الشهادة في سبيل الله
تعتبر منزلة الشهيد من أعظم المنازل عند الله -تعالى-، حيث كرّم الله -تعالى- الشهيد بعدة خصال. فقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: “للشهيدِ عندَ اللهِ ستُّ خصالٍ: يُغفرُ لهُ في أولِ دفعةٍ، ويَرى مقعدَهُ منَ الجنةِ، ويُجارُ منْ عذابِ القبرِ، ويأمنُ منَ الفزعِ الأكبرِ، ويُوضعُ على رأسِهِ تاجُ الوقارِ، الياقوتةُ منها خيرٌ منَ الدنيا وما فيها، ويُزوَّجُ اثنتينِ وسبعينَ زوجةً من الحورِ العينِ، ويُشفَّعُ في سبعينَ منْ أقاربِهِ.”
وقال -صلّى الله عليه وسلّم-: “رِباطُ يَومٍ ولَيْلَةٍ خَيْرٌ مِن صِيامِ شَهْرٍ وقِيامِهِ، وإنْ ماتَ جَرَى عليه عَمَلُهُ الذي كانَ يَعْمَلُهُ، وأُجْرِيَ عليه رِزْقُهُ، وأَمِنَ الفَتّانَ”. والفُتّان هنا تعني أنه يأمن فتنة القبر وعذابها.
الشهيد يكون قد اختُبر صدقه في ميدان المعركة، مما يجعل قبره في مأمن من العذاب. عندما سُئل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: “يا رسولَ اللَّهِ! لماذا يُفتَن المؤمنونَ في قبورِهِم إلَّا الشَّهِيدَ؟” قالَ: “كفَى ببارقةِ السُّيوفِ علَى رأسِهِ فتنةً.”
الاستعاذة من عذاب القبر
على الرغم من مكانة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وعلوّ منزلته عند ربه، إلا أنه كان يتوق إلى نعيم القبر، وكان يتعوذ من عذابه في أكثر من موضع، ومنها:
- لقد كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يعلّم أصحابه التعوّذ من عذاب القبر كما يعلمه السور في القرآن الكريم. فعن ابن عباس -رضيَ الله عنهما- أنه قال: “كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول لأصحابه: قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ.”
- كما أرشد النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه إلى التعوذ من عذاب القبر بعد التشهد وقبل السّلام، فقال: “إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ باللَّهِ مِن أَرْبَعٍ، يقولَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ.”
المحافظة على قراءة سورة الملك
تعدّ سورة الملك من العوامل التي تنجي من عذاب القبر، حيث ثبت عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قوله: “إنَّ سورةً في القرآنِ ثلاثونَ آيةً شفَعت لصاحبِها حتَّى غُفِرَ لَه تَبَارَكَ الَّذي بِيَدِهِ الْمُلْكُ”. كما قال أيضاً: “سورةُ تبارَك هيَ المانعةُ من عذابِ القبرِ”.
كان الصحابة -رضيَ الله عنهم- يسمّون سورة الملك “المانعة” لكونها تمنع عذاب القبر عن من يحافظ عليها. ومن المؤكد أن المحافظة على قراءتها تعكس حرص القارئ على الحصول على المغفرة والعافية من عذاب القبر.
الأعمال الصالحة
تُعتبر الأعمال الصالحة بمختلف أشكالها من أسباب النجاة من عذاب القبر. فعندما يأتي العمل الصالح إلى العبد في قبره، يتجسد بشكل رجل حسن الوجه يبشره بالنجاة والمغفرة.
قال -صلّى الله عليه وسلّم- عن حال أصحاب الأعمال الصالحة في القبر: “ويأتيه رجلٌ حسنُ الوجهِ حسنُ الثِّيابِ طيِّبُ الرِّيحِ، فيقولُ: أبشِرْ بالَّذي يسُرُّك، هذا يومُك الَّذي كنتَ تُوعَدُ”. فيستفسر الشخص: “من أنت؟ فوجهُك الوجهُ يجيءُ بالخيرِ”، فيجيب: “أنا عملُك الصَّالحُ”. ويقول: “ربِّ، أَقِمِ السَّاعةَ”. وكما هو واضح من الحديث، فإنّه لا يُحدد عملاً صالحاً معيناً، بل كل الأعمال الصالحة تُؤنس صاحبها في القبر وتدفع عنه العذاب.
التوبة ومحاسبة النفس
ثبت عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أن الأعمال السيئة تُثقل على صاحبها في القبر. فقد قال -صلّى الله عليه وسلّم- عن حال صاحب السيئات والمعاصي: “ويأتيه رجلٌ قبيحُ الوجهِ قبيحُ الثِّيابِ مُنتِنُ الرِّيحِ، فيقولُ له: أبشِرْ بالَّذي يسوءُك، هذا يومُك الَّذي كنتَ توعدُ”. فيرد عليه: “من أنت؟ فوجهُك الوجهُ يجيءُ بالشَّرِّ”، فيقول: “أنا عملُك الخبيثُ”. فيقول: “ربِّ، لا تُقِمِ السَّاعةَ”.
إذا تاب صاحب المعاصي في الدنيا وراجع نفسه لما قصر فيه حقّ الله -تعالى-، واجتهد في العبادات والطاعات، فإن ذلك سينفعه في قبره ويهبه الله -تعالى- النجاة من عذاب القبر. يقول النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث القدسي: “يا ابنَ آدمَ ! لوْ بلغتْ ذنوبُك عنانَ السماءِ ثمَّ استغفرتَني، غفرتُ لكَ ولا أُبالِي”.
فالاستغفار، والتوبة، ومحاسبة النفس هي أسباب تجعل العبد يلقى ربه وقد غُفرت ذنوبه، فلا عذاب عليه في القبر أو في الآخرة. قال -تعالى-: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾. فمن عجل بالتوبة، وحاسب نفسه، وعمل الأعمال الصالحة، نال المغفرة من الله -تعالى- وابتعد عن عذاب القبر.
الحرص على طهارة الجسد
تعتبر المحافظة على جسد طاهر أحد الأسباب لنيل نعيم القبر، حيث أن نجاسة الجسد تُعد سبباً لعذاب القبر، كما قال -صلّى الله عليه وسلّم-: “أكثرُ عذابِ القبرٍ من البولِ”. وقد ثبت في السنة حديث يُوضح أن من لم يتطهر من البول، فإنه يُعذب في قبره.
حيث مرّ رسول الله -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- على قَبْرَيْنِ، فقال: “إنَّهُما لَيُعَذَّبَانِ، وما يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ، أما هذا: فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِن بَوْلِهِ، وأمَّا هذا: فَكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ”، ما يعني أنه لم يستتر من بوله، وهذا استهتار بالطاعة، مما استحق به العذاب في القبر.
ترك الغيبة والنميمة
الغيبة تعني ذكر عيوب الآخرين في غيابهم، والنميمة هي نقل الأخبار بين الناس لإثارة الفتنة. والعلاقة بين الغيبة والنميمة تكمن في أنهما خلقان سيئان يؤديان إلى الفتنة في المجتمع. فالذي يسعى إلى نعيم القبر ونجاة نفسه من عذابه، عليه الابتعاد عن الأسباب المؤدية لذلك.
وقد أوضح النبي -صلّى الله عليه وسلّم- خطورة النميمة، حيث قال: “إنَّهُما لَيُعَذَّبَانِ، وما يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ، أما هذا: فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِن بَوْلِهِ، وأمَّا هذا: فَكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ”.