أشعار الكاتب المصري مصطفى صادق الرافعي

تأرجح الزمن حتى اضطرب

تأرجح زمنك حتى اضطرب

وقد تنحني العواطف لا من فرح

ومرّ زمن وجاء زمن

وبين الزمانين كل العجائب

فأناس يرقدون تحت التراب

وأناس يرتفعون نحو النجوم

لقد وعظتنا مآسي الزمن

وبعض المآسي كالأقوال

ولو دُرست الأمور ما هداهم

سبيل المنافع إلا الكوارث

فيا ربّ داء قد يكون دواء

إذا عجز الطب والمستطب

ومن نكد اليوم أن الذي

رفع الكروب قد غدا في كرب

وإن كان شخص في السالبين

فأصبح بينهم يستلب

ألا ترى العرب الأحرار

وكيف يهدم مجد العرب؟

فأين الذي رفعته السيوف

وأين الذي أسسته القنابل؟

وأين اعلى عزة لنا تكاد

تمس ذراها السحب

لقد أشرق العلم لما أشرنا

وما زال يضيء حتى غاب

وكنا صعدنا إلى مراقي المعالي

فأصبح صاعدنا في صبب

وكم كان بيننا أصحاب همة

سمت بهم لمناصب الرتب

وكم من أسد يهز البرايا

بوارده إن ونى أو وثب

وأقسم لولا اغترار العقول

لما كف أربابها عن أرب

ولولا ما دب بينهم

لما استصعبوا في العلا ما صعب

ومن يطعِم النفس ما تشتهي

كمن يطعِم النار جزل الحطب

ألا رحم الله دهراً مضى

وما كاد يبتسم حتى انتحب

ويا لياليَ كنا بها

رعاةً على من نأى واقترب

فملكاً نقيل إذا ما كبا

وعرشاً تقيم إذا ما انقلب

سلوا ذلك الشرق ماذا دهاه

فقد أرسله في طريق العطب

لو أن بنيه أجلوا بنيه

لأصبح خائبهم لم يخب

فقد كان منهم مقر العلوم

كما كان فيهم مقر الأدب

وهل تنبت الأزهار أغصانها

إذا ما ماء كل غدير نضب

وكم مرشدٍ بات بينهم

يسام الهوان وسوء النصب

كأن لم يكن صدره منبعاً لما كان من صدره ينسكب

ومن يستبق للعلا غاية

فأولى به من سواه التعب

وليس بضائر ذو مطلب

إذا كفّه الناس عن طلب

فكم من مصابيح كانت تضيء

بين الرياح إذا لم تهب

وما عيب من صدف لؤلؤ

ولا عاب قدر التراب الذهب

بني الشرق أين الذي بيننا

وبين رجال العلا من نسب؟

لقد غابت الشمس عن أرضكم

إلى حيث لو شئتم لم تغب

إلى الغرب حيث هؤلاء الرجال

وتلك العلوم وتلك الكتب

وإن كان مما أردتم فما

تنال العلا من وراء الحجب

فدوروا مع الناس كيف استداروا

فإن لحكم الزمان الغلب

ومن عاند الدهر فيما يحب

رأى من أذى الدهر ما لا يحب

أتتك القوافي ما لها عنك مذهب

أتتك القوافي ما لها عنك مذهب

فأنت بها بارّ وأنت لها أب

وما وجدت مثلي لها اليوم شاعراً

أياديك تمليها علي فأكتب

وهل كلساني إن مَدحتك مبدع

وهل كبياني ساحر حين أنسب

دع الشعر تقذفه من البحر لجة

إليك ويلقيه من البر سبسب

فإن يمم الغر الميامين مكة

حجيجاً فهذه كعبة الشعر يثرب

طلعت عليها طلعة البدر بعد ما

تجللها من ظلمة الظلم غياهب

بوجهٍ لو أن الشمس تنظر مرةً

إليه لكانت ضحوة الصبح تغرب

فجليت عنها ما أدلهم وأبرقت

أسارير كانت قبل ذلك تقطب

وهل كنت إلا ابن الذي فاض بره

عليها كما انهل الغمام وأعذب

فكن مثله عدلاً وكن مثله تقى

وصن لبنيه ما يد الدهر تنهب

سما بك أصل طبق الأفق ذكره

وسارت به الأمثال في الأرض تضرب

وقوم هم الغر الكواكب كلما

تغيب منهم كوكب لاح كوكب

وهم معشر الفاروق من كل أغلب

نماه إلى ليث العرينة أغلب

حفظت لهم مجداً وكان مضيعا

وأبقيت فخراً كان لولاك يذهب

ونالك فضل الله والملك الذي

أرى كل ملك دونه يتهيب

إذا ذكروه كبر الشرق بهجة

وإن لقبوه أكبر الشرق مغرب

يصدع قلب الحاسدين وإنه

إلى كل قلب في الورى لمحبب

ويرضي رعاياه فيردي عدوه

وما زال في الحالين يرجى ويُرهب

حبّاك بها غراء يفتر ثغرها

وكنت لها بعلًا وغيرك يخطب

وكم أملتها أنفس فتحجبت

وبنت العلا إلى عن الكف تحجب

سموت إليها وما ونيت وقد أرى

ذوائب قوم دونها تتذبذب

فطر فوقها ما العز عنك بمبعد

وفضل أمير المؤمنين مقرب

كأني برب الروضة اليوم باسماً

وصديقه يزهى وجدك يعجب

ويثرب مما أدركت من رجائها

بمقدمك الميمون باتت ترحب

لأمر فيه يرتفع السحاب

لأمر فيه يرتفع السحاب

ولا يسمو إلى الأفق التراب

وما استوت النفوس بشكل جسم

وهل ينبيك بالسيف التراب

وما سيان في طمع وحرص

إذا ما الكلب أشبهه الذئاب

رأيت الناس كالأجساد تعلو

لعزتها على القدم الرقاب

فليس من العجيب سموّ أنثى

على رجل ترجّله الثياب

ولو نفساهما بدتا لعيني

لما ميزت أيّهما الكعاب

إن لباطن الأشياء سرّاً

به قد أعجز الأسد الذئاب

فيا لرجال قومي من شموس

إذا قرنوا بها انقشع الضباب

نساء غير أنّ لهنّ نفساً

إذا همت تسهلت الصعاب

فإن تلقى البحار تكن سفيناً

وإن ترد السما فهي الشهاب

ضعاف غير أنّ لهنّ رأيا

يسدده إلى القصد الصواب

وما من شيمة إلا وفيها

لهنّ يد محامدها خضاب

وقومي مثل ما أدري وتدري

فهم لسؤال شاعرهم جواب

رجال غير أن لهم وجوهاً

أحقّ بها لعمرهم النقاب

غطارفة إذا انتسبوا ولكن

إذا عدوا تصعلك الانتساب

جدودهم لهم في الناس مجد

وهم لجدودهم في الناس عاب

ومن يقل الغراب ابن القماري

يكذبه إذا نعب الغراب

عجيب والعجائب بعد شتى

بأنّا في الورى شيء عجاب

تقدمنا النساء ونفوس قومي

من اللائي عليهن الحجاب

وما غير النفوس هي البرايا

وأنثاها أو الرجل الإهاب

مدادك في ثغر الزمان رضاب

مدادك في ثغر الزمان رضاب

وخطكِ في كلتا يديه خضاب

وكفّك في مثل البدر قد لاح نصفه

فلا بدع في أنّ اليراع شهاب

كلحظك أو أمضى وإن كان آسيا

جراح اللواتي ما لهن قراب

يمجّ كمثل الشهد مجته نحلة

وإن لم يكن فيما يمجّ شراب

ويكتب ما يحكي العيون ملاحة

وما السحر إلا مقلة وكتاب

فدونكِ عيني فاستمدي سوادها

وهذا فؤاد طاهر وشباب

أرى الكف من فوق اليراع حمامة

وتحت جناحيها يطير غراب

كأن أديم الليل طرس كتبته

وفيه تباشير الصباح عتاب

كأن جبين الفجر كان صحيفة

كأن سطور الخطّ فيه ضباب

كأن وميض البرق معنى قدحته

كأن التماع الأفق فيه صواب

كأنك إما تنظري في كتابة

ذكاء وأوراق الكتاب سحاب

أراك ترجين الذي لست أهله

وما كل علم إبرة وثياب

كفى الزهر ما تندى به راحة الصبا

وهل للندى بين السيول حساب

وما أحمق الشاة استغرت بظلفها

إذا حسبت أنّ الشياه ذئاب

فحسبك نبلاً قالة الناس أنجبت

وحسبك فخراً أن يصونك باب

لك القلب من زوج وولد ووالد

وملك جميع العالمين رقاب

ولم تخلقي إلا نعيماً لبائس

فمن ذا رأى أن النعيم عذاب

دعي عنك قوماً زاحمتهم نساؤهم

فكانوا كما حف الشراب ذباب

تساووا فهذا بينهم مثل هذه

وسيّان معنىً يافع وكعاب

وما عجبي أن النساء ترجلت

ولكن تأنيث الرجال عجاب

نظروا الكأس فقالوا

ومن مقطوعات مصطفى الرافعي الشعرية القصيرة:

نظروا الكأس فقالوا

إنها دمعة صبّ

قلت بل ذاك فؤادي

ذاب من نيران حبّي

فاعذروني في هواها

إنما أشرب قلبي