مفهوم الإسلام حول مسألة الرزق
يبقى اهتمام الإنسان بالرواق من الأمور الملحة التي تشغل تفكيره. يسعى الجميع لتأمين قوتهم وقوت أسرهم، مما يتيح لهم تلبية احتياجاتهم الأساسية من مأكل ومشرب وملبس وتعليم. لذا، فإن الإسلام يعتبر مسألة الرزق من الموضوعات الجوهرية، ويحدد لها مجموعة من القواعد الاعتقادية التي يجب على المسلم إدراكها أثناء سعيه إلى كسب رزقه. من بين هذه القواعد التأكيد على ضرورة العمل ورفض الكسل والتواني، حيث رُوِيَت العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على العمل الجاد والتفاني، ومنها قول الله تعالى: (وَقُلِ اعمَلوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُم وَرَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ). كما نهى الرسول محمد -صلّى الله عليه وسلّم- عن طلب المساعدة من الآخرين، مشددًا على مكانة العمل الرفيعة، مهما كانت طبيعته بسيطة. ودعا الإسلام إلى توسيع مفهوم الرزق ليشمل الإيمان، حب الله ورسوله، والزوجة الصالحة، مما يعكس تنوع الأرزاق التي يمنحها الله -عز وجل- للعباد. وتظل عقيدة الإيمان بأن جميع الأرزاق بيد الله وحده دون غيره، فإذا ما طلبه الكائنات جميعًا لن ينقص ذلك من ملكه شيئًا.
أما بالنسبة للإيمان بأن رزق الله للعبد مقدر ومكتوب، فإنه لا يمكن لأي شخص أن يفوته، كما بيّن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بقوله: (إنَّ نفساً لن تموتَ حتى تستوفِيَ رزقَها). هذا المفهوم يرسخ في عقول الناس أن ما كتبه الله لهم من أرزاق سيصل إليهم حتميًا، في حين أن ما لم يكتبه لهم لن يصل. لذا لا حاجة للجوء لأساليب غير مشروعة كالنصب أو السرقة. كما أن الإسلام يوضح عدم وجود علاقة بين حب الله للعبد وبين مقدار رزقه، فالله يوسع رزق الجميع، حتى من هم في ضلال. ويرزق الله المؤمنين رغم قلة مالهم، ولا يرتبط هذا بحب أو كره، حيث يعطي الله الدنيا لمن يشاء ويعطي الإيمان لمن يشاء. وأخيراً، يجب على المسلم أن يدرك أن الرزق يبارك بالطاعة، بينما تنقصه المعاصي حتى لو كان كثيرًا، كما أن التسرع في التماس الرزق من طرق غير شرعية يمنع الحلال عن الشخص.
طرق الحصول على رزق وفير
يستهدف كل مسلم في حياته زيادة تعداد رزقه وتوسيع مداه، حيث أن الرزق الوفير يضفي جمالًا على الحياة الدنيا، كما ذكر الله في القرآن: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا). وقد وضع الله -عز وجل- مجموعة من الأسباب التي تساعد الأفراد في الحصول على رزق وفير، مما يعود بالنفع على الفرد في الدنيا والآخرة. وفيما يلي بعض من تلك الأسباب:
- التقوى: حيث وضح الله في كتابه أن التقوى تؤدي إلى الرزق الوفير، كما جاء في قوله: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).
- الاستغفار: يمتاز الاستغفار بكثرة فوائده، فهو متيسر ويسهل القيام به في كل وقت، ويعتبر أحد الأسباب المهمة لجلب الرزق. كما أشار الله -عز وجل- على لسان نبي الله نوح عليه السلام: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا).
- الدعاء المستمر: فهو وسيلة للتواصل بين العبد وربه، حيث يمكن من خلاله طلب الرزق أو الشفاء، أو التيسير في الحياة. من المهم أن تكون نية الشخص خالصة وتكون مصادر رزقه حلالًا.
- الاستمرار في التسبيح: فالتسبيح يمتلئ به الميزان من الحسنات، ويفتح أبواب الرزق من الله -عز وجل-.
- التوكل على الله: يجب أن يتأمل الشخص أن الله هو المعطي والمانع، وأنه لا يمكن لأي مخلوق سلب ما قدره الله للعبد.
- الصلاة في الضحى: وهي من السنن التي أوصى بها الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- ولها فوائد عظيمة في زيادة الرزق.
- الزواج: يحمل الزواج في طياته نعمة كبيرة، حيث قال الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (ثلاثةٌ حقٌّ عَلَى اللهِ عونُهم: المجاهِدُ في سَبيلِ اللهِ، والمكاتَبُ الَّذي يريدُ الأداءَ، والنَّاكِحُ الَّذي يُريدُ العفافَ).
- الصدقة: حيث يعتبر إخراج الصدقات سببًا في زيادة المال، كما قال الله تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ).
أهمية شكر الله على الرزق
يُعتبر الشكر وسيلة لزيادة النعم وتوسيعها، كما قال الله: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأْزِيدَنَّكُمْ). ويعتبر شكر النعمة دليل على توازن النفس، والاعتراف بالجميل لمحاورة النفس. الشخص الذي يشكر الله على نعمه يجب أن يكون واعيًا لضرورة عدم التكبر بها أو استخدامها لتحقيق مصلحة على حساب الآخرين. هذا الشكر يعزز العلاقات الاجتماعية ويؤدي إلى ازدهار المجتمعات بطريقة آمنة. وهنا يتضح أن شكر النعمة يعود بالنفع على الإنسان ولا يمكن أن يؤثر سلبًا على الله تعالى، فهو الغني الحميد.