أسباب نزول سورة التوبة
وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر -رضي الله عنه- مع مجموعة من الصحابة لأداء مناسك الحج في السنة التاسعة من الهجرة. ثم أرسل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ليخبر الناس بما ورد في سورة التوبة من نقض العهد مع المشركين، وإعلان البراءة من الله ورسوله. قال الله -تعالى-: (بَراءَةٌ مِنَ اللَّـهِ وَرَسولِهِ إِلَى الَّذينَ عاهَدتُم مِنَ المُشرِكينَ) حيث أكّد على أربعة نقاط رئيسية: أنه لا يحق للكافرين دخول الجنة، ولا تُقبل منهم الحج إلى البيت الحرام بعد تلك السنة، ولا يُسمح لأحد بالطواف حول البيت عارياً، وأنّ أي شخص لديه عهد عليه الالتزام به لمدة أربعة أشهر بعدها يصبح العهد لاغياً. وقد تعددت أسباب النزول المتعلقة بالسورة، ومنها:
- قال الله -تعالى-: (أَلا تُقاتِلونَ قَومًا نَكَثوا أَيمانَهُم وَهَمّوا بِإِخراجِ الرَّسولِ وَهُم بَدَءوكُم أَوَّلَ مَرَّةٍ) حيث نزلت هذه الآية لتوجيه المسلمين لقتال المشركين.
- قال الله -تعالى-: (قاتِلوهُم يُعَذِّبهُمُ اللَّـهُ بِأَيديكُم وَيُخزِهِم وَيَنصُركُم عَلَيهِم وَيَشفِ صُدورَ قَومٍ مُؤمِنينَ) ونزلت في بني خزاعة حُلفاء النبي -صلى الله عليه وسلم- عند انتصارهم وأمرهم بقتال بني بكر.
- قال الله -تعالى-: (أَجَعَلتُم سِقايَةَ الحاجِّ وَعِمارَةَ المَسجِدِ الحَرامِ كَمَن آمَنَ بِاللَّـهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَجاهَدَ في سَبيلِ اللَّـهِ) حيث قيل إنها نزلت في جبن بعض الصحابة في مناظرة حول أي الأعمال أفضل، وقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بإيصال القضية لله -تعالى- فأنزل سبحانه هذه الآية.
- قال الله -تعالى-: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِنَّمَا المُشرِكونَ نَجَسٌ فَلا يَقرَبُوا المَسجِدَ الحَرامَ بَعدَ عامِهِم هـذا وَإِن خِفتُم عَيلَةً فَسَوفَ يُغنيكُمُ اللَّـهُ مِن فَضلِهِ) حيث أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعدم دخول المشركين مكة بحجة الطعام والبيع، وقلق المسلمون من الجوع فأنزل الله -تعالى- هذه الآية.
- قال الله -تعالى-: (وَقالَتِ اليَهودُ عُزَيرٌ ابنُ اللَّـهِ) وقد نزلت في بعض اليهود الذين امتنعوا عن اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- بسبب تغيير القبلة ورفض ادعائهم بأن عزيز ابن الله.
- قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا النَّسيءُ زِيادَةٌ فِي الكُفرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذينَ كَفَروا) حيث تناقش السورة تحريم المشركين لبعض الأشهر وتحليلها في شهور أخرى.
- قال الله -تعالى-: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا ما لَكُم إِذا قيلَ لَكُمُ انفِروا في سَبيلِ اللَّـهِ اثّاقَلتُم إِلَى الأَرضِ) دعوة للقتال في غزوة تبوك بعد فتح مكة.
- قال الله -تعالى-: (عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُم) نزلت كرد على إذن النبي -صلى الله عليه وسلم- للمنافقين وأخذه الفدية من الأسرى.
- قال الله -تعالى-: (وَمِنهُم مَن يَقولُ ائذَن لي وَلا تَفتِنّي) وأنزلت هذه الآية في الجد بن قيس حين اعتذر عن القتال بسبب النساء.
- قال الله -تعالى-: (إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤُهُم) وذُكرت في المنافقين الذين أذاعوا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- هُزم في المعركة.
- قال الله -تعالى-: (وَمِنهُم مَن يَلمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) وقيلت في ذو الخويصرة الذي انتقد عدل النبي -صلى الله عليه وسلم-.
- قال الله -تعالى-: (وَمِنهُمُ الَّذينَ يُؤذونَ النَّبِيَّ) تشير إلى نبتل بن الحارث الذي كان ينقل أخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- للمنافقين.
- قال الله -تعالى-: (يَحلِفونَ بِاللَّـهِ ما قالوا) وذُكرت الأقاويل التي قالها الحلّاس بن الصامت عندما تخلف عن غزوة تبوك.
- قال الله -تعالى-: (وَمِنهُم مَن عاهَدَ اللَّـهَ لَئِن آتانا مِن فَضلِهِ) تُشير إلى ثعلبة بن الحارث بعد أن نال الغنى وترك الصلاة والجماعة.
- قال الله -تعالى-: (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنهُم ماتَ) عُزلت الصلاة على المنافقين بعد وفاة عبد الله بن أُبيّ.
- قال الله -تعالى-: (لَيسَ عَلَى الضُّعَفاءِ) نزلت في رجل أعمى أراد الذهاب للقتال لكنه لم يستطع.
- قال الله -تعالى-: (وَمِنَ الأَعرابِ مَن يُؤمِنُ بِاللَّـهِ) في بني مقرن الذين جاءوا للجهاد ولكنهم لم يجدوا ما يتوسلون به السماء.
- قال الله -تعالى-: (وَآخَرونَ اعتَرَفوا بِذُنوبِهِم) نزلت في الذين تخلّفوا عن القتال ويعترفون بتقصيرهم.
- قال الله -تعالى-: (وَالَّذينَ اتَّخَذوا مَسجِدًا ضِرارًا) تشير إلى المنافقين الذين بنوا مسجداً للاستهزاء بالمسلمين.
- قال الله -تعالى-: (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذينَ آمَنوا) تشير إلى عدم جواز استغفار النبي -صلى الله عليه وسلم- للمشركين.
- قال الله -تعالى-: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذينَ خُلِّفوا) في كعب بن مالك ومن تخلف عنه من السعي للجهاد.
تقع سورة التوبة بين سورتي الأنفال والمزمل، وهي تندرج ضمن السور الطوال. يعتقد بعض العلماء بأنها مرتبطة بسورة الأنفال. ومن بين المواضيع التي تعالجها السورة هي المواقف من المنافقين والمشركين، ومنها:
- الأمر بجهاد المشركين في بداية السورة بعد تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة.
- حظر دخول المشركين إلى البيت الحرام.
- تشديد على ضرورة ابتعاد المسلمين عن أماكن الشرك.
- تحذير من تصرفات المنافقين.
- تحرير المسلمين من الصلاة على الموتى من المنافقين.
- عدم قبول أعذار المتخلفين عن الجهاد.
- تحظر استغفار المنافقين.
- رفض موالاة الكفار حتى لو كانوا من الأهل والأقارب.
أهداف سورة التوبة
عُكست سورة التوبة في أواخر السنة التاسعة للهجرة، وهي تعد من السور المدنية. تتضمن السورة مجموعة من الأحكام التي توضح طبيعة العلاقة بين المسلمين والمشركين وأهل الكتاب، كما تحدد الموقف من المشركين الذين لا عهود لهم، بالإضافة إلى توجيه المسلمين لتحيتهم وعرض الدين عليهم. تتضمن السورة هدفين رئيسيين، هما:
- تحديد القوانين الأساسية التي تقوم عليها الدولة الإسلامية، من خلال التوقف عن المعاهدات مع المشركين، ومنعهم من دخول البيت الحرام، وإنهاء أي ولاء لهم، وأيضاً تحديد العلاقات مع أهل الكتاب بالسماح لهم بالبقاء في جزيرة العرب والتعامل معهم.
- كشفت عن طبيعة نفوس أتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- عند الدعوة للجهاد في جيش العسرة، حيث برزت التراجع والتردد بين بعضهم، مما يدل على المنافقين وما يخفيه البعض من حقد.
الحكمة من نزول سورة التوبة بدون بسملة
على عكس بقية سور القرآن التي تبدأ بالبسملة، لم تبدأ سورة التوبة بذلك. وقد تعددت آراء العلماء حول هذه الحكمة بين قولين، وهما:
- ربما جاءت سورة التوبة كتكملة لسورة الأنفال، فلم يأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بإدراج البسملة، مما أدى إلى اعتقاد الصحابة أنها سورة واحدة. وعندما تُوفي النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُوضح الأمر بشأنهما مما تسبب في فصلها من دون كتابة “بسم الله الرحمن الرحيم”.
- تمثل سورة التوبة موضوع القتال والجهاد وفضح المنافقين، في حين أن البسملة تعبر عن الأمان والرحمة، لذا جاءت السورة بدون بسملة لتعبر عن التحذير والوعيد من الشرك والمنافقين.