أسباب قسوة القلب
يظهر قسوة القلب عندما تنعدم الرحمة واللين والخشوع فيه. فالقلب القاسي يتميز بالصلابة والغلظة. وقد وصف ابن تيمية -رحمه الله- القلب القاسي بأنه القلب الجاف والصلب كالحجر، الذي لا يعتريه الإيمان والمعرفة؛ لأن ذلك يتطلب قلباً رقيقاً. وقد حذّر الله -سبحانه وتعالى- من قسوة القلب بقوله: (أَفَمَن شَرَحَ اللَّـهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّـهِ أُولَـئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ). وهناك عدة أسباب تؤدي إلى قسوة القلب، منها:
كثرة الذنوب
عندما يرتكب العبد ذنوباً كثيرة، تتكون طبقة على قلبه مسببةً قسوته. بينما يصبح القلب رقيقاً في حال غيابه عن الذنوب. فقد ورد عن أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إنَّ المؤمنَ إذا أذنبَ كانت نُكتة سوداء في قلْبِه، فإن تابَ وخلعَ واستغفرَ؛ صقلَ قلبه، وإن زادَ زادتْ، حتى يغلبَ القلبَ رينٌ كما ذكر الله -عزَّ وجلَّ- في القرآن: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
الغفلة عن ذكر الله وتدبر القرآن
يساهم ذكر الله في شفاء القلب من الغفلة، حيث يعيد العبد إلى ذكر خالقه في جميع الأوقات مما يذيب قسوة القلب. وعندما يغفل العبد عن الذكر، يصبح قلبه قاسياً نتيجة استحواذ الشيطان عليه، فقال -تعالى-: (وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى). وقد أشار -سبحانه وتعالى- إلى أن لو أنزل كلامه على جبل لتصدع من خشية الله، لذا فإن من الواجب أن يكون القلب خاشعاً ومتدبراً، كما قال -تعالى-: (لَوْ أَنزَلْنَا هَـذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).
عدم الرحمة بالخلق
تُعتبر الرحمة بالمخلوقات من زمام الإحسان إليهم، وعندما يُظهر الإنسان الرحمة تجاه مخلوق من مخلوقات الله، فإن ذلك يساعد على رقة قلبه ويجعله يتصرف وفق مبدأ الرحمة. أما إذا كانت معدومة، فإن الإنسان يتحول إلى ذي قلب قاسٍ ويعكس شدته على الآخرين. فقد روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنه قال: (جَاءَ أعْرَابِيٌّ إلى النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟ فَما نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: أوَأَمْلِكُ لكَ أنْ نَزَعَ اللَّهُ مِن قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ).
طول الأمل والتمني
حثّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على توخي الحذر من طول الأمل، الذي يمكن أن يغفل صاحبه عن الآخرة. وهذا قد يؤدي إلى تدهور أفعاله وابتعاده عن التوبة، وانتظاره للجزاء من الله بلا عطاء في الطاعات. إذا مُنع العبد من التوبة، أصبح قلبه قاسياً، إذ أن التوبة تفتح له باب الرجاء في مغفرة الله، حيث قد يدمع قلبه خاشعاً لله، فيغفل عن الوقت الذي تم تحديده له. كيف يمكن أن تطول الآمال بينما يجهل العبد متى سينتهي أجله؟
علاج قسوة القلب
يمر قلب الإنسان بين الرقة والقسوة بناءً على الأعمال التي يقوم بها، وإذا ارتكب المعصية فعليه الرجوع إلى الله لتخليص نفسه من آثارها بالتوبة والاستغفار. وقد أثنى الله على عباده التائبين، فقال: (إِنَّ إِبراهيمَ لَحَليمٌ أَوّاهٌ مُنيبٌ). وإليكم بعض الوسائل للتخلص من قسوة القلب:
الإكثار من ذكر الله
يسهم الذكر في إدخال السرور إلى القلب، ويساعد المسلم على الإحساس بمراقبة الله -تعالى- له في جميع الأوقات. فبهذا الذكر، لا ينسى العبد مولاه، وفي حال عصيانه، يسعى للتوبة والاستغفار، مما يجنبه العذاب. من خلال الذكر، يغفر الله الذنوب ويمحو السيئات ويرتقي بالدرجات، ويحقق الطمأنينة وراحة القلب.
قال -تعالى-: (أَلا بِذِكرِ اللَّـهِ تَطمَئِنُّ القُلوبُ). كلما غفل القلب عن الله، زادت قسوته، ويموت القلب بينما لا يزال الجسد حياً. كما قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ).
قراءة القرآن وتدبر آياته
حثّ الله -سبحانه وتعالى- عباده على الاستماع إلى الآيات القرآنية وتدبرها وفهمها ليحصلوا على الأجر العظيم والخير في الدنيا والآخرة. مما يساعده على زيادة إيمانه وجذب الرحمة إلى قلبه، مما يورثه الرفق واللين. هذا يفتح أمامه الأبواب للالتزام بأمر الله وتجنب نواهيه، والابتعاد عن الضلال، لأن القلب هو أساس فعل الجوارح، كما يتصدع الجبل إذا أنزل الله عليه كلماته، فما بالكم بقلب العبد؟
الاستغفار والتوبة
تعد كثرة الاستغفار والتوبة، مع عدم الإصرار على الذنب، من الأسباب الفعالة التي تجعل القلب رقيقاً ومليئاً بنور الله. يعود العبد دائماً إلى خالقه في كل مرة يشعر فيها بذنبه. قال -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
كما رُوي عن أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله ذكر في الحديث القدسي: (أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْباً، فَقالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقالَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً، فَعَلِمَ أنَّ له رَباً يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فأذْنَبَ، فَقالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقالَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، ثُمَّ عَادَ فأذْنَبَ، فَقالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقالَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً، فَعَلِمَ أنَّ له رَباً يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، اعْمَلْ ما شِئْتَ فقَدْ غَفَرْتُ لَكَ).
الرحمة باليتامى والمساكين
روى أبو هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إن أردتَ أن يلينَ قلبُكَ، فأطعِمْ المسكينَ، وامسحْ رأسَ اليتيم).
ذكر الموت وزيارة القبور
إن كثرة ذكر الموت تدفع الإنسان نحو الإكثار من الطاعات التي تلين القلب. كما أن زيارة القبور وتذكّر حال الموتى تؤديان إلى النأي عن الغفلة عن الموت، وهو سبب رئيسي لقسوة القلب. وزار النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قبر أمه وبكى حتى بكى من حوله، ثم قال: (اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي في أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ في أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا القُبُورَ فإنَّها تُذَكِّرُ المَوْتَ).