أشعار الإمام الشافعي حول مفاهيم الحياة الدنيا

أبيات من قصيدة دع الأيام تفعل ما تشاء

يتناول الإمام الشافعي في هذه القصيدة القيمة العليا للأخلاق الفاضلة التي يجب أن يتحلى بها كل إنسان:

دَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاءُ

وَطِب نَفساً إِذا حَكَمَ القَضاءُ

وَلا تَجزَع لِحادِثَةِ اللَيالي

فَما لِحَوادِثِ الدُنيا بَقاءُ

وَكُن رَجُلاً عَلى الأَهوالِ جَلداً

وَشيمَتُكَ السَماحَةُ وَالوَفاءُ

وَإِن كَثُرَت عُيوبُكَ في البَرايا

وَسَرَّكَ أَن يَكونَ لَها غِطاءُ

تَسَتَّر بِالسَخاءِ فَكُلُّ عَيبٍ

يُغَطّيهِ كَما قيلَ السَخاءُ

وَلا تُرِ لِلأَعادي قَطُّ ذُلّاً

فَإِنَّ شَماتَةَ الأَعدا بَلاءُ

وَلا تَرجُ السَماحَةَ مِن بَخيلٍ

فَما في النارِ لِلظَمآنِ ماءُ

وَرِزقُكَ لَيسَ يُنقِصُهُ التَأَنّي

وَلَيسَ يَزيدُ في الرِزقِ العَناءُ

وَلا حُزنٌ يَدومُ وَلا سُرورٌ

وَلا بُؤسٌ عَلَيكَ وَلا رَخاءُ

أبيات من قصيدة يا من يعانق دنيا لا بقاء لها

هذه المقطوعة القصيرة تسلط الضوء على أهمية الزهد في هذه الدنيا، حيث إن السعي وراءها قد يقود إلى نار جهنم:

يا مَن يُعانِقُ دُنيا لا بَقاءَ لَها

يُمسي وَيُصبِحُ في دُنياهُ سَفّارا

هَلّا تَرَكتَ لِذي الدُنيا مُعانَقَةً

حَتّى تُعانِقَ في الفِردَوسِ أَبكارا

إِن كُنتَ تَبغي جِنانَ الخُلدِ تَسكُنُها

فَيَنبَغي لَكَ أَن لا تَأمَنَ النارا

أبيات من قصيدة بلوت بني الدنيا فلم أر فيهم

تتناول الأبيات التالية موضوع الزهد وعدم التعلق بما في أيدي الناس، موضحة أن الغنى هو الاستغناء عن الشيء وليس وجوده:

بَلَوتُ بَني الدُنيا فَلَم أَر فيهُمُ

سِوى مَن غَدا وَالبُخلُ مِلءَ إِهابِهِ

فَجَرَّدتُ مِن غَمدِ القَناعَةِ صارِماً

قَطَعتُ رَجائي مِنهُمُ بِذُبابِهِ

فَلا ذا يَراني واقِفاً في طَريقِهِ

وَلا ذا يَراني قاعِداً عِندَ بابِهِ

غَنيٌّ بِلا مالٍ عَنِ الناسِ كُلِّهِم

وَلَيسَ الغِنى إِلّا عَنِ الشَيءِ لا بِهِ

إِذا ما ظالِمُ استَحسَنَ الظُلمَ مَذهَباً

وَلَجَّ عُتُوّاً في قَبيحِ اِكتِسابِهِ

فَكِلهُ إِلى صَرفِ اللَيالي فَإِنَّها

سَتُبدي لَهُ ما لَم يَكُن في حِسابِهِ

فَكَم قَد رَأَينا ظالِماً مُتَمَرِّداً

يَرى النَجمَ تيهاً تَحتَ ظِلِّ رِكابِهِ

فَعَمَّا قَليلٍ وَهُوَ في غَفَلاتِهِ

أَناخَت صُروفُ الحادِثاتِ بِبابِهِ

فَأَصبَحَ لا مالٌ لَهُ وَلا جاهٌ يُرتَجى

وَلا حَسَناتٌ تَلتَقي في كِتابِهِ

وَجوزِيَ بِالأَمرِ الَّذي كانَ فاعِلاً

وَصَبَّ عَلَيهِ اللَهُ سَوطَ عَذابِهِ

أبيات من قصيدة أرى الغر في الدنيا إذا كان فاضلًا

يبرز الشافعي في هذه الأبيات كيف أن الفضل يسمو بالشخص الصغير إلى أعلى المراتب، بينما من دونه لا قيمة له:

أَرى الغِرَّ في الدُنيا إِذا كانَ فاضِلًا

تَرَقّى عَلى روسِ الرِجالِ وَيخطُبُ

وَإِن كانَ مِثلي لا فَضيلَةَ عِندَهُ

يُقاسُ بِطِفلٍ في الشَوارِعِ يَلعَبُ

أبيات من قصيدة إن لله عباداً فطنًا

تتحدث هذه الأبيات عن قيمة الزهد في الحياة الدنيا وأهمية التركيز على الأعمال الصالحة بعد فهم حقيقتها:

إِنَّ لِلَّهِ عِباداً فُطَنا

تَرَكوا الدُنيا وَخافوا الفِتَنا

نَظَروا فيها فَلَمّا عَلِموا

أَنَّها لَيسَت لِحَيٍّ وَطَناً

جَعَلوها لُجَّةً وَاِتَّخَذوا

صالِحَ الأَعمالِ فيها سُفُنا

أبيات من قصيدة إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفًا

تناقش هذه الأبيات شرط المحبة والصداقة الحقيقي، والذي يتمثل في الإخلاص والتلقائية:

إِذا المَرءُ لا يَرعاكَ إِلّا تَكَلُّفًا

فَدَعهُ وَلا تُكثِر عَلَيهِ التَأَسُّفا

فَفي الناسِ أَبدالٌ وَفي التَركِ راحَةٌ

وَفي القَلبِ صَبرٌ لِلحَبيبِ وَلَو جَفا

فَما كُلُّ مَن تَهواهُ يَهواكَ قَلبُهُ

وَلا كُلُّ مَن صافَيتَهُ لَكَ قَد صَفا

إِذا لَم يَكُن صَفوُ الوِدادِ طَبيعَةً

فَلا خَيرَ في وِدٍّ يَجيءُ تَكَلُّفا

وَلا خَيرَ في خِلٍّ يَخونُ خَليلَهُ

وَيَلقاهُ مِن بَعدِ المَوَدَّةِ بِالجَفا

وَيُنكِرُ عَيشاً قَد تَقادَمَ عَهدُهُ

وَيُظهِرُ سِرّاً كانَ بِالأَمسِ قَد خَفا

سَلامٌ عَلى الدُنيا إِذا لَم يَكُن بِها

صَديقٌ صَدوقٌ صادِقُ الوَعدِ مُنصِفا

أبيات من قصيدة خبت نار نفسي باشتعال مفارقي

يتحدث الشافعي هنا عن تقدم العمر وقدوم الشيب إلى رأسه:

خَبَت نارُ نَفسي بِاشتِعالِ مَفارِقي

وَأَظلَمَ لَيلي إِذ أَضاءَ شِهابُها

أَيا بومَةً قَد عَشَّشَت فَوقَ هامَتي

عَلى الرُغمِ مِنّي حينَ طارَ غُرابُها

رَأَيتِ خَرابَ العُمرِ مِنّي فَزُرتِني

وَمَأواكِ مِن كُلِّ الدِيارِ خَرابُها

أَأَنعَمُ عَيشاً بَعدَ ما حَلَّ عارِضِي

طَلائِعُ شَيبٍ لَيسَ يُغني خَضابُها

إِذا اِصفَرَّ لَونُ المَرءِ وَاِبيَضَّ شَعرُهُ

تَنَغَّصَ مِن أَيّامِهِ مُستَطابُها

فَدَع عَنكَ سَوآتِ الأُمورِ فَإِنَّها

حَرامٌ عَلى نَفسِ التَقيِّ اِرتِكابُها

وَأَدِّ زَكاةَ الجاهِ وَاِعلَم بِأَنَّها

كَمِثلِ زَكاةِ المالِ تَمَّ نِصابُها

وَأَحسِن إِلى الأَحرارِ تَملِك رِقابَهُم

فَخَيرُ تِجاراتِ الكِرامِ اِكتِسابُها

وَلا تَمشِيَن في مَنكِبِ الأَرضِ فاخِرًا

فَعَمّا قَليلٍ يَحتَويكَ تُرابُها

وَمَن يَذُقِ الدُنيا فَإِنّي طَعَمتُها

وَسيقَ إِلَينا عَذبُها وَعَذابِها

فَلَم أَرَها إِلّا غُروراً وَباطِلًا

كَما لاحَ في ظَهرِ الفَلاةِ سَرابُها

وَماهِيَ إِلّا جِيَفَةٌ مُستَحيلَةٌ

عَلَيها كِلابٌ هَمُّهُنَّ اِجتِذابُها

فَإِن تَجتَنِبها كُنتَ سِلماً لِأَهلِها

وَإِن تَجتَذِبها نازَعَتكَ كِلابُها

فَطوبى لِنَفسٍ أُولِعَت قَعرَ دارِها

مُغَلِّقَةَ الأَبوابِ مُرخَىً حِجابُها

أبيات من قصيدة نعيب زماننا والعيب فينا

تناقش الأبيات التالية عيوب الناس وكيف أن الجميع يتجنب الاعتراف بأخطائهم بإلقائها على الزمن، بينما العيب فينا نحن:

نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا

وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا

وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ

وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا

وَلَيسَ الذِئبُ يَأكُلُ لَحمَ ذِئبٍ

وَيَأكُلُ بَعضُنا بَعضاً عَيانا

أبيات من قصيدة لو كنت بالعقل تعطى ما تريد إذن

يستعرض الشافعي من خلال هذه الأبيات فكرة عدم وجود علاقة حقيقية بين الرزق والعقل:

لَو كُنتَ بِالعَقلِ تُعطى ما تُريدُ إِذَن

لَما ظَفِرتَ مِنَ الدُنيا بِمَرزوقِ

رُزِقتَ مالاً عَلى جَهلٍ فَعِشتَ بِهِ

فَلَستَ أَوَّلَ مَجنونٍ وَمَرزوقِ

أبيات من قصيدة وما كنت راض من زماني بما ترى

يحاول الشافعي إيضاح فكرة أن القدر لا يمكن تغييره، فلا يملك الإنسان معها سوى الرضا بما كتب له:

وَما كُنتُ راضٍ مِن زَماني بِما تَرى

وَلكِنَّني راضٍ بِما حَكَمَ الدَهرُ

فَإِن كانَت الأَيّامُ خانَت عُهودَنا

فَإِنّي بِها راضٍ وَلَكِنَّها قَهرُ