قصائد عن عالم الوجود
قام العديد من الشعراء بتأليف قصائد وأبيات شعرية تعبر عن رؤية العالم، ومن بين هؤلاء الشعراء البارزين نجد:
أبو نواس
يقول أبو نواس:
إذا تم اختبار الذكاء في الحياة، انكشفت
له مخاطرها تحت مسميات الأصدقاء
أبو العتاهية
يقول أبو العتاهية:
تخلص من الدنيا لعلك تنجو،
ففي البر والتقوى تجد سبيلاً كريماً.
قد رأيت خراب الدار يروي آلامها،
عندما يلتقي المزمار والعود والصنج.
ألا أيها المغرور، هل لديك حجة،
فأنت بها يوم القيامة محتاج.
ويقول أيضاً:
عمرُك لا يدوم في هذه الدنيا،
كفاك بدار الموت منزل الفناء.
فلا تعشق الدنيا يا أخي، فإنما،
ترى عاشق الدنيا يعاني البلاء.
حلاوتها تمتزج بمرارة،
وراحتها مصحوبة بأعباء.
فلا تسير يوماً في درابين الوهم،
فإنك من طين وماء قد خُلِقت.
قلة هم الذين تجدهم لله شاكرين،
وقلة يرضون بقضاء الله الجامع.
ولله نعمٌ علينا عظيمة،
ولله إحسان وفضل عطاء.
وما الدهر يوماً واحداً في اختلافه،
وما كل أيام الشاب متشابهة.
وما هو إلا يوم بؤس وشدة،
ويوم سرور بين الرخاء والشقاء.
وما لم أرجُه، أُحرم نفعه،
وما أرجوه يذهب ليشد الأمل.
أيا عجباً للدهر، لا بل لريبه،
قد تمزقت أواصر الدهر كل أخاء.
ومزّق ريب الدهر كل تجمع،
وكدّر ريب الدهر كل صفاء.
إذا ما صديقٌ حطَّ في برزخ الفناء،
فحسبك منه بُعداً وعدم اللقاء.
أزور قبور المتنعمين فلا أرى،
بَهاءً وقد كانوا قبلها أهل بهاء.
وكل طموحٍ ألقاه كان سعيه،
وكلُّهم رماهم مائيٌ بجفاء.
طلبتك فما وجدت للموت حلاً،
ويعجز أبواء الموت عن كل دواء.
ونفس الشاب مسرورة بنمائه،
وللنقص تنمو كل ذات نماء.
وكم من متفانٍ مات لم أرى أهله،
حبَوه ولم يُعطوه بفداء.
أمامك يا ندمان، دار السعادة،
تدوم النماء فيها ودار الشقاء.
خُلقتَ لأحد الغايتين، فلا تنم،
واكن بين خوفٍ منهما ورجاء.
وفي الناس شرٌ لو بدا ما تعاشروا،
ولكن أسدله الله ثوب غطاء.
الشريف الرضي
يقول الشريف الرضي:
خطبتني الدنيا فقلت لها ارجعي،
إني أراك كثيرة الأزواج.
أسامة بن منقذ
يقول أسامة بن منقذ:
انظر إلى لاعب الشطرنج يجمع الأجزاء،
ثم بعد الجمع يقدّرها برمي.
كالمرء الذي يكدح للدنيا ويجمعها،
حتى إذا مات خلى ما فيها.
بديع الزمان الهمذاني
يقول بديع الزمان الهمذاني:
إذا ما تأملت الدنيا بحكمة،
تبين أن معناها عبور.
فبينما أنت في ظل الأماني،
بأفضل حال، إذ أنت في وادٍ.
زمانٌ في قضيته جؤول،
ودائر بما تأبى دوائر.
رضي بقضائه، أم ليست ترضى،
فعضّ يديك وانظر ما يصبح.
إبراهيم أبو اليقظان
الحياة خطيبة جذّابة،
وصداقها في النفس والأموال.
إبراهيم الباروني
يقول إبراهيم الباروني:
ليست حياة المرء في الدنيا سوى،
حلم يجرّ وراءه أحلاما.
والعيش في الدنيا جهاد دائم،
كغزال ينازل في الوغى ضرغاما.
الحسين بن علي بن أبي طالب
يقول الحسين بن علي بن أبي طالب:
إذا جادت الدنيا عليك، فتصدق،
على الناس جميعاً قبل أن تفلت.
فلا الجود يغنيها إذا ما جائت،
ولا البخل يبقيها إذا ما تولّت.
أبو العلاء المعري
يقول أبو العلاء المعري:
سكوناً ظننت أنها أقدم من حركة،
فكيف بقولنا حَصَل السكون؟
وما في الناس أكثر جهلاً من غبيٍ،
يدوم له الركون إلى الدنيا.
منازلنا إذا ما الطير صيدت،
فما تبكي من الأسف الوكون.
وما كانت نوى فنذم بينا،
ولكن بعد أيام تكون.
أحمد شوقي
يقول أحمد شوقي:
وما نيل المطالب بالتمني،
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.
وما استعصى على قومٍ منال،
إذا الإقدام كان لهم ركابا.
المتنبي
يقول أبو الطيب المتنبي:
نبكي على الدنيا وما من معشرٍ،
جمعهم الدنيا فلم يتفرقوا.
أين الأكاسرة الجبابرة الذين،
كنزوا الكنوز فما بقين ولا بقوا؟
من كل من ضاق الفضاء بجيشه،
حتى ثوى فحواه لحد ضيق.
خُرسٌ إذا نودوا كأن لم يعلموا،
أن الكلام لهم حلال مطلق.
والموت آتٍ، والنفوس نفائس،
والمستغِر بما لديه الأحمق.
والمرء يأمل والحياة شهية،
والشيخ أوقر والشباب أنزق.
ولقد بكيت على الشباب ولمتي،
مسوددة ولماء وجهي رونق.
حذراً عليه قبل يوم فراقه،
حتى لكدت بماء جفني أشرق.
إيليا أبو ماضي
يقول إيليا أبو ماضي:
خذ ما استطعت من الدنيا وأحليها،
لكن تعلَّم قليلاً كيف تعطيها.
كن وردةً طيبها حتى لسارقها،
لا دمنًةً إذ خُبثها حتى لساقيها.
أكان في الكون نورٌ تستضيء به،
لو السماء طوت عنا دراريها؟
أو كان في الأرض أزهارٌ لها أرجٌ،
لو كانت الأرض لا تبدي أقرحيها؟
إن الطيور الدمى سواسية في نظري،
والوِرق إن حبست هذه أغانيها.
إن كانت النفس لا تبرز محاسنها،
في اليسر صار غناها من مخازيها.
يا عابد المال، قل لي هل وجدت به،
روحاً تؤاسيك أو روحاً تؤاسيها؟
حتى ما يا صاح تَخفى وتطمّرُه،
كأنما هو سوآت تُواريها.
وتحرُم النفس لذاتٍ لها خُلِقت،
ولم تصاحبك يا هذا لتؤذيها.
انظر إلى الماء إن البذل شيمته،
يأتي الحقول فيرويها ويحييها.
فما تعكر إلا وهو منحبس،
والنفس كالماء تحكيه ويحييها.
السجن للماء يؤذيه ويفسد،
والسجن للنفس يؤذيها ويضنيها.
وانظر إلى النار إن الفتك عادتها،
لكن عادتها الشنعاء تُرديها.
تفني القرى والمغاني وهي ضاحكة،
لجهلها أن ما تفنيه يُفنيها.
أرسلت قولي تمثيلاً وتشبيهاً،
لعل في القول تذكيراً وتنبيها.
لا شيء يُدرَك في الدنيا بلا تعب،
من اشتهى الخمر فليزرع دوالِيها.
أبو القاسم الشابي
يقول أبو القاسم الشابي:
ليت لي أن أعيش في هذه الدنيا،
سعيدًا بوحدتي وانفرادي.
أصرف العمر في الجبال وفي الغابات،
بين الصنوبر المياد.
ليس لي من شواغل العيش ما يصرف،
نفسي عن استماع فؤادي.
أرقب الموت والحياة وأصغي،
لحديث الآزال والآباد.
وأغني مع البلابل في الغاب،
وأصغي إلى خرير الوادي.
وأناجي النجوم والفجر والأطيار،
والنهر والضياء الهادي.
عيشة للجمال والفن أبغيها،
بعيداً عن أمتي وبلادي.
لا أُعَني نفسي بأحزان شعبي،
فهو حي يعيش عيش الجماد.
وبحسبي من الأسى ما بنفسي،
من طريف مستحدث وتلاد.
وبعيداً عن المدينة والناس،
بعيدًا عن لغو تلك النوادي.
فهو من معدن السخافة والإفك،
ومن ذلك الهُراء العادي.
أين هو من خرير ساقية الوادي،
وخفْق الصدى وشدو الشادي؟
وحفيف الغصون نمقها الطل،
وهمس النسيم للأولاد.
هذه عيشة تقدسها نفسي،
وأدعو لمجدها وأنادي.
أبو مسلم البهلاني العماني
يقول أبو مسلم البهلاني العماني:
ماذا تريد من الدنيا تعنيها،
أما ترى كيف تفنيها عواديها؟
غدارة، ما وفّت عهداً وإن وعدت،
خانَت وإن سالمت فالحرب توريها.
ما خالصتك وإن لانت ملامسها،
ولا اطمأن إلى صدق مصافيها.
سحر ومكر وأحزان نضارتها،
فاحذر إذا خالست مكراً وتمويها.
وانفر فديتك عنها، إنها فتن،
وإن دعتك وزانت دعاويها.
كذابة في دعاويها منافقة،
والشاهدات على قولي معانيها.
تريك حسنًا وتحت الحسن مهلكة،
يا عشقيها، أما بانت مساويها؟
نسعى إليها على علم بسيرتها،
ونستقر وإن ساءت مساعيها.
أم عقوق وبئس الأم تحضننا،
على غذاء سموم من أفاعيها.
بئس القرار ولا ننفك نألفها،
ما أعجب النفس تهوى من يعاديها.
تنافس الناس فيها، وهي ساحرة،
بهم وهمهم أن يهلكوا فيها.
يجنون منها على مقدار شهوتهم،
وما جنوه ذعافٌ من مجاريها.
من الذي لم ترعه من طوارقها،
وأي نفس من البلوى تفاديها؟
كل البرية موتور بما فتكت،
لا ثار يؤخذ، لا أنصار تكفيها.
تروعهم روعة للحسن مدهشة،
وهي الحبائل تُبديها وتخفيها.
ما أغفل الناس فيها عن معائبها،
وإنما راقهم منها ملاهيها.
وللبصائر حكم في تقلبها،
بأن عيشتها فيها سترديها.
غول تغول أشكال حقيقتها،
مكراً ولا يرعوي عنها مدانيها.
نجري إلى غاية فيها فتصرعنا،
لا بد من صرع جارٍ مجاريها.
وإن دارا إلى حد نصاحبها،
من أحزم الأمر، أنا لا نصافيها.
أني نصافي التي آباؤنا طحنت،
والآن تطحننا الأنياب في فيها.
انستقر على لهو بلا ثقة،
ولا أمان ولا نفس تعافيها.
ما سالمت من نأى عنها وحاربها،
ولا تسالم قطعًا من يداجيها.
لا ترحم الطفل تُردى عنه والده،
ولا الثكالى، ولَو سالت مآقيها.
لم تهدأ الدور من نوح وصارخ،
ولا المقابر من مستودع فيها.
نمر بالطرق، والأيتام تملأها،
ولا نفكر فيمن كان يؤويها.
ونرسل الطرف، والأبواب مغلقة،
والدور فارغة، والدهر يبليها.
أين الذين غنوا فيها مقرهم؟
أظنهم في طباق الأرض تطويها.
أين الذين عهدنا، أين مكثهم؟
أين القرون لمن تبقى مغانيها؟
أين الحميم الذي كنا نخالطه؟
أين الأحبة نبكيها ونرثيها؟
أين الملوك ومن كانت تطوف بها،
أو من ينازعها أو من يداريها؟
أين الأباعد، أين الجار ما فعلت،
بهم بنات الليالي في تقاضيها؟
لو أمكن القوم نطق كان نطقهم،
ريب المنون جرت فينا عواديها.
عظامهم نحفت، بل حال حائلها،
تُرباً لدى الريح تذروها عوافيها.
لا شبر في الأرض الأمن رفاتهم،
فخل رجلك رفقاً في مواطيها.
نبني القصور، وذاك الطين من جسد،
بالٍ ونحرث أرضاً مزقوا فيها.
عواتق الناس لا ترتاح آونة،
من النعوش ولا يرتاح ناعيها.
ما بين غارة صبح تحت مغربية،
يراقب الناس إذ نادى مناديها.
تغدو وتمسي على الأرواح حاصدة،
لا ينتهي الحصد أو تفنى بواقيها.
ونحن في أثرهم ننحو مصيرهم،
وجوعة اللحد تدعونا ونقربها.
محمود سامي البارودي
يقول محمود سامي البارودي:
ألهتكم الدنيا عن الآخرة،
وهي من الجهل بكم ساخرة.
وغركم منها وأنتم بجوع،
إلى لها قِدرُها الباخرة.
يمشي الفتى تيهًا وفي ثوبه،
من معطفَيْهِ جيفةٌ جاخرة.
كأنه في كبره سادرا،
سفينة في لجّة ماخِرة.
كم أنفس عزّت بسُلطانها،
فيما مضى وهي إذن داخرة.
وعصبةً كانت لأموالها،
مظنة الفقر بها ذاخرة.
فأصبحت يرحمها من يرى،
وقد غنت في نعمةٍ فاخر.
فلا جوادٌ صاهلٌ عزّهم،
يوماً ولا خيفانةٌ شاعرة.
بل عمّ دنياهم صرفٌ لها،
من الردى أوديةً زاخرة.
يا أيها الناس اتقوا ربكم،
وخشوا عذاب الله والآخرة.
أنتم قعود والردى قائم،
يسقيكم بالكوب والصاخرة.
فانتبهوا من غفلات الهوى،
واعتبروا بالأعظم الناخرة.