أشعار المتنبي في فن الوصف والشعور

تعريف بالشاعر المتنبي

أبو الطيّب المتنبي، واسمه أحمد بن الحسين الجعفي الكندي الكوفي، هو واحد من أبرز شعراء العرب في العصر القديم. وُلِد في الكوفة عام 303 هـ، وقد ترك عدداً كبيراً من القصائد التي تميزت بتعقيد معانيها. يُعتبر المتنبي شاعر العرب بلا منازع، وقد عُرف بكبريائه، شجاعته، وطموحه، بالإضافة إلى اعتزازه الكبير بعروبته من خلال أشعاره. تتناول قصائده الحكمة وفلسفة الحياة، ووصف المعارك، حيث تميزت بأسلوبها القوي والمُحكَم. توفي المتنبي في عام 354 هـ بعد أن قُتل على يد فاتك الأسدي.

إبداع المتنبي في الوصف

تميز المتنبي بتنوع أغراضه الشعرية، حيث أبدع بشكل خاص في فنِّ الوصف. اتسمت معاني وصفه بالقوة والعمق، مع تعبير دقيق وصور شعرية رائعة. فقد برع في تصوير الحروب التي شهدها عصره، بالإضافة إلى الوصف الدقيق للطبيعة وأخلاق الناس ودوافعهم النفسية. كان يتمكن أيضاً من وصف ذاته وشعره بشكل مثير للإهتمام، إذ كانت أوصافه واضحة ومؤثرة، ومع بعض المبالغة في بعض الأحيان.

أشهر أبيات الوصف للمتنبي

وصف شعب بوان

وصف أبو الطيِّب المتنبي شعب بوان الذي يقع بالقرب من منطقة شيراز، وقد تميزت أبياته بوصف الثمار والمحاصيل الزراعية والحمام كما يلي:

لَها ثَمَرٌ تُشيرُ إِلَيكَ مِنهُ

بِأَشرِبَةٍ وَقَفنَ بِلا أَواني

وَأَمواهٌ تَصِلُّ بِها حَصاها

صَليلَ الحَليِّ في أَيدي الغَواني

وَلَو كانَت دِمَشقَ ثَنى عِناني

لَبيقُ الثُردِ صينِيُّ الجِفانِ

يَلَنجوجِيُّ ما رُفِعَت لِضَيفٍ

بِهِ النيرانُ نَدِّيُّ الدُخانِ

تَحِلُّ بِهِ عَلى قَلبٍ شُجاعٍ

وَتَرحَلُ مِنهُ عَن قَلبٍ جَبانِ

مَنازِلُ لَم يَزَل مِنها خَيالٌ

يُشَيِّعُني إِلى النِوبَنذَجانِ

إِذا غَنّى الحَمامُ الوُرقُ

فيها أَجابَتهُ أَغانِيُّ القِيانِ

وَمَن بِالشِعبِ أَحوَجُ مِن حَمامٍ

إِذا غَنّى وَناحَ إِلى البَيانِ

وَقَد يَتَقارَبُ الوَصفانِ جِدّاً

وَمَوصوفاهُما مُتَباعِدانِ

يَقولُ بِشِعبِ بَوّانٍ حِصاني

أَعَن هَذا يُسارُ إِلى الطِعانِ

أَبوكُم آدَمٌ سَنَّ المَعاصي

وَعَلَّمَكُم مُفارَقَةَ الجِنانِ

فَقُلتُ إِذا رَأَيتُ أَبا شُجاعٍ

سَلَوتُ عَنِ العِبادِ وَذا المَكانِ

فَإِنَّ الناسَ وَالدُنيا طَريقٌ

إِلى مَن ما لَهُ في الناسِ ثانِ

وصف خيمة سيف الدولة الحمداني

وفي وصف خيمة سيف الدولة الحمداني قال:

عَلَيها رِياضٌ لَم تَحُكها سَحابَةٌ

وَأَغصانُ دَوحٍ لَم تَغَنَّ حَمائِمُه

وَفَوقَ حَواشي كُلِّ ثَوبٍ مُوَجَّهٍ

مِنَ الدُرِّ سِمطٌ لَم يُثَقِّبهُ ناظِمُه

تَرى حَيَوانَ البَرِّ مُصطَلِحاً بِها

يُحارِبُ ضِدٌّ ضِدَّهُ وَيُسالِمُه

إِذا ضَرَبَتهُ الريحُ ماجَ كَأَنَّهُ

تَجولُ مَذاكيهِ وَتَدأى ضَراغِمُه

وَفي صورَةِ الرومِيِّ ذي التاجِ ذِلَّةٌ

لِأَبلَجَ لا تيجانَ إِلّا عَمائِمُه

تُقَبِّلُ أَفواهُ المُلوكِ بِساطَهُ

وَيَكبُرُ عَنها كُمُّهُ وَبَراجِمُه

قِياماً لِمَن يَشفي مِنَ الداءِ كَيُّهُ

وَمَن بَينَ أُذنَي كُلِّ قَرمٍ مَواسِمُه

قَبائِعُها تَحتَ المَرافِقِ هَيبَةً

وَأَنفَذُ مِمّا في الجُفونِ عَزائِمُه

لَهُ عَسكَراً خَيلٍ وَطَيرٍ إِذا رَمى

Bهي عَسكَراً لَم يَبقَ إِلّا جَماجِمُه

أَجِلَّتُها مِن كُلِّ طاغٍ ثِيابُهُ

وَمَوطِئُها مِن كُلِّ باغٍ مَلاغِمُه

فَقَد مَلَّ ضَوءُ الصُبحِ مِمّا تُغيرُهُ

وَمَلَّ سَوادُ اللَيلِ مِمّا تُزاحِمُه

وَمَلَّ القَنا مِمّا تَدُقُّ صُدورَهُ

وَمَلَّ حَديدُ الهِندِ مِمّا تُلاطِمُه

سَحابٌ مِنَ العِقبانِ يَزحَفُ تَحتَها

سَحابٌ إِذا اِستَسقَت سَقَتها صَوارِمُه

سَلَكتُ صُروفَ الدَهرِ حَتّى لَقَيتُهُ

عَلى ظَهرِ عَزمٍ مُؤيَداتٍ قَوائِمُه

مَهالِكَ لَم تَصحَب بِها الذِئبَ نَفسُهُ

وَلا حَمَلَت فيها الغُرابَ قَوادِمُه

فَأَبصَرتُ بَدراً لا يَرى البَدرُ مِثلَهُ

وَخاطَبتُ بَحراً لا يَرى العِبرَ عائِمُه

غَضِبتُ لَهُ لَمّا رَأَيتُ صِفاتِهِ

بِلا واصِفٍ وَالشِعرُ تَهذي طَماطِمُه

وَكُنتُ إِذا يَمَّمتُ أَرضاً بَعيدَةً

Sَرَيتُ وَكُنتُ السِرَّ وَاللَيلُ كاتِمُه

وصف جيش الروم

وفي وصف جيش الروم اثناء المعارك، قال:

أتوكَ يَجرونّ الحديدَ كأنَّما

سَروْا بجيادٍ ما لهُنَّ قوائِمُ

إذا بَرَقوا لم تعْرفِ البِيضَ منهُمُ

ثِيابُهُمُ من مِثْلِها وَالعَمَائِمُ

خميسٌ بِشرقِ الأرضِ والغرْبِ زَحْفُهُ

وَفي أُذُنِ الجَوْزَاءِ منهُ زَمَازِمُ

تَجَمَّعَ فِيهِ كُلُّ لِسْنٍ وَأُمَّةٍ

فمَا يُفهمُ الحُدَّاثَ إلا التَراجِمُ

وصف الطبيعة

كما وصف الأسد في البيت التالي:

وردٌ إذا وردَ البحيرةَ شارباً

وردَ الفراتَ زئيرهُ والنّيلا