أروع قصائد الحب في الشعر العربي

إكسير الحياة

  1. يقول حمد بن خليفة أبو شهاب:

أرى الشعر ينحصر فيك ويزدهر

وينساب من غزارة الفرح نهره

فأنت واحة هذا الشعر، يا قرة العين

تحفك حدائق الغناء واللحن الفريد

فإن حلقت ألفاظه وتألق المعاني

فالحب الجميل أميرها وكبيرها

يوجهه إلى المعاني الأصيلة فيرتوي

من المنهل العذب، فتنساب شعوره

فأنت لروح العمر ظله

ومغناه في بحر الحب وزهوره

فأنفاسه تعطر المكان بعبيرك

ولولاك لما طابت الأجواء ولا نثرت عطوره

ولولاك لما غنى الساجع فوق الأغصان

ولا رفرفت أطياره في الآفاق المشرقة

ولولاك لما حلا الزمان بغيرك

بالمدح ولا خمد له باع هجير

فحبك إكسير الحياة وعبقها

ومأوى القلب الذي لا ينفصل عنك

ودونيك لا مراد لي ولا شوق

وقلبي ما يثيره سوى وجودك

وما أنشدته في الشعر تنظيماً

وما نثرته فبه قد نثرت لك

أبى الشعر إلا فيك، يا غاية الرغبات

تضيء بنور الكلمات سطوره.

أغالبك القلب اللجوج صبابة

يقول المرقش الأكبر:

أغالبك القلب اللجوج شوقا

وبحثا عن أسماء، أم أنت الغالب؟

يهيم القلب ولا يعي بأسمائه

وكذلك الهوى في انسيابه وآثاره

أيسمو انسان في حب أسماء التي نأت

بغمز من الواشين واعتزال جانبها

وأسماء همُّ النفس إن كنت عالماً

وبادياً في أحاديث القلب وغائبه

إذا ذكرتها النفس أظل كأنني

تنزعني قفطان ماءٍ وصالب

وهيفاء تقتل عشاقها

يقول ابن الساعاتي:

وهيفاء تقتل عشاقها

برمح القوام وسيف الحور

تسدّد بالجفن سهم الفتور

وتفتح في خديها ورد خفر

إذا ما بدت في صباح الجبين

تضفي على القلب ظلال الشعر

أسرّ إليها بشكوى الهوى

فتسمع بلام فيمن قد جهر

فنحن كما قيل في السابق

أريها السهى وهي تريني القمر

وأحور سهامه تأسرني

فسيان عندي رمي أو نظر

إذا مرت الحرب على ضفاف الغدير

وضع فوق نهرٍ زهوه

وطار في الأفق الضباب البعيد

يحجب عنا نساء الخيام

وتظهر فيه أسلحة ذكورية

فالجمال ما فيه من حسن يستحق

وللحنين منهم ما قد يُستار

حسنها كل ساعة يتجدد

  1. يقول ابن سناء الملك:

حسنُها يتجدد في كل ساعة

ولهذا فإن هوايَ لا يتحدد

إن عشقي كحسنها لا ينفك

وهَمّي كالغياب عنها لا ينطفئ

غير أن الخيال يتردد في قلبي

من طول ما قد تردد

بات ذاك الخيال في العين ولكن

مِسكُ أرجله تعلق في اليد

غادةٌ تجرعت الفتك فيها

لكلٍّ من الزمن ما يتعود

هي لا شكّ مُعصِّرٌ ولكن حظّي

مزج من حسنها فمغري جداً

حملت زينة الفتيان فوق النهد

في الجفون المهندة

قد روت السحر من لحظها

فهو يُملي علينا كل يوم متعة

وقرأ لنا الغريب من فمها

الكامل حُسناً والثغر فيه المبرّد

كحل الجفن مزج الكحل في عينها

فشربنا منه السلاف مُولّد

هي من حسنها تُميتُ وتحيي

ومن لينها تحل وتعيق

إن أردانا بوجهها ساعة الوصل

أراد بأغصانها ليلة الصد

فَتنَتني بأقحوانٍ مندّىً

وسَبَتني بدياسمينٍ مورّد

وأرادت بالسحر قتلي ولم تدري

بأني مؤيد بالمؤيّد

من رآه فإن مثل حسنها مُؤيّد

ملكٌ جودُه تقرَّب مِنَّا

مثلما فضلُه إلينا تودد

يهتدي القاصدون في ظلمة اليل

بنور من نجم دين محمد

قد كسا به الإله نوراً ولكن

هو في نصر دينه قد تجرد

أبتهج الدين عزمه فلذا

ذكره في الزمان غار وأعزّ

هو أحمى مما تتغطى به العاصفة

وهو أمضى من مشرفً مهند

خاطر حاضر وبأسٌ شديد

وعَلُوٌّ شَامِخٌ وعزّ مُشاد

فها هو عيدٌ أتى وأهنئه

وقد صام ألف عام وعيّد

فلنا البرّ عنده والعطايا

وله المدح والثناء المُخلد.

عيد قيس من حب لبنى ولبنى

يقول قيس بن ذريح:

عيد قيس من حب لبنى ولبنى

داء قيس والحب داء شديد

وإذا عادني المكاره يوماً

قالت العين لا أرى من أريد

ليت لبنى تعود لي ثم أقضي

أنها لا تعود فيمن يعود

ويح قيس لقد ضمت من حبها

داء خبل فالقلب منه عميد

عيون المها مالي بسحرك من يد

  1. يقول ابن الساعاتي:

عيون المها مالي بسحرك من يد

ولا في فؤادي موضع للتجلد

رويداً بقلب مستهام متيم

ورفقاً بجفنٍ قريح مسهد

قفي زودينا منك يا أم نالك

فغير كثيرٍ وقفة المتزود

ففي الظعن ألوى لا يرقّ لعاشق

سرى منجداً لكنه غير منجد

وبياض الطلى حور المناظر سوداها

وما كحلت أجفانهنَّ بإثمد

لعل رجاءً فات في اليوم نيله

يداركه حظٌ فيدرك في الغد

بليت بفطنة الردف لدن قوامه

ضعيف مناطق الخصر أهيف أغيد

ترى يجتني كف الهوى ثمر المنى

به من قضيب البانة المتأود

ذللت لسلطانه بعد عزةٍ

وليست لذلٍ قبلها بمعود

ويزعم أن السلم بيني مبينة

فما بال سيف اللحظ ليس بمغمد

تأمل جبيناً واضحا تحت طرّةٍ

ترى الصبح في جنح الليل الأسود

سرى القلب منه بين نور وظلمة

فمن أجلها أضيع أهتدي

وقفت أعطيه كؤوس عتابه

غداة صحا من سكرتي وتلدّدي

وأعطف منه غصن بان يقلّله

من الردف ملء العين والقلب واليد

وخصر ضعيف مثل صبري نطاقه

متى شئت يحلل أو متى شئت يعقد

خذ حديثي فإنه معسول

يقول عمارة اليمني:

خذ حديثي فإنه معسول

ورجال حديثهم مغسول

بت حيث التفت شاهدت روضاً

وغديراً قابلتني قبول

غير أن القدود لم أكن أدري

قبل هذا مما تميل

وغصون الحدائق الخضر جارية

بينهم العناق والتقبيل

فجرى من رائحة الفجر فيها

نفس خافت النسيم عليل

فأثارت بعد السكون حراكاً

هزّها منه الشمال والشمال

فإذا القد مال بعد اعتدال

فتيقن أن النسيم عذول

حبّذا جور غادة تتثنى

باعتدال وفي هواها عدول

لم يزل سحرها إلى الوصل باباً

منه نحو الرضا يكون الوصول

أنا في أسرها وأسري عليها

فكلانا هو العزيز الذليل

كلما قلت أستطيل عليها

حكم الحب أنها تستطيل

غزلي من قرينة الحال لا من

غزل صدق أهله مستحيل

ولا سلو ولا علو ولكن

لي طلوع مع الهوى ونزول

هي الظبي لولا عقدها والخلاخل

يقول عبد الرحمن السويدي:

هي الظبي لولا عقدها والخلاخل

أو الغصن لولا وشيها والغاليل

يحركها ريح الدلال ولينها

وثبتها حُفوف لذا تتمايل

وتهتز في ورق النضار إذا مشت

فتثبت أشواقا إليها العنادل

وقد رام تشبيهاً بها البدر والقمر

وهي لعديم المثل شيء يماثل

فيا أيها البدر انثنِ بك كلفة

ويا أيها اللدن انحن أنت ذابل

إذا انساب فوق الدعص أرقم فرعها

فمن جائر لي من صاعدٍ وهو نازل

أعير الليل من فرعها الدجن واكتفت

بوضاحها عن شمسهن الأصائل

بعيدة مهوى القرط حوراء لحظها

صقيل وشخص العين منها المقاتل

وقد كمن السحر الحلال بجفنها

وعنها روت سحر المحرم بابل

لي اللّه قلبي بالصبابة عامرٌ

وجسمي لوجدي والكآبة نحيل

ولولا بكائي في الأصيل وفي الضحى

لما نحن فوق الأيك تلك البلابل

ولي زفرة من حرّها أوقدت لظى

ولدي مدفع من سحبه السفح سائل

ولي رقةٌ عنها النسائم تحدّثت

ولي مقة فلّت لديها المفاصل

رعى الله عيشاً كرخ بغداد ربعه

وروّاه هتّان من المزن هاطل

وأيام سعدكم قضيت مآربها

بها ولكم قد أنتجت لي مآمل

وأديت فيها للشبيبة حقها

ونبّهت فيها اللهو والدهر غافل

خليليّ ما للدهر يعمل بالفتى

نقيض الذي نصّت عليه الأماثل

فيخفض منه قدره وهو عالم

ويرفع منه ذكره وهو جاهل

ويعجم منه النطق وهو ابن وائل

ويفصح منه قوله وهو باقل

ولا جائر منه وأبناؤه هم

زعانف أنحاٌس لئام أراذل

إذا ما الغمام الجون عن حرّ وجهها

تقشّع كاد الشمس عنه تتآفل

تماثل ما في ثغرها وعقودها

وبالروح يُشرى ذلك المتماثل

وقد شاكل الخد الشقيق فخال ذا

وحبّة ذا ما بين كلٍّ تشاكل

أما وجبين حول هالة بدره

نجوم تُذيب القلبَ وهي نوازل

وهادٍ أضلّ القلب وهو مطوّق

ويذهب طوراً بالنهى وهو عاطل

وبلّور نحرٍ مشرقٍ فكأنما

عليه لإشراق اللآلي دلائل

ففي القلب منها حرقة لو يبثها

أنيني لذابت من سناها الجنادل

ممنعة لا يستطاع لشيء

إليها اللقاء بل دون ذاك معاقل

محجّبة عن كل شيء سوى الكرى

فلا الوهم يدنوها ولا الفكر واصل

مخدّرة من دونها كل حاذر

من الصيد أسباب المنيّة حامل

أطعتُ هواها إذ عصيتُ عواذلي

وهل في سوى أسماء تُعصى العواذل

وأخفيتُ أمري خوف واشٍ يذيعه

فهمت وأبدته العيون الهواطل

أما إنني قد كنت أخشى صروفه

ولكن دعاه والذي هو فاعل

فلست أبالي منه بعد استجارتي

بمن كملت فيه الخصال الفضائل

نبيٌّ نبيٌّ مرسلٌ خير من هدى

وأكرم من سارت إليه الرواحل

كريم فلا برق الأماني بخلّب

لديه ولا يستمنح الجود خاجل

هو البحر إلا أن مورد عذبه

إلى ريّه تهمي العفاة الأرامل

حقير عطاياه جلائل حاتم

وأنزر معطاه الهجان الأفائل

يجود بما جاد الكرام وبالذي

به كل كرامٍ لدى الجود باخل

ويلتذّ بالحدوى لعافٍ ووافدٍ

ويأنس بالجائي إذا قيل سائل

فشاغل يمناه لدى أسلم نائلٌ

وفي الحرب مفتوق القرارين فاصل

وفيّ الجرشّي شامخ النجر دونه

تقاعس رضوى والخورنق خامل

به فضلت عدنان كعباً وحِميَراً

ودانت لعليائها تميم ووائل

وإن فخروا آباؤه فبفخره

وبالسيف يغلو غمده والحمائل

تنزّه عن كل المثالب فاستوت

على صهوات الحُسن منه الشمائل.