أشعار الشاعر ابن الفارض: حياة وإبداع

زدني بفرط الحب فيك تحيراً

زدني بفيض الحب فيك حيرة،

وارحم من أذابت حرقة الحب جوانحه.

وإذا أردت أن أراك حقيقة،

فاسمح لي ولا تسلط على قلبي بالرفض.

يا قلب، لقد وعدتني بالصبر في حبهم،

فاحذر أن تضيق ذرعاً أو تنزعج.

إن الغرام هو الحياة، فمُت به،

فحقك أن تموت وتُعذر.

قل لأولئك الذين سبقوني ومَن بعدي،

ومَن أصبح له نظرة تراقب أشجاني،

خذوا عني، واعتبروا بي قدوة، واسمعوا قصتي،

وتحدثوا عن شوقي بين الناس.

لقد خلوت مع الحبيب، وبيننا

سر أرق من النسيم عند مروره.

أباح طرفي نظرة كنت أتمناها،

فأصبحت معروفاً، بعدما كنت مُهملاً.

فدهشت بين جماله وجلاله،

وغدا لسان حاله يخبر عني.

فأدر عينيك في محاسن وجهه،

ستجد كل الجمال فيه مصوراً.

لو كان كل الحسن يكمل صورة

ورآه، لكان مهللاً ومكبراً.

شربنا على ذكر الحبيب مدامة

شربنا على ذكر الحبيب كأساً،

سُكرنا بها قبل أن يخلق الكرم.

تبدو كالأقمار، وزهرتها شمس تهتز،

الهلال يظهر بوضوح عند مزجها.

ولولا شذى حبها، لما اهتديت لحانها،

ولو لا نورها، لما تجرأت الخيالات.

لم يُبقي الزمن منها غير رمز،

كأنَّ خفاياها في صدور الحنين مكتومة.

فإذا ذُكرت في الحي، أصبح أهله،

في حالة نشوة، بلا عار، ولا وزر.

ومن بين أحشاء الكؤوس، تصاعدت،

ولم يبقَ منها إلا اسمها.

وإذا خطرت على بال إنسان،

أقامت الأفراح ورحلت الهموم.

ولو نظر النُدماء إلى ختم إنائها،

لأسكرهم من دون ذلك الختم.

ولو نضحت منها رائحة قبر ميت،

لعادت الروح إليه واهتدى الجسد.

ولو شَذت بعبقها في الشرق،

لأستعاد الجسد عافيته، حتى في الغرب.

ولو عُمق تُخضبت من كأسها كفٌّ،

لما ضلَّ في ليلٍ حيث ومعه النجم.

ولو كان سراً يتجلى في ركنٍ،

لرأته عيون وأذنٌ تعي المصداق.

وإذا خرج ركبٌ لطريق أرضها،

وفي الركب ملسوع، لن يضيره السم.

ولو خطّ الرقي اسمها بوضوح،

على جبين مُصابٍ، لبرأه الاسم.

ويكرم من لا يعرف الجود كفَّه،

ويحلُم عند الغضب من لم يكن له حلم.

يقولون: صفها، فأنت خبير بأوصافها،

أجل، عندي علم بأوصافها.

صفاءٌ بلا ماء، ولطفٌ بلا هوى،

ونورٌ بلا نار، وروحٌ بلا جسد.

فلا عيش في الدنيا لمن عاش صاحياً،

ومن لم يمت سكرًا بها فقد فاتته الحكمة.

فليبكِ من أضاع عمره،

فليس له فيها نصيب ولا سهم.

قلبي يُحدثني بأنك مُهلكي

قلبي يخبرني بأنك مُهلكي،

روحي فداك، عرفتَ أم لم تعرف.

لم أُوفِ حق هواك إن كنت أنا،

لم أُوفي فيه أسى، فمثلي يستحق الوفاء.

ما لي سوى روحي، وباذل نفسه،

في حب من يهواه ليس بمسرف.

فإذا رضيّت بي، فقد أسعفتني،

يا خيبة المنى إذا لم تسعفني.

يا مانعاً من أحلامي، وأنت تعطني،

ثوب السقم حيث أنا، وجَرحي المتأسف.

عطفاً على رمقي وما أبقيت لي،

من جسمي المُنهك وقلبي المُحبوبة.

فالوَجْدُ باقٍ والوصل مُماطِل،

والصبر نفد، واللقاء مؤجل.

لم أخلو من حِسد عليك، فلا تُضع،

سَهَري بفضائل الخيال المتعب.

اسأل نجوم الليل إن كانت زارتني،

جفني، وكيف يزور من لم يعرف.

لا غرو إذا شحت بجفونها،

عيني، وعبرت الدموع كالموج.

لعلي أجد النار في حواسي تهدأ،

وأتمنى أن لا تنطفئ.

يا أهل ودّي، أنتم أملي، ومن،

ناداكم يا أهل ودي: كفى.

عودوا لما كنتم عليه من وفاء،

كرماً، فإنّي أخوكم الوفي.

وحياتكم، وحياتكم، قسماً بالله،

بعمري بغير حياتكم لم أُقسم.

لو كانت روحي في يدي ووهبتها،

لمبشري بقدومكم لم أنصف.

لا تحسبوني في الحب متصنعاً،

لأنّ حبي لكم صادق بلا تكلف.

أخفيت حبكم فأخفيت أسى لقلبي،

حتى لعَمري كدت أن أختفي.

أنتَ القتيل بأي أحد أحببته،

فاختَر لنفسك في الحب من تتمنى.

قل للعذول: أطلت لومي طامعاً،

إنما الملام في الحب مستوقف.

دع عنك تعنيفي، وذق طعم الهوى،

فإذا عشقت فبعد ذلك عاقب.

خرج الخفاء بحب من لو في الدجى،

سفر الستر لقلت: يا بدر، اختفِ.

وإن اكتفى غيري بخيال طيفه،

فأنا الذي بجواره لا أكتفي.

أو كان من يرضى بخدي موطئاً،

لو وضعته أرضًا ولم أستنكف.

غلبني الحب فأطعت أمر مشاعري،

من حيث عصيت نهي مُؤنِّفي.

مني له ذل الخضوع، ومنه لي،

عز المنعم وقوة المستضعف.

ألفت الصدود وقلبي لم يزل،

منذ كنت غريباً عن ودادي.

كل البدور إذا تجلت مقبلاً،

تصب في وجهه، وكل قَدٍّ أهيف.

فالعين تهوى صورة الحسن التي،

تغري روحي بمعانٍ خفية.

إن زارني، يوماً، يا حشاي، تَقَطَّعي،

كلفاً به أو سار، يا عين، اذرِفي.

ما للنوء ذنبٌ، ومن أهوى معي،

إن غاب عن إنسان عيني، فهو فيك.

صد حمى ظمئي

صد حمى ظمئي لماك، لماذا،

وهواك قلبي أصبح منه جذاذة.

إن كان في تلفي رضاك صبابة،

ولك البقاء، وجدت فيه لذاذة.

كبدي سُلبت صحيحة، فامنحني،

ممنونة أفلاذ أحشائي.

يا رامياً يُرمى بسهم لحظاته،

عن قوس حاجبه لوح الصدوف.

كيف هجرتَ لهجر واعٍ كمن،

في لومه سوء تناقله الناس.

وعليّ فيك ما تمرد من اعتداء،

فقد اغتدى في حجري ملاذًا.

غير السلو تجدني لائمًا،

عمَّن حوى حسن الورى استحواذاً.

ياما أريد ملاحته رشاً فيه حلا،

تبديله جلي الحلي بذاذا.

أصبح بإحسان وحسن مُعطياً،

لنفائس، ولأنفسٍ أخاذة.

سيفاً تسيل على الفؤاد جفونُه،

وأرى الفتور له بها شحاذة.

فتكاً بنا يزداد منه مُصوراً،

قتلي مساور في بنييزدادا.