أحبك حتى تصل السماء
لأستعيد عافيتي
وعافية كلماتي
ولأخرج من حصار التلوث
الذي يحيط بقلبي
فالأرض من دونك
ليست سوى كذبة كبيرة
وتفاحة فاسدة
حتى أدخل في عالم الياسمين
وأدافع عن حضارة الشعر
وزرقة البحر
واخضرار الغابات
أرغب في حبك
حتى أطمئن
أنك لا تزال بخير
أنك لا تزال بخير
وأسماك الشعر التي تسبح في دمي
لا تزال بخير
أريد أن أحبك
حتى أتخلص من جفاف مشاعري
وملوحتي
وتكلس أصابعي
وفراشاتي الملونة
وقدرتي على البكاء
أريد أن أحبك
حتى أستعيد تفاصيل منزلنا الدمشقي
غرفةً غرفة
بلاطةً بلاطة
حمامةً حمامة
وأتحدث مع خمسين صفيحة من الفل
كما يتباهى الصائغ
أريد أن أحبك يا سيدتي
في زمن
أصبح فيه الحب معاقًا
واللغة معاقة
وكتب الشعر معاقة
فلا الأشجار قادرة على الوقوف بكل ثبات
ولا العصافير قادرة على استخدام أجنحتها
ولا النجوم قادرة على التنقل
أريد أن أحبك
من غزلان الحرية
ومن آخر رسالة للمحبين
وتشنق آخر قصيدة مكتوبة باللغة العربية
أريد أن أحبك
قبل أن يصدر مرسوم استبدادي
وأريد أن أتناول فنجاناً من القهوة معك
وأريد أن أجلس معك لدقيقتين
قبل أن تسحب الشرطة من تحتنا الكراسي
وأريد أن أعانقك
قبل أن يُقبض على فمي وذراعي
وأريد أن أبكي بين يديك
قبل أن يفرضوا ضريبة على دموعي
أريد أن أحبك يا سيدتي
وأبدل التقاويم
وأعيد تسمية الشهور والأيام
وأضبط ساعات العالم
على إيقاع خطواتك
ورائحة عطرك
التي تملأ المكان قبل دخولك
إني أحبك يا سيدتي
دفاعاً عن حق الفرس
في أن تصهل بحرية
وحق المرأة في اختيار فارسها
كما تشاء
وحق الشجرة في تغيير أوراقها
وحق الشعوب في تغيير حكامها
متى تشاء
أريد أن أحبك
حتى أستعيد إلى بيروت رأسها المقطوع
وإلى بحرها معطفه الأزرق
وإلى شعرائها دفاترهم المحترقة
أريد أن أعيد
لتشايكوفسكي بجعته البيضاء
ولبول إيلوار مفاتيح باريس
ولفان جوخ زهرة دوار الشمس
ولأراغون عيون إلزا
ولقيس بن الملوح
أمشاط ليلى العامرية
أريدك أن تكوني حبيبتي
حتى تنتصر القصيدة
على المسدس الكاتم للصوت
وينتصر التلاميذ
وتنتصر الوردة
وتنتصر المكتبات
على مصانع الأسلحة
أريد أن أحبك
حتى أستعيد الأشياء التي تشبهني
والأشجار التي كانت تتبعني
والقطط الشامية التي كانت تجرحني
والكتابات التي كانت تخلقني
أريد أن أفتح كل الجوارير
التي كانت أمي تخبئ فيها
خاتم زواجها
ومسبحتها الحجازية
التي احتفظت بها
منذ ولادتي
كل شيء يا سيدتي
دخل في غيبوبة
فالأقمار الصناعية
انتصرت على قمر الشعراء
والحاسبات الإلكترونية
تفوقت على نشيد الإنشاد
وبابلو نيرودا
أريد أن أحبك يا سيدتي
قبل أن يصبح قلبي
قطعة غيار تُباع في الصيدليات
فأطباء القلوب في كليفلاند
يصنعون القلوب بكميات كبيرة
كما تُصنع الأحذية
السماء يا سيدتي، أصبحت منخفضة
والغيوم العالية
أصبحت تتسكع على asphalt
وجمهورية أفلاطون
وشريعة حمورابي
ووصايا الأنبياء
صارت دون مستوى سطح البحر
ولذلك نصحني السحرة والمنجمون
ومشايخ الطرق الصوفية
أن أحبك
حتى ترتفع السماء قليلاً
أحبك كثيراً
أحبك كثيراً
وأعلم أن الطريق إلى المستحيل طويل
وأعلم أنك سيد النساء
وليس لدي بديل
وأعلم أن زمن الحنين قد انتهى
ومات الكلام الجميل
أنتَ عزيزتي، ماذا نقول؟
أحبك جداً
وأعرف أنني أعيش في منفى
وأنتِ أيضاً في منفى
وبيني وبينك
ريحٌ
وغيمٌ
وبرقٌ
ورعدٌ
وثلجٌ ونار
وأعرف أن الوصول لعينيك وهمٌ
وأن الوصول إليك
انتحار
ويسعدني
أن أمزق نفسي لأجلكِ، أيتها الغالية
ولو خيروني
لكررت حبك للمرة الثانية
أيا من غزلت قميصك من أوراق الشجر
أيا من حميتك بالصبر من قطرات المطر
أحبك جداً
وأعرف أنني أسافر في بحر عينيك
دون يقين
وأترك عقلي ورائي وأركض
أركض
أركض خلف جنوني
أيا امرأة تمسك القلب بين يديها
سألتك بالله لا تتركيني
لا تتركيني
فماذا أكون أنا إذا لم تكوني؟
أحبك جداً
وجداً جداً
وأرفض من نار حبك أن أستقيل
وهل يستطيع المتيم بالعشق أن يستقيل؟
وما يهمني
إن خرجت من الحب حياً
وما يهمني
إن خرجت قتيلاً
حب بلا حدود
يا سيدتي
كنتِ أهم امرأة في تاريخي
قبل رحيل العام
أنتِ الآن أهم امرأة
بعد ولادة هذا العام
أنتِ امرأة لا أحسبها بالساعات وبالأيام
أنتِ امرأة
صُنعَت من فاكهة الشعر
ومن ذهب الأحلام
أنتِ امرأة كانت تسكن جسدي
قبل ملايين السنين
يا سيدتي
يا مغزولة من قطن وغيم
يا أمطاراً من ياقوت
يا أنهاراً من نهوند
يا غابات من رخام
يا من تسبحين كالأسماك في ماء القلب
وتسكنين في العينين كسرب حمام
لن يتغير شيء في عاطفتي
في إحساسي
في وجداني وإيماني
فأنا سأظل على دين الإسلام
يا سيدتي
لا تهمني إيقاعات الوقت وأسماء السنوات
أنتِ امرأة تبقى امرأة في كل الأوقات
سوف أحبكِ
بعد دخول القرن الواحد والعشرين
وعند دخول القرن الخامس والعشرين
وعند دخول القرن التاسع والعشرين
وسأحبكِ
حين تجف مياه البحر
وتحترق الغابات
يا سيدتي
أنتِ خلاصة كل الشعر
ووردة كل الحريات
يكفي أن أتهجى اسمكِ
حتى أصبح ملك الشعر
وفرعون الكلمات
يكفي أن تعشقني امرأة مثلك
حتى أدخل في كتب التاريخ
وترفع من أجلي الرايات
يا سيدتي
لا تَضطربي كالعصفور في زمن الأعياد
لن يتغير شيء مني
لن يتوقف نهر الحب عن الجريان
لن يتوقف نبض القلب عن الخفقان
لن يتوقف حجل الشعر عن الطيران
حين يكون الحب كبيرًا
والمحبوبة قمرًا
لن يتحول هذا الحب
لحزمة قش تأكلها النيران
يا سيدتي
لا يوجد شيء يملأ عيني
لا الأضواء
ولا الزينات
ولا أجراس العيد
ولا شجر الميلاد
لا يعني لي الشارع شيئًا
لا تعني لي الحانة شيئًا
لا يعني لي أي كلام
يكتب على بطاقات الأعياد
يا سيدتي
لا أذكُر إلا صوتكِ
عندما تدق نواقيس الأعياد
لا أذكر إلا عطرَكِ
حين أنام على ورق الأعشاب
لا أتذكر إلا وجهكِ
حين يهرهر فوق ثيابي الثلج
وأسمع طقطقة الأحطاب
ما يُفرحني يا سيدتي
أن أتكوّم كالعصفور الخائف
بين بساتين الأهداب
ما يبهرني يا سيدتي
أن تهديني قلمًا من أقلام الحبر
أعانقه
وأنام سعيدًا كالأطفال
يا سيدتي
ما أسعدني في منفاي
أقطّر ماء الشعر
وأشرب من خمر الرهبان
ما أقواني
حين أكون صديقًا
للحرية والإنسان
يا سيدتي
كم أتمنى لو أحببتُكِ في عصر التنوير
وفي عصر التصوير
وفي عصر الرواد
كم أتمنى لو قابلتُكِ يومًا
في فلورنسا
أو قرطبة
أو في الكوفة
أو في حلب
أو في بيت من حارات الشام
يا سيدتي
كم أتمنى لو سافرنا
إلى بلاد تسودها الموسيقى
حيث الحب بلا أسوار
والكلمات بلا حدود
والأحلام بلا قيود
يا سيدتي
لا تنشغلي بالمستقبل
سوف يظل حنيني أقوى مما كان
وأعنف مما كان
أنتِ امرأة لا تتكرر في تاريخ الورود
وفي تاريخ الشعر
وفي ذاكرة الزنبق والريحان
يا سيدة العالم
لا يشغلني سوى حبكِ في الأيام القادمة
أنتِ امرأتي الأولى
أمي الأولى
رحمي الأول
شغفي الأول
شغفي الأول
قيد نجاتي في زمن الطوفان
يا سيدتي
يا سيدة الشعر الأولى
هاتي يديك اليمنى كي أختبئ فيهما
هاتي يديك اليسرى
كي أستوطن فيها
قولي أي عبارة حب
عندما تبدأ الأعياد
الحب يا حبيبتي
يقول نزار قباني في قصيدته “الحب يا حبيبتي”:
الحب يا حبيبتي
قصيدة جميلة مكتوبة على القمر
الحب مرسوم على كل أوراق الشجر
الحب منقوش على
ريش العصافير وحبات المطر
لكن أي امرأة في بلدي
إذا أحبت رجلاً
ترمى بخمسين حجر