أشعار بشار بن برد حول الحب والغزل

قصيدة ذات دل كأن البدر صورتها

وَذاتُ دَلٍّ كَأَنَّ البَدرَ صورتُها

باتت تُغَنّي عميد القلب سَكرانا

إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ

قَتَلنَنا ثُم لم يُحيينَ قَتلى

فَقُلتُ أَحسَنتِ يا سُؤلي وَيا أَمَلي

فَأَسمِعيني جَزاكِ اللَهُ خيرًا

يا حَبَّذا جَبلُ الرَيّانِ مِن جَبَلٍ

وَحَبَّذا ساكِنُ الرَيّانِ مَن كانا

قالَت فَهَلّا فَدَتكَ النَفسُ أَحسنَ مِن

هذا لِمَن كانَ صبّ القَلبِ حَيرانا

يا قَومُ أُذني لِبَعضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ

وَالأُذنُ تَعشَقُ قَبلَ العَينِ أحيانًا

فَقُلتُ أَحسَنتِ أَنتِ الشَمسُ طالِعَةٌ

أَضرَمتِ في القَلبِ وَالأَحشاءِ نيرانا

فَأَسمِعينِي صَوتًا مُطرِبًا هَزَجًا

يَزيدُ صَبًّا مُحِبًّا فيكِ أَشجانا

يا لَيتَني كُنتُ تُفّاحًا مُفَلَّجَةً

أَو كُنتُ مِن قُضَبِ الرَيحانِ رَيحانا

حَتّى إِذا وَجَدَت ريحي فَأَعجَبَها

وَنَحنُ في خَلوَةٍ مُثِّلتُ إنسانًا

فَحَرَّكَت عودَها ثُم اِنثَنَت طَرَبًا

تَشدو بِهِ ثُم لا تُخفيهِ كِتمانا

أصبحتُ أَطوَعَ خَلقِ اللَهِ كُلِّهِمِ

لأَكثَرِ الخَلقِ لي في الحبِّ عِصيانا

فَقُلتُ أَطرَبتِنا يا زَينَ مِجلِسِنا

فَهاتِ إِنَّكِ بالإِحسانِ أَولانا

لَو كُنتُ أَعلَمُ أَنَّ الحُبَّ يَقتُلُني

أَعدَدتُ لي قَبلَ أَن أَلقاكِ أَكفانا

فَغَنَّتِ الشَربَ صَوتًا مُؤنِقًا رَمَلاً

يُذكي السُرورَ وَيُبكي العَينَ أَلوانا

لا يَقتُلُ اللَهُ مَن دامَت مَوَدَّتُهُ

وَاللَهُ يَقتُلُ أَهلَ الغَدرِ أحيانًا

لا تَعذِلوني فَإِنّي مِن تَذَكُّرِها

نَشوانُ هَل يَعذِلُ الصاحونَ نَشوانا

لَم أَدرِ ما وَصفُها يَقظانَ قَد عَلِمَت

وَقَد لَهَوتُ بِها في النَومِ أحيانًا

باتَت تُناوِلُني فاهاً فَأَلثُمُهُ

جِنّيَّةٌ زُوِّجَت في النَومِ إِنسانًا

قصيدة كأنها يوم راحت في محاسنها

كَأَنَّها يَومَ راحَت في مَحاسِنِها

فَاِرتَجَّ أَسفَلُها وَاِهتَزَّ أَعلاها

حَوراءُ جاءَت مِنَ الفِردَوسِ مُقبِلَةً

فَالشَمسُ طَلعَتُها وَالمِسكُ رَيّاها

مِنَ اللَواتي اِكتَسَت قَدّاً وَشَقَّ لَها

مِن ثَوبِهِ الحُسنُ سِربالاً فَرَدّاها

راحَت وَلَم تُعطِهِ بِرّاً لِلوعَتِهِ

مِنها وَلَو سَأَلَتهُ النَفسَ أَعطاها

يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة

يا قَومِ أَذني لِبَعضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ

وَالأُذنُ تَعشَقُ قَبلَ العَينِ أحيانًا

قالوا بِمَن لا تَرى تَهذي فَقُلتُ لَهُم

الأُذنُ كَالعَينِ تُؤتي القَلبَ ما كانا

هَل مِن دَواءٍ لِمَشغُوفٍ بِجارِيَةٍ

يَلقَى بِلُقيانِها الرّوحَ وَرَيحانا

قصيدة من فتاة صب الجمال عليها

مِن فَتاةٍ صُبَّ الجَمالُ عَلَيها

في حَديثٍ كَلَذَّةِ النَشوانِ

ثُمَّ فارَقتُ ذاكَ غَيرَ ذَميمٍ

كُلُّ عَيشِ الدُنيا وَإِن طالَ فانِ

قصيدة هل تعلمين وراء الحب منزلة

هَل تَعلَمينَ وَراءَ الحُبِّ مَنزِلَةً

تُدني إِلَيكِ فَإِنَّ الحُبَّ أَقصاني

يا رِئمُ قولي لِمِثلِ الرِئمِ قَد هَجَرَت

يَقظى فَما بالُها في النَومِ تَغشاني

لَهفي عَلَيها وَلَهفي مِن تَذَكُّرِها

يَدنو تَذَكُّرُها مِنّي وَتَنآني

إِذ لا يَزالُ لها طَيفٌ يُؤَرِّقُني

نَشوانَ مِن حُبِّها أَو غَيرَ نَشوانِ

قصيدة حسب قلبي ما به من حبها

حَسبُ قَلبي ما بِهِ مِن حُبِّها

ضاقَ مِن كِتمانِهِ حَتّى عَلَن

لا تَلُم فيها وَحَسِّن حُبَّها

كُلُّ ما قَرَّت بِهِ العَينُ حَسَن

قصيدة وغادة سوداء براقة

وَغادَةٍ سَوداءَ بَرّاقة

كَالماءِ في طيبٍ وَفي لينِ

كَأَنَّها صيغَت لِمَن نالَها

مِن عَنبَرٍ بِالمِسكِ مَعجونِ

قصيدة يزهدني في حب عبدة معشرٌ

يزهدني في حب عبدة معشرٌ

قلوبُهم فيها مخالفَة ُ قَلبي

فقلتُ دعوا قلبي بما اختارَ وارتَضى

فبالقلبِ لا بالعينِ يبصرُ ذو اللبِّ

وما تبصر العينان في موضعِ الهوى

ولا تسمع الأذنان إلا من القلب

وما الحسنُ إلاّ كل حسنٍ دعا الصبا

وألف بين العشق والعاشق الصبِّ

قصيدة لله “سلمى” حبُّها ناصبُ

لله “سلمى” حبُّها ناصبُ

وأنا لا زوْجٌ ولا خاطبُ

لو كنتُ ذا أو ذاك يوم اللِّوى

أدَّى إليَّ الحلبَ الحالبُ

أقولُ والعينُ بها عبرةٌ

وباللِّسَانِ العَجَبُ العَاجِبُ

يا ويلتي أحرزها “واهَبٌ”

لا نالَ خيرًا بعدها واهبُ

سيقتْ إلى “الشَّام” وما ساقها

إلاَّ الشَّقا والقدرُ الجالبُ

أصبحتُ قد راحَ العدى دونها

ورحتُ فردًا ليس لي صاحبُ

لا أرْفَعُ الطرْف إِلَى زائرٍ

كأنَّني غضْبان أو عاتِبُ

يا كاهن المصر لنا حاجةٌ

فانظر لنا: هل سكني آيبُ

قد شفَّني الشوقُ إلى وجهها

وشاقني المزهرُ والقاصبُ

بَلْ ذَكَّرَتْني ريحُ رَيْحَانَةٍ

ومدهنٌ جاء به عاقبُ

مجلسُ لهو غاب حسادهُ

تَرْنُو إِلَيهِ الغَادَةُ الكَاعِبُ

إِذْ نَحْنُ بالرَّوْحَاء نُسْقَى الْهَوَى

صِرْفًا وإِذْ يَغْبِطُنَا اللاَّعبُ

وَقَدْ أرَى “سَلْمَى” لَنَا غَايَةً

أيام يجري بيننا الآدبُ

يأيُّها اللاَّئمُ في حبِّها

أمَا تَرَى أنِّي بهَا نَاصبُ

«سَلْمَى» ثَقَالُ الرِّدْف مَهْضُومَةٌ

يأبى سواها قلبي الخالبُ

غنَّى بها الراكبُ في حسنها

ومثلها غنَّى به الرَّاكبُ

ليست من الإنس وإن قلتها

جنِّيَّةً قيلَ: الْفَتَى كَاذِبُ

لاَ بلْ هيِ الشَّمْسُ أُتيحَتْ لَنَا،

وسواسُ همٍّ زعمَ الناسبُ

لو خرجت للناس في عيدهم

صلى لها الأمرد والشائبُ

تلكَ المنى لو ساعفت دارها

كانت “لعمرو” همَّهُ عازبُ

أرَاجعٌ لي بَعْضَ مَا قَدْ مَضَى

بالميث أم هجرانها واجبُ

قَدْ كُنْتُ لاَ ألْوي عَلَى خُلَّةٍ

ضَنَّتْ وَلاَ يُحْزِنُنِي الذَّاهِبُ

ثُمَّ تَبَدَّلْتُ عَلَى حُبِّهَا

يا عجبا ينقلبُ الذَّاهبُ

وصاحبٍ ليسَ يصافي النَّدى

يَسُوسُ مُلْكًا وَلَهُ حَاجِبُ

كالْمَأجَنِ الْمَسْتُورِ إِذْ زُرْتُهُ

فِي دَارِ مُلكٍ لَبْطُهَا رَاعِبُ

ظَلَّ ينَاصِي بُخْلُهُ جُودَهُ

فِي حَاجَتِي أيُّهُمَا الْغَالِبُ

أصْبَحَ عَبَّاسًا لِزُوَّارِهِ

يبكي بوجه حزنهُ دائبُ

لما رأيتُ البخل ريحانهُ

والْجُودُ مِنْ مَجْلِسِهِ غَائِبُ

وَدَّعْتُهُ إِنّي امْرؤٌ حَازِمٌ

عَنْهُ وعَنْ أمْثَالِهِ نَاكِبُ

أصفي خليلي ما دحا ظلهُ

ودَامَ لي مِنْ وُدِّهِ جَانِبُ

لاَ أعْبُدُ الْمَالَ إِذَا جَاءنِي

حق أخٍ أو جاءني راغبُ

وَلَسْتُ بالْحَاسِبِ بَذْلَ النَّدَى

إن البخيل الكاتبُ الحاسبُ

كذاك يلقاني وربَّ امرئٍ

لَيْسَ لَهُ فَضْلٌ ولاَ طَالِبُ