القرآن الكريم
لقد أولى المسلمون في مختلف العصور أهمية كبيرة لدراسة أسباب نزول القرآن الكريم، حيث اجتهدوا في توثيق ذلك من خلال العديد من المؤلفات. إن معرفة أسباب النزول لها دور جوهري في فهم الآيات القرآنية بشكل صحيح، مما يساعد المؤمن في إدراك مراد الله عز وجل. إضافةً إلى ذلك، فإن القدرة على فهم هذه الأسباب تسهل عملية حفظ القرآن لمن يسعى إلى ذلك.
مقدمة حول سورة البقرة
تُعتبر سورة البقرة الأطول بين سور القرآن الكريم، وهي أول سورة نزلت في المدينة المنورة باستثناء الآية (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)، التي نزلت في حجة الوداع، وبالتالي تعتبر آيةً مكية. تتميز سورة البقرة بمكانة عظيمة وفضل كبير، حيث تحتوي على العديد من الأحكام وآيات الرقية الشرعية. تتناول السورة مواضيع متعددة، أبرزها التشريع الإسلامي الذي ينظم حياة المسلمين في العبادات والمعاملات مثل الصلاة والزكاة وأحكام الجهاد. كما تناولت السورة أحوال المنافقين والكفار وخصائصهم. ومن الجوانب المميزة لسورة البقرة احتوائها على أطول آية في القرآن، وهي آية الدين التي توضح الأحكام المتعلقة بالديون، كما تتضمن آية الكرسي.
نظرًا لعظمة سورة البقرة وغناها بالأحكام والمواعظ، فقد أُطلق عليها لقب “فُسطاط القرآن.” وقد وردت العديد من الأحاديث النبوية التي تُبرز فضائل هذه السورة، ومنها:
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تجعلوا بيوتَكم مقابرَ، إنَّ الشيطانَ يَنفِرُ من البيتِ الذي تُقرأُ فيه سورةُ البقرةِ.” وهذا الحديث يدل على أهمية قراءة سورة البقرة في البيوت لحمايتها من الشياطين.
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اقْرَؤوا القرآنَ، فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعاً لأصحابه. اقرَؤوا الزَّهرَاوَين: البقرةَ وسورةَ آلِ عمرانَ، فإنهما تأتِيان يومَ القيامةِ كأنهما غَمامتانِ …” وهنا يشير فضل قراءة سورة البقرة إلى بركتها وحمايتها للقارئ.
- روى سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن لكل شيءٍ سَنامًا، وإن سَنامَ القُرآنِ سورةُ البقرةِ. مَن قرَأها في بيتِه ليلًا لم يدخُلِ الشَّيطانُ بيتَه ثلاثَ ليالٍ، ومن قرَأها نهارًا لم يدخُلِ الشَّيطانُ بيتَه ثلاثةَ أيَّامٍ.” ويعكس هذا الحديث التأثير الإيجابي لقراءة سورة البقرة في الحياة اليومية.
أسباب نزول سورة البقرة
تُعتبر آيات سورة البقرة مُنتقاة، حيث نزلت بشكل متفرق، وكل آية أو مجموعة منها لها سبب خاص في نزولها. ومن بين هذه الأسباب:
- قال الله عز وجل: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا …)؛ حيث نزلت بسبب قول اليهود بعد تغيير قبلة المسلمين أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بشيء ثم ينهاهم عنه.
- قال الله عز وجل: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ …)؛ تناولت هذه الآية ردود فعل بعض كبار اليهود بعد غزوة أُحُد.
- قال الله عز وجل: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ …)؛ نزلت في سياق مناظرة حدثت بين وفد نجران (من المسيحيين) واليهود.
- قال الله عز وجل: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ …)؛ مرتبطة بمنع المشركين في مكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من دخول المسجد الحرام.
- قال الله عز وجل: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ … )؛ تتعلق بطلب قريش من النبي وصفًا لله عز وجل.
- قال الله عز وجل: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ …)؛ بسبب تساؤلات الصحابيين عن تغيير شكل الهلال في السماء.
- قال الله عز وجل: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ …)؛ نزلت بعد منع المسلمين من الدخول في شهر الحُديبية وشرحت لهم كيفية التعامل.
- قال الله عز وجل: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ …)
نزلت هذه الآية بسبب بعث النبي مجموعة من الصحابة، بينهم عبد الله بن جحش، لاستطلاع أخبار قريش، وقد وقعت بينهم مواجهة لم تكن أمرًا مأذونًا له.
- قال الله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا …)؛ أسباب نزول تشمل انشغالات الصحابة بشأن موقفهم من خصومهم.
- قال الله عز وجل: (وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ …)؛ وقعت بعدما قام عبد الله بن رواحة بتصرف غير مناسب مع أمته.
- قال الله عز وجل: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ …)؛ نزلت بعد استفسارات حول كيفية التعامل مع النساء في فترة الحيض.
- قال الله عز وجل: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ …); تتعلق بافتراءات كانت سائدة عن ولادة الأطفال.
- قال الله عز وجل: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً …)؛ نزلت في سياق الحلف الذي قام به أبي بكر الصديق.
- قال الله عز وجل: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ …)؛ نزلت بسبب موقف وقع بين معقل بن يسار وابن عم أخته.
- قال الله عز وجل: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ …)؛ نزلت في إطار حث النبي المسلمين على الصدقة.
- قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ …); مرتبطة بأداء زكاة الفطر وأهمية تقديم الأفضل.