أشعار الخنساء: تأملات في قصائد شاعرة الجاهلية المشهورة

أعيني جودا ولا تجمدا

أَعَينَيَّ جودا وَلا تَجمُدا

أَلا تَبكِيانِ لِصَخرِ النَدى؟ أَلا تَبكِيانِ الجَريءَ الجَميلَ

أَلا تَبكِيانِ الفَتى السَيِّدا

طَويلَ النِجادِ رَفيعَ العِمادِ

سادَ عَشيرَتَهُ أَمرَدا

إِذا القَومُ مَدّوا بِأَيديهِمِ

إِلى المَجدِ مَدَّ إِلَيهِ يَدا

فَنالَ الَّذي فَوقَ أَيديهِمِ

مِنَ المَجدِ ثُمَّ مَضى مُصعِدا

يُكَلِّفُهُ القَومُ ما عالُهُم

وَإِن كانَ أَصغَرَهُم مَولِدا

تَرى المَجدَ يَهوي إِلى بَيتِهِ

يَرى أَفضَلَ الكَسبِ أَن يُحمَدا

وَإِن ذُكِرَ المَجدُ أَلفَيتَهُ

تَأَزَّرَ بِالمَجدِ ثُمَّ اِرتَدى

ألا لا أرى في الناس مثل معاويه

أَلا لا أَرى في الناسِ مِثلَ مُعاوِيَه

إِذا طَرَقَت إِحدى اللَيالي بِداهِيَه

بِداهِيَةٍ يَصغى الكِلابُ حَسيسَها

وَتَخرُجُ مِن سِرِّ النَجِيِّ عَلانِيَه

أَلا لا أَرى كَالفارِسِ الوَردِ فارِساً

إِذا ما عَلَتهُ جُرأَةٌ وَعَلانِيَه

وَكانَ لِزازَ الحَربِ عِندَ شُبوبِها

إِذا شَمَّرَت عَن ساقِها وَهيَ ذاكِيَه

وقَوّادَ خَيلٍ نَحوَ أُخرى كَأَنَّها

سَعالٍ وَعِقبانٌ عَلَيها زَبانِيَه

بَلَينا وَما تَبلى تِعارٌ وَما تُرى

عَلى حَدَثِ الأَيّامِ إِلّا كَما هِيَه

فَأَقسَمتُ لا يَنفَكُّ دَمعي وَعَولَتي

عَلَيكَ بِحُزنٍ ما دَعا اللَهَ داعِيَه

ألا أبكي على صخر وصخر ثمالنا

ألا اِبكي عَلى صَخرٍ وَصَخرٌ ثِمالُنا

إِذا الحَربُ هَرَّت وَاِستَمَرَّ مَريرُها

أَقامَ جَناحَي رَبعِها وَتَرافَدوا

عَلى صَعبِها حَتّى اِستَقامَ عَسيرُها

بِبارِقَةٍ لِلمَوتِ فيها عَجاجَةٌ

مَناكِبُها مَسمومَةٌ وَنُحورُها

أَهَلَّ بِها وَكفُ الدِماءِ وَرَعدُها

هَماهِمُ أَبطالٍ قَليلٌ فُتورُها

فَصَخرٌ لَدَيها مِدرَهُ الحَربِ كُلَّها

وَصَخرٌ إِذا خانَ الرِجالُ يُطيرُها

مِنَ الهَضبَةِ العُليا الَّتي لَيسَ كَالصَفا

صَفاها وَما إِن كَالصُخورِ صُخورُها

لَها شَرَفاتٌ لا تُنالُ وَمَنكِبٌ

مَنيعُ الذَرى عالٍ عَلى مَن يُثيرُها

لَهُ بَسطَتا مَجدٍ فَكَفٌّ مُفيدَةٌ

وَأُخرى بِأَطرافِ القَناةِ شُقورُها

مَنِ الحَربُ رَبَّتهُ فَلَيسَ بِسائِمٍ

إِذا مَلَّ عَنها ذاتَ يَومٍ ضَجورُها

إِذا ما اِقمَطَرَّت لِلمَغارِ وَأَيقَنَت

بِهِ عَن حِيالٍ مُلقِحٍ مَن يَبورُها

يُؤرِّقني التذكُّر حينَ أمسي

يُؤَرِّقُني التَذَكُّرُ حينَ أُمسي

فَأُصبِحُ قَد بُليتُ بِفَرطِ نُكسِ

عَلى صَخرٍ وَأَيُّ فَتىً كَصَخرٍ

لِيَومِ كَريهَةٍ وَطِعانِ حِلسِ

وَلِلخَصمِ الأَلَدُّ إِذا تَعَدّى

لِيَأخُذَ حَقَّ مَظلومٍ بِقِنسِ

فَلَم أَرَ مِثلَهُ رُزءً لِجِنٍّ

وَلَم أَرَ مِثلَهُ رُزءً لِإِنسِ

أَشَدَّ عَلى صُروفِ الدَهرِ أَيداً

وَأَفصَلَ في الخُطوبِ بِغَيرِ لَبسِ

وَضَيفٍ طارِقٍ أَو مُستَجيرٍ

يُرَوَّعُ قَلبُهُ مِن كُلِّ جَرسٍ

فَأَكرَمَهُ وَآمَنَهُ فَأَمسى

خَلِيّاً بالُهُ مِن كُلِّ بُؤسِ

يُذَكِّرُني طُلوعُ الشَمسِ صَخراً

وَأَذكُرُهُ لِكُلِّ غُروبِ شَمسِ

وَلَولا كَثرَةُ الباكينَ حَولي

عَلى إِخوانِهِم لَقَتَلتُ نَفسي

وَلَكِن لا أَزالُ أَرى عَجولاً

وَباكِيَةً تَنوحُ لِيَومِ نَحسِ

أَراها والِهاً تَبكي أَخاها

عَشِيَّةَ رُزئِهِ أَو غِبَّ أَمسِ
وَما يَبكونَ مِثلَ أَخي وَلَكِن

أُعَزّي النَفسَ عَنهُ بِالتَأَسّي

فَلا وَاللَهِ لا أَنساكَ حَتّى

أُفارِقَ مُهجَتي وَيُشَقُّ رَمسِي

فَقَد وَدَّعتُ يَومَ فِراقِ صَخرٍ

أَبي حَسّانَ لَذّاتي وَأُنسي

فَيا لَهفي عَلَيهِ وَلَهفَ أُمّي

أَيُصبِحُ في الضَريحِ وَفيهِ يُمسي

ألا يا عين فانهمري بغدر

أَلا يا عَينِ فَاِنهَمِري بِغُدرِ

وَفيضي فَيضَةً مِن غَيرِ نَزرِ

وَلا تَعِدي عَزاءً بَعدَ صَخرٍ

فَقَد غُلِبَ العَزاءُ وَعيلَ صَبري

لِمَرزِئَةٍ كَأَنَّ الجَوفَ مِنها

بُعَيدَ النَومِ يُشعَرُ حَرَّ جَمرِ

عَلى صَخرٍ وَأَيُّ فَتىً كَصَخرٍ

لِعانٍ عائِلٍ غَلَقٍ بِوَترِ

وَلِلخَصمِ الأَلَدِّ إِذا تَعَدّى

لِيَأخُذَ حَقَّ مَقهورٍ بِقَسرِ

وَلِلأَضيافِ إِذ طَرَقوا هُدوءً

وَلِلمَكَلِ المُكِلِّ وَكُلِّ سَفرِ

إِذا نَزَلَت بِهِم سَنَةٌ جَمادٌ

أَبِيَّ الدَرِّ لَم تُكسَع بِغُبرِ

هُناكَ يَكونُ غَيثَ حَياً تَلاقى

نَداهُ في جَنابٍ غَيرِ وَعرِ

وَأَحيا مِن مُخَبَّأَةٍ كَعابٍ

وَأَشجَعَ مِن أَبي شِبلٍ هِزَبرِ

هَرَيتِ الشَدقِ رِئبالٍ إِذا ما

عَدا لَم تُنهَ عَدوَتُهُ بِزَجرِ

ضُبارِمَةٍ تَوَسَّدَ ساعِدَيهِ

عَلى طُرقِ الغُزاةِ وَكُلِّ بَحرِ

تَدينُ الخادِراتُ لَهُ إِذا ما

سَمِعنَ زَئيرَهُ في كُلِّ فَجرِ
قَواعِدُ ما يُلِمُّ بِها عَريبٌ

لِعُسرٍ في الزَمانِ وَلا لِيُسرِفَ

إِمّا يُمسِ في جَدَثٍ مُقيماً

بِمُعتَرَكٍ مِنَ الأَرواحِ قَفرِ

فَقَد يَعصَوصِبُ الجادونَ مِنهُ

بِأَروَعِ ماجِدِ الأَعراقِ غَمرِ

إِذا ما الضيقُ حَلَّ إِلى ذَراهُ
تَلَقّاهُ بِوَجهٍ غَيرِ بَسرِ

تُفَرَّجُ بِالنَدى الأَبوابُ عَنهُ

وَلا يَكتَنَّ دونَهُمُ بِسِترِ

دَهَتني الحادِثاتُ بِهِ فَأَمسَت

عَلَيَّ هُمومُها تَغدو وَتَسري

لَوَ أَنَّ الدَهرَ مُتَّخِذٌ خَليلاً

لَكانَ خَليلَهُ صَخرُ بنُعَمرِ