
ثم صِرنا مُهجة في بَدَنَيْن
ثم عدنا مهجة في بدنٍ
ثم نُلقى جُثة في كَفَنَين
ثم نَحيا في عليٍّ بعدَنا
وبه نُبعَثُ أُولى البَعْثتين
انظر الكونَ وقلْ في وصفه
قل: هما الرحمة في مَرحَمتين
فقدا الجنة في إيجادنا
ونَعِمنا منهما في جَنّتين
وهما العذرُ إذا ما أُغضِبَا
وهما الصّفحُ لنا مُسترضَيَين
ليتَ شعري أيُّ حيٍّ لم يدن
بالذي دَانا به مُبتدِئَين؟
ما أَبِي إلّا أَخٌ فارَقته
وأَماتَ الرُّسْلَ إلّا الوالدين
طالما قمنا إلى مائدة
كانت الكسرة فيها كسرتين
وشربنا من إناءٍ واحدٍ
وغسلنا بعدَ ذا فيه اليدين
وتمشَّيْنا يَدي في يدِه
من رآنا قال عنّا: أخوين
نظرَ الدهرُ إلينا نظرةً
سَوَّت الشرَّ فكانت نظرتين
يا أبي والموتُ كأسٌ مُرّة
لا تذوقُ النفسُ منها مرتين
كيف كانت ساعةٌ قضيتها
كلُّ شيءٍ قبلَها أَو بعدُ هَين؟
أَشَرِبْتَ الموت فيها جُرعةً
أَم شَرِبْتَ الموتَ فيها جُرعتين؟
لا تَخَف بعدَكَ حُزناً أَو بُكاً
جمدتْ منِّي ومنكَ اليومَ عين
أنت قد علمتني تركَ الأسى
كلُّ زَيْنٍ مُنتهاه الموتُ شَيْن
ليت شعري: هل لنا أن نتلقى
مَرّةً، أَم ذا افتراقُ المَلَوَين؟
وإذا متُّ وأُودعتُ الثرى
أَنلقى حُفرةً أَم مُحَفّرتين؟