أشعار الجواهري في موضوع الحب والرومانسية

تُعتبر أشعار الجواهري الغزلية متميزة بطابعها الفريد، حيث أن محمد مهدي الجواهري، الشاعر العربي العراقي المعروف، هو واحد من أبرز شعراء العصر الحديث. وقد عُرفت قصائده بالالتزام بالأشكال التقليدية للشعر العربي.

قصائد الجواهري الغزلية

يمتلك الجواهري قدرة فائقة على اللغة، وذلك راجع لحفظه للعديد من الأشعار القديمة والحديثة. ومن بين أشعاره الغزلية الراقية، نجد قصيدة عاطفات الحب، حيث يعبر فيها عن مشاعره بقوة، قائلاً:

عاطفات الحبِّ ما أبْدَعَها

هذّبتْ طبعي وصفَّتْ خُلُقي

حُرَقٌ تملاء روحي رقةٍ

أنا لا أُنكِرُ فضلِ الحُرَق

أنا باهَيْتُ في الهوى

لا بشوقي أين من لم يَشْتَق

ثق بأن القلبَ لا تشغَلُهُ

ذكرياتٌ غيرُ ذكراك ثق

لستَ تدري بالذي قاسيتُهُ

كيف تدري طعمَ ما لم تَذُق

لم تدعْ مِنّيَ إلا رَمَقاً

وفداءٌ لك حتى رمقي

مُصبحي في الحزن لا أكرهُهُ

إنما أطيبُ منه مَغْبَقي

إن هذا الشعر يشجي نقلُهُ

كيف لو تسمعُه من منطقي

ربّ بيتٍ كسرت نبرته

زفرات أخذت في مخنقي

أنا ما عشت على دين الهوى

فهواكم بَيْعةٌ في عنقي

أروع ما كتب الجواهري في الغزل

تبرز براعة الجواهري في اللغة العربية، مما جعله يختار كلماته بعناية فائقة. ومن أجمل أشعاره الغزلية تلك التي تحمل عنوان إليها، حيث يقول فيها:

تَهَضَّمَني قَدُّكِ الأهيفُ

وألهَبَني حُسنُك المُترَفُ

وضايَقَني أنَّ ذاك المِشَّدَ

يضيقُ به خَصرُك المُرهَف

وقد جُنَّ وركُكِ من غَيظِه

سَمينٌ يُناهِضُه أعجَف

فداءً لعَينَيك كلُّ العيون

أخالَط جفنيهِما قَرْقفَ

كأنّي أرى القُبَلَ العابثاتِ

من بينِ مُوقَيهِما تَنْطِف

ورعشةَ أهدابِك المثقلاتِ

على فرْط ما حُمِّلَت تَحْلِف

كما الليلُ صَبَّ السَوادَ المُخيفَ

صَبَّ الهوى شعرُك الأغدَف

تَلَبَّدَ مِثلَ ظَليلِ الغمام

وراحتْ به غُمَمٌ تُكْشَف

أطار الغرورَ نثيرُ الجديلِ على

دَورة البَدر إذ يُعقفَ

وراحَ الحُلُي على المِعصمَين

على قَدَمَيكِ وتَستَعطِف

وطوعَ يَدَيك كما تَشْتَهين

حياةٌ تجَدَّدُ أو تَتْلَف

مُنى النفسِ إنّ على وَجنَتيكِ

من رَغبةٍ ظُلَلاً تزحف

تَعالي نَصُنْ مقلةً يرتمي

بها شَرَرٌ وفماً يَرجِف

ونُطاقْ من الاسر رُوحاً

تجيشُ في قفصٍ من دمٍ ترسِف

تعالي أُذقْكِ فكلُّ الثمار

تَرفُّ ونوارُها يقطَف

صِراعٌ يطولُ فكمْ تهدفين إلى

الروح مني وكم أهدِف

إلى الجسم مِنكِ وكم تَعرِفين

أين المَحَزُّ وكم أعرِف

وما بينَ هذينِ يمشي الزمانُ

ويُفنى مُلوكاً ويستخلِف

وميطي الرِداء عن البُرعُمَين

يَفِضْ عَسلٌ منهما يَرعُف

ومُرِّي بكفي تَشُقُّ الطريقَ

لعاصفةٍ بهما تعصِف

أميلى فيَنبوعُ هذا الجمالِ

إلى أمَدٍ ثم يُستَنزَف

وهذا الشبابُ الطليقُ العنان

سيُكْبَحُ منه ويُستوقَف

أميلي فسيفُ غدٍ مُصلَتٌ

علينا وسمْعُ القَضا مُرهَف

عِدي ثُمَّ لا تُخلِفي فالحمام

صُنوك في العنفِ لا يُخلِف

خَبَرتُ العنيفَ من الطارئات

ما يَستميلُ وما يقصِف

وذُقتُ من الغِيد شرَّ السُموم

طعْماً يُميتُ ويُستَلْطَف

وخضتُ من الحُبِّ لُجِّيه

على مَتن جِنيَّة أُقذَف

فلا والهوى ما استَفزَّ الفؤادَ

الطفُ منكِ ولا أعنَف

قصيدة غزل رائعة للجواهري

أثمرت أرض العراق مجموعة من أفضل الشعراء، ومن بينهم الجواهري، الذي يمتلك موهبة فريدة. في قصيدة رائعة، يتحدث لنا من خلال أبياته:

هُزِّي بنصفِكِ واتركي نصفا

لا تحذَري لقَوامكِ القصفا

فبحَسْبِ قدِّكِ أنْ تُسنِّدَه

هذي القلوبُ، وإنْ شكتْ ضَعفا

أُعجبتُ منكِ بكلِّ جارحةٍ

وخصَصتُ منكِ جفونَك الوَطفا

عشررنَ طرفاً لو نُجمِّعها

ما قُسِّمتْ تقسيمَكِ الطرفا

تُرضينَ مُقترباً ومُبتعِداً

وتُخادعِينَ الصفَّ فالصفّا

أبديعةٌ ولأنتِ مُقبِلةً

تستجمعينَ اللُّطفَ والظَّرفا

ولأنتِ إنْ أدبرتِ مُبديةٌ

للعينِ أحسنَ ما ترى خَلْفا

ملءُ العيونِ هما وخيرُهما

ما يملأُ العينينِ والكفّا

وكلاهما حسنٌ وخيرُهما

ما خفَّ محمِلُه وما شفّا

هذا يرفُّ فلا نُحِسُّ بهِ

ويهزُّنا هذا إذا رَفّا

وتصوّري أنْ قد أتتْ فُرَصٌ

تقضي بخطفِ كليهما خطفا

فبدفَّتَيهِ ذاكَ يُبهضنا

في حينَ ذاكَ لرقةٍ يخفى

ونَكِلُّ عن هذا فنَطْرَحُهُ

ونُحِلُّ هذا الجيبَ والرفا

ونزورُه صبحاً فنلثِمُهُ

ونَضُمُّهُ ونَشَمُّهُ ألفا

ونَبُلُّهُ بدمِ القلوبِ ، وإنْ

عزَّتْ ، ونُنعِشُهُ إذا جفا

قصيدة غزل ساحرة للجواهري

من المستحيل حصر أشعار الجواهري في الغزل، فقد برع في هذا اللون الأدبي حتى وصفه النقاد بأنه أستاذ الغزل في الشعر الحديث. ومن أجمل ما كتبه في هذا السياق:

حَبيبَتي منذُ كان الحبُّ في سَحَرٍ

حُلوَ النسائمِ حتى عَقَّهُ الشَّفقُ

ومذ تلاقى جَناحانا على فَنَنٍ

منه إلى العالَم المسحورِ ننطلقُ

نَصونُ عهدَ ضميرَيْنا وبينهما

نجوى بها همساتُ الروح تُستَرَق

يا حلوةَ المُجْتَلَى والنفسُ غائمةٌ

والأمرُ متخلِطٌ، والجوُّ مختنق

ويا ضحوكةَ ثغرٍ والدُّنَى عَبَسٌ

ويا صفيّة طبعٍ والمُنى رَنَق

ويا صبوراً على البلوى تلطِّفُها

حتى تعودَ كبنتِ الْحانِ تُصْطَفَق

مني إليك سلامٌ لا يقومُ له

سِنُّ اليراعِ، ولا يَقوى به الورق

كأن نفسيَ إذ تغشَيْنَ وَحْدَتها

إنسانُ عينٍ بمرأى أختِها غَرِق

حبيبتي لم تخالِفْ بيننا غِيَرٌ

إلا وعُدْنا لماضينا فنتَّفقُ

ولا اشتكى جانبٌ فَرْطَ الجفافِ بهِ

إلا ارتمى جانبٌ مخضوضرٌ أنِق

نَهَشُّ لُطْفاً بلُقياهُمْ كما انتفضتْ

غُنُّ الرياض سَقاها الرائحُ الغَدِق

حبيبتي والهوى، كالناسِ، خِلْقتُهُ

تُمَلُّ ما لم تغايَرْ عنده الخِلَق

ما لذة الوصل لم يلوِ الصُّدودُ بهِ

والحبِّ لم يختلِسْ من أمنه الفَرَق

أبيات غزلية جميلة من الجواهري

يقول الجواهري في قصيدة سأقول فيك كلمات، التي تبرز براعته في الوصف وبلاغة المعاني، حيث تضج أبياتها بمشاعر الحب:

سأقول  فيكِ ولا أخافْ

قولاً يُهابُ ولا يُعافْ

سأقول فيكِ من الضمير

من الصميم .. من الشَّغافْ

سأقولُ فيكِ بدون

تعميةٍ ، ولا حَذْفِ المضاف

سأجاذبنَّ لك النجومَ

لينسجمنَ مع القوافْ

سأُنَزِّلَنَّ .. لِيخَدُمّن

سريركِ .. السُّوَرَ اللِطاف

سأوُججُ النيرانَ من

نهديك في الشَّبم النطاف

سأقولُ فيكِ .. ولا أخافْ

أوَ ثَمَّ غيرُكِ من يُخاف؟

سأقول فيك ولا أخاف

فليس يملِكُني أحدْ

لا، ليس في عنقي مَسَدْ