أروع قصائد الشعر العربي

عذل العواذل حول قلبي التائه للمتنبي

إن عذل العواذل لقلب متجول

وهوى الأحبة يعصف به في سواد لياليه

يشكو الملام إلى اللوائم حرّ عذابه

فيصدّ عن لومهن إلى فضائله

وبمهجتي، أيها العاذل القاسي

قد أسخَطتُ أعظمَ منك في إرضائه

فإنه إن ملك القلوب، فإنه

قد رعى الزمان في أرضه وسماواته

الشمس من حساده، والنصر من

مصاحبيه والسيف من ألقابه

أين الثلاثة من خصاله الثلاث

من جماله، ورفضه، ومآثره؟

مضت الدهور، ولم تأت بمثله

ولقد جاء، فعجزنا عن نظائره

أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا لابن زيدون

أصبح الفراق بديلاً عن لقائنا

وابتعد طيب عيشتنا، فاصطففنا

ألا وقد حان صباح الفراق، فصدمنا

حزناً، يبقينا مع الدهر لا يُنسى

لأنّ الزمان الذي كان يضحكنا

بقرابة الأحبة عاد ليبكينا

شدة العداء من شربنا الحب، وكانوا

يدعون أن نغص بمصائب، فقال الدهر آمين

فانحلت ما كان مربوطاً بأرواحنا

وانقطع كل ما كان متصل بأيدينا

وقد نكون، وما يُخشى أن يتفرقنا

فاليوم نحن، وما يُرجى لقاءنا

يا ليتني أعلم، ولم نتجرأ على أعدائكم

هل نالوا حظاً من العتاب أعادينا؟

لم نعتقد بعدكم إلا الوفاء لكم

رأيًا، ولم نتخذ غيره دينًا

ما حقنا أن تُقرّوا عين حاسدٍ

فيما لنا، أو أن تسعدوا عدوًا فينا؟

كنا نرى اليأس يُشجينا عواصم

وربما يئسنا، فما لليأس يُغرينا؟

أبنتم وبنا، فما انطفأت أشواقنا

إلى اللقاء، ولا جفت مآقينا

نقترب، حين تناجيكم ضمائرنا

يجرّ علينا الأسى، لولا تآلفنا

حال الفقد بأيامنا، فغدت

سوداً، بينما كانت معكم بيضاء ليالينا

وما الجانب الآخر من وجودنا

إلا سيرة من تواصلنا

وعندما اجتمعنا في فنون الوصل

يُقطف، فحصدنا منه ما أردنا

فليكن عهدكم عهد السرور، فما

كنتم لأرواحنا إلا رائحة زكية

لا تظنوا أن البعد يغيرنا

فكما غيّر البعد الأحبة فينا!

والله، ما طلبت أهواؤنا بديلاً

منكم، ولا انصرفت عنكم أمانينا

يا سارِي البرق، غدِ القصر، وأسقِ به

من كان خالص الهوى والمودة يسقينا

واسأل هناك: هل عنّا تذكّركم

ألفة، تذكّره أمسى يعنينا؟

ويا نسيم الصبا، بلّغ تحياتنا

لمَنْ لو على البعد حيّا كان يُحيينا

أندلسية لأحمد شوقي

يا نائحًا بذكر الطلح، أشباه عوادينا

هل نحزن لواديك أم نأسى لوادينا؟

ماذا تخبرنا سوى أن يداً

قصت جناحك واجتاحت في حواشينا؟

رمى بنا البين، آلام وغياب، دون سامرنا

يا أخا الغربة: وظللتم خارج أندينا

كلٌّ رمته النوى: ريشة الفراق لنا

سهماً، وسلّ عليك البين سكيناً

إذا دعا الشوق، لم نبارح المسار

من الجناحين في الهوى لا نلبين التمني

فإن كُنتَ يابن الطلح قد فرقنا

فإن المصائب جمعن للمصابين جراحينا

لم تأل مسيرك حنانًا ولا ظلمًا

ولا استذكارًا، ولا شجواً أفانيننا

تجر من فنن ساقاً إلى فنن

وتسحب الذين ترتاد المؤاسين بنا

آسية جسمك شتى، حين تطلب منهم

فمن روحك بالنفس المداوين لنا

آهٌ لنا نازحوا إيك في أندلس

حين حللنا رقيقاً من رواجبنا

رسم وقفنا على رسم الوفاء له

نُبكي بالدمع، والإجلال يُثنينا

لفتيه لا تنال الأرض أدمعهم

ولا مفارقتهم إلا مصلين معنا

لو لم يسُد بدين فيه منبهة

للناس كانت لهم أخلاقهم مدينتنا