أجفان العذارى من خلال الحُجُب
- امتدح عنترة بن شداد محبوبته عبلة قائلاً:
أجفان العذارى من خلال الحجب
أحد من البيض الرقائق القواطع
إذا جردت ذل الشجاع وأصبحت
محاجره قرحى بفيض المدامع
سقى الله عمي من يد الموت جرعة
وشلت يديه بعد قطع الأصابع
كما قاد مثلي بالمحال إلى الردى
وعلق آمالي بذيل المطامع
لقد ودعتني عبلة يوم بينه
وداعاً يقيناً أنني غير راجع
وناحت وقالت كيف تصبح بعدنا
إذا غبت عنا في القفار الشوافع
وحقي لا حاولت في الدهر سلوة
ولا غيرتني عن هواك مطامعي
فكن واثقاً مني بحسن مودة
وعش ناعماً في غبطة غير جازع
فقلت لها يا عبلة إني مسافر
ولو عرضت دوني حدود القواطع
خلقنا لهذا الحب من قبل يومين
فما يدخل التفنيد فيه مسامعي
أيا علم السعدي هل أنا راجع
وأنظر في قُطريك زهر الأراجع
وتبصر عيني الربواتين وحاجر
وسكان ذلك الجزع بين المراتع
وتجمعنا أرض الشرب والطئ
ونرتع في أكناف تلك المراعي
فيا نسيمات البان بالله خبريني
عبيلة عن رحلي بأي المواضع
ويا برق بلغها الغداة تحيتي
وحيي دياري في الحمى ومضاجعي
أيا صادحات الأيك إن مت فاندبي
على تربتي بين الطيور السواجع
ونوحي على من مات ظلماً ولم ينل
سوى البعد عن أحبته والفجائع
ويا خيل فابكي فارساً كان يلتقي
صدور المنايا في غبار المعامع
فأمسى بعيداً في غرام وذلة
وقيد ثقيل من قيود التوابع
ولست بباكٍ إن أتتني منيتي
ولكنني أهفو فتجري مدامعي
وليس بفخر وصف بأسي وشدتي
وقد شاع ذكري في جميع المجامع
بحق الهوى لا تعذلوني وأقصٍرو
عن اللوم إن اللوم ليس بنافع
وكيف أطيق الصبر عمن أحبّه
وقد أُضرمت نار الهوى في أضالعي
ألا ليت ريعان الشباب يعود
- وقال جميل في محبوبته بثينة:
ألا ليت ريعان الشباب جديد
ودهراً تولى يا بثين يعود
فنبقى كما كنا نكون وأنتم
قريب وإذ ما تبذلين زهيد
وما أنسى من الأشياء لا أنسى قولها
وقد قربت نضوي أمصر تريد
ولا قولها لولا العيون التي ترى
لزرتك فعذرني فدتك جدود
خليلي ما ألقى من الوجد باطن
ودمعي بما أخفيت الغداة شهيد
ألا قد أرى والله أن رب عبرة
إذا الدار شطت بيننا ستزيد
إذا قلت ما بي يا بثينة قاتلي
من الحب قالت ثابت ويزيد
وإن قلت ردي بعض عقلي أعش به
تولّت وقالت ذاك منك بعيد
فلا أنا مردود بما جئت طالباً
ولا حبها فيما يبيد يبيد
جزتك الجواري يا بثين سلامة
إذا ما خليل بان وهو حميد
وقلت لها بيني وبينك فاعلمي
من الله ميثاق له وعهود
وقد كان حبكم طريفاً وتالدًا
وما الحب إلا طارف وتليد
وإن عروض الوصل بيني وبينها
وإن سهّلته بالمنى لكؤود
وأفنيتُ عمري بانتظاري وعدها
وأبليتُ فيها الدهر وهو جديد
فليت وشاة الناس بيني وبينها
يدوف لهم سمًّا طماطم سود
وليتهم في كلّ ممسى وشارق
تضاعف أكبالٌ لهم وقيود
ويحسَب نِسوانٌ من الجهل أنّني
إذا جئتُ إياهن كنت أريد
فأقسمُ طرفي بينهن فيستوي
وفي الصّدْر بونٌ بينهن بعيد
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة
بوادي القرى إني إذن لسعيد
وهل أهبطن أرضاً تظل رياحها
لها بالثنايا القاويات وئيد
وهل ألقين سعدى من الدهر مرة
وما رثّ من حبل الصفاء جديد
وقد تلتقي الأشتات بعد تفرق
وقد تدرك الحاجات وهي بعيد
وهل أزجرن حرفاً علاةً شملة
بخرق تبارك سواهم قود
على ظهر مرهوب كأن نشوزه
إذا جاز هلاك الطريق رقاد
سبتني بعيني جؤذر وسط ربرب
وصدر كفاثور اللجين جيد
تزيف كما زافت إلى سلفاتها
مباهية طي الوشاح ميود
إذا جئتُها يوماً من الدهر زائراً
تعرض منفوض اليدين صَدود
يصُد ويغضي عن هواي ويجتني
ذنوباً عليها إنه لعَنود
فأصرمها خوفاً كأني مجانب
ويغفل عن مرة فنعود
ومن يُعطَ في الدنيا قريناً كمثلها
فذلك في عيش الحياة رشيد
يموت الهوى مني إذا ما لقيتها
ويحيا إذا فرقتها فيعود
يقولون جاهد يا جميل بغزوة
وأي جهاد غيرهن أريد
لكل حديث بينهن بشاشة
وكل قتيل عندهن شهيد
وأحسن أيام وأبهج عيشتي
إذا هيج بي يوماً وهُن قعود
تذكرت ليلى فالفؤاد عميد
وشطت نواها فالمزار بعيد
علقت الهوى منها وليداً فلم يزل
إلى اليوم ينمي حبه ويزيد
فما ذُكر الخُلاّن إلا ذكرتها
ولا البخل إلا قلت سوف تجود
إذا فكرت قالت قد أدركت وده
وما ضرني بخلي فكيف أجود
فلو تكشف الأحشاء صودف تحتها
لبثنة حب طارف وتليد
ألم تعلمي يا أم ذي الودع أنني
أضحك ذِكراكُم وأنت صَلود
فهل ألقين فرداً بثينة ليلة
تجود لنا من ودها ونجود
ومن كان في حبي بثينة يمتري
فبرقاء ذو ضالٍ عليّ شهيد
معلقة امرئ القيس
- ومن قصائد امرئ القيس في الحب:
قف نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها
لما نسجتها من جنوب وشمال
ترى بعر الأرآم في عرصاتها
وقيعانها كأنه حب فلفل
كأني غداة البين يوم تحملوا
لدى سمرات الحي ناقف حنظل
ووقوفاً بها صحبي عليّ مطيهم
يقولون لا تهلك أسي وتجمل
وإن شفاءي عبرة مهراقة
فهَل عند رسم دارس من معول
كدأبك من أم الحويرث قبلها
وجارتها أم الرباب بمأسل
إذا قامتا تضوّع المسك منهما
نسيم الصبا جاءَت برَيَّا القرنفل
ففاضت دموع العين مني صبابة
على النحر حتى بلّ دمعي محملي
ألا رُبّ يوم لك منهن صالح
ولا سيما يوم بدارت جلجل
ويوم عقرت للعذارى مطيتي
فيا عجباً من كورة المتحمل
فظل العذارى يرتمين بلحمها
وشحمٍ كهدّاب الدمقس المفتّل
ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة
فقالت لك الوايلات إنك مرجلي
تقول وقد مال الغبيط بنا معاً
عقرت بعيري يا امرئ القيس فانزلي
فقلت لها سيري وأرخ زيمامه
ولا تبعديني من جناني المعَلّل
فمثلِك حبلى قد طرقت ومُرضعٍ
فألهيتها عن ذي تمائم محول
إذا ما بكَى من خلفها انصرفت له
بشَقٍّ وتحتِي شقّها لم يحول
ويوم على ظهر الكثيب تعذّرت
علي وآلت حلفة لم تحلل
أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل
وإن كنت قد أزمعْتِ صرمي فأجملي
أغرّك مني أن حبّك قاتلي
وأنك مهما تأمري القلب يفعل
وإن تك قد ساءتك مني خلقٌ
فسُلي ثيابي من ثيابك تَنسلِ
وما ذرفَت عيناك إلا لتضربي
بسهمَيْك في أعشار قلبٍ مُقَتَّلِ
وبَيْضة خدٍ لا يُرام خِباؤُها
تمتعت من لهو بها غير مُعجِلِ
تجاوزت أحراسا إليها ومعشراً
علي حراصاً لو يُسرّون مقتلِي
إذا ما الثريا في السماء تعرضت
تعرض أثنَاء الوشاح المُفصّل
فَجِئتُ وقد نضّت لنوم ثيابها
لدى السِتْر إلا لبسة المتفضّل
فقالت يمين الله ما لك حيلة
وما إن أرى عنكَ الغواية تنجلي
خَرَجْتُ بها أمشي تجر ورانا
على أثرينا ذيل مِرطٍ مُرحّل
فَلَمَّا أجزنا ساحة الحي وانتحى
بِنا بطنُ خبتٍ ذي حِقافٍ عَقَنْقَلِ
هصرتُ بفوّدي رأسها فتمالَتْ
عَلَيَّ هَضيمَ الكشح رَيّا المُخلخلِ
مُهفْهَفَةٌ بَيْضاء غَيْر مُفَاضَةٍ
تَرَائِبُها مَصقولةٌ كالسَّنجَلِ
كبكرِ المقانات البياض بصُفْرةٍ
غذّاهَا نميرُ الماء غير المُحللِ
تصدّ وتبدو عن أسيلٍ وتَتّقي
بناظرةٍ من وحشٍ وجرةِ مُطفِلِ
وجيدٍ كجيد الرئم ليس بفاحِشٍ
إذا هي نصّت ولا بمعطّل
وفرعٍ يزين المتن أسود فاحمٍ
أثيثٍ كقنو النخلة المتعتحلِ
غدائِرُهُ مُستشزِرَاتٌ إلى العُلاَ
تضلّ العِقاص في مثنى ومُرسَلِ
وكشحٍ لطيفٍ كالجليل مخصرٍ
وساقٍ كأنبوب السقي المُذَلَّلِ
وتُضحي فتيتُ المسك فوق فراشها
نأُومُ الضحى لم تنتطق عن تفضلِ
وتعطو برَخْصٍ غير شثنٍ كأنّهُ
أسارِيعُ ظبٍ أو مساويكِ إسحلِ
تضيءُ الظلام بالعشائِ كأنها
منارةُ ممسى راهبٍ متبتلِ
إلى مثلِها يرنو الحليم صبابةً
إذا ما أسبكرت بين درعٍ ومجولِ
تسلت عمايات الرجال عن الصبَا
وليس فؤادي عن هواكِ بمنسلِ
ألا رُبّ خصمٍ فيكِ ألوى ردَدْتِه