الفراق والوداع
يمثل الفراق كلمات تحمل معاني عميقة يصعب علينا تحمّلها، فهو يمثل الرحيل الذي قد يكون أبدياً بلا عودة. يعيش الإنسان مع ذكرياته عن من فارقهم، وقد يفقد الأمل في عودتهم. في هذا المقال، نستعرض أروع أشعار الفراق والوداع.
شعر الفراق والوداع للشاعر نزار قباني
لنفترق قليلاً،
لخير حبنا يا حبيبي،
ولخيرنا،
لنفترق قليلاً،
لأني أريد أن تزيد في محبتي،
أريدك أن تكرهني قليلاً،
بحق ما لدينا من ذكرى غالية،
بحق حب عظيم،
ما زال منقوشاً على شفاهنا،
ما زال محفوراً في أيدينا،
بحق ما كتبته إليك من رسائل،
ووجهك المزروع كزهرة في داخلي،
وحبك الذي بقي على شعري وأصابعي،
بحق ذكرياتنا،
وحزننا الجميل وابتسامتنا،
وحبنا الذي أصبح أكبر من كلماتنا،
أكبر من شفاهنا،
بحق أجمل قصة حب في حياتنا،
أطلب منك الرحيل،
لنفترق كأحباء،
فالطيور في كل موسم،
تفارق الجبال،
والشمس يا حبيبي،
تبدو أجمل عندما تحاول الاختفاء،
كن في حياتي الشك والعذاب،
كن أسطورة،
وكن سراباً،
وكن سؤالاً في فمي،
لا يعرف الجواب،
من أجل حب رائع يسكن في قلوبنا،
ولكي أظل دوماً جميلة،
ولكي تقترب مني أكثر،
أطلب منك الرحيل،
لنفترق، ونحن عاشقان،
لنفترق رغم كل الحب والحنان،
فمن خلال الدموع يا حبيبي،
أريدك أن تراني،
ومن خلال النار والدخان،
أريدك أن تراني،
لنتألم وندمع، يا حبيبي،
فقد نسينا نعمة البكاء منذ زمن،
لنفترق،
كي لا يصبح حبنا عادة،
وشوقنا رماداً،
وتذبل الأزهار في الأواني.
كن مطمئن النفس يا صغيري،
فحبك لا يزال مليئاً في عيني وقلبي،
ولن أزال مبهورة بحبك الكبير،
وأحلم أن تكون لي،
يا فارسي وأميري.
ولكنني، ولكنني،
أخاف من مشاعري،
أخاف من عاطفتي،
أخاف أن نمل من شوقنا،
أخاف من وصالنا،
أخاف من عناقنا،
باسم حب رائع،
أزهر كربيع في أعماقنا،
أضاء كالشمس في عيوننا.
وباسم أجمل قصة حب في زماننا،
أطلب منك الرحيل،
لكي يبقى حبنا جميلاً،
ولكي يكون له عمر طويل،
أطلب منك الرحيل.
قصيدة الفراق والوداع لمحمود درويش
وطني، جبينك، فاسمعيني،
لا تتركيني
خلف السياج،
كعشبة برية،
كيمامة مهجورة،
لا تتركيني
قمراً شقياً،
كوكباً متسولاً بين الغصون،
لا تتركيني
حراً بحزني،
واحجبيني بيد تصب الشمس
فوق كوى سجوني،
وتعودي أن تحرقيني،
إن كنت لي شغفاً بأحجاري وزيتوني،
بشبّاكي.. بطيني.
وطني، جبينك، فاسمعيني،
لا تتركيني.
شعر الفراق للمتنبي
فراقٌ ومن فارقت غير مذموم،
وأم ومن يممت خير ميمم،
وما منزل اللذات عندي بمنزل،
إذا لم أبجل عنده وأكرم،
سجية نفس ما تزال مليحة،
من الضيم مرمياً بها كل مخرم،
رحلتُ فكم باكٍ بأجفان شادنٍ،
علي وكم باكٍ بأجفان ضيغم،
وما ربّة القرط المليح مكانه،
بأجزع من ربّ الحسام المصمم.
فلو كان ما بي من حبيب مقنع،
عذرت ولكن من حبيبٍ معمّم،
رمى واتقى رميي ومن دون ما اتقى،
هوى كاسر كفي وقوسي وأسهمي.
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه،
وصدق ما يعتاده من توهم.
وعادى محبيه بقَول عداته،
وأصبح في ليلٍ من الشك مظلم.
أصادق نفس المرءِ من قبل جسمه،
وأعرفها في فعله والتكلم.
شعر الفراق لجبران خليل جبران
روعت بالفراق بعد الفراق،
وبها ما بها من الأشواق،
بعلبك تبكي وليداً تردى،
نازحاً واحتوته أرض العراق،
كان سلوانها رجاء تلاق،
أين أمسى منها رجاء التلاقي،
لا تخافي اغترابه وتخالي،
أن بعدا تباعد الآفاق،
إنما النأي في اختلاف المرامي،
وتنابي الخلال والأخلاق.
ليس في موطن الكرام اغتراب،
لكريم الأصول والأعراق.
لحد ذاك الفقيد إن ضنت السحب،
سقته سحب من الآماق.
ويحيي حجيجه العزة القعساء،
في هيبة وفي إطراق.
رستم كان في العراق من القوم،
وزكى دعواه بالمصداق.
عاش فيهم محبباً وحبيباً،
مخلصاً وده بغير مذاق.
مالكاً منهم القلوب بزينات،
السجايا وبالطباع الرقاق.
قمر سابق الظنون ولم يرع،
أوانا لمثله في المراقي.
أترى كان ذلك الوثب منه،
في المعالي معجلاً للمحاق.
أي جان سما إليه فأجرى،
دمه الحر لآل الشقاق.
ذلك الرهط بئس ما تركته،
من تراث أيام الاسترقاق.
لو أبيد الأشرار لم تف إلّا،
دية المجد بالدم المهراق.
وفدى للإخاء بين شعوب الضاد،
أغلى النفوس والأعلاق.
ويلهم ما أفادهم أن يثيروا،
فتنة من خبائث الأعماق.
أحنقوا أمه علهم وزادوا،
ذمماً للقتيل في الأعناق.
نحن في حقبة تحول حال الخلق،
فيها عن شرعة الخلاق.
عاد فيها ذو المبسم الحلو أضرى،
من ذوات الأنياب والأشداق.
أين دامي الأظفار من قاذف النار،
ومفني الديار بالإحراق.
ومعيد النسيم سماً زعافاً،
ومبيد السفين بالإغراق.
لكأني بالعلم سخر فيها،
بأسه للطغاة والفساق.
والحمام المصير في الكون،
من يعلم سر البقاء غير الباقي.
محنة إن تك المنية منجاة،
فمنها والفوز للسباق.
بل لعلي شططت الحكم والأحكام،
لا تستقيم في الإطلاق.
قد يجيء الخير الكبير من الشر،
إذا جاز ما له من نطاق.
يا فقيداً مثاله الحي لن يبرح،
ملء القلوب والأحداق.
أمة العرب ذاقت الهون أحقاباً،
طوالاً والهون مر المذاق.
كيف تنسى فضل المنادين بالوحدة،
والواضعين للميثاق.
والأولى أفنوا العزائم في ربط،
الأواخي وفي التماس الوفاق.
فلتكن للعهد الجديد شهيداً،
خالداً بالذكرى عن استحقاق.
كل بذل كما بذلت خليق،
بجزاء من الفخار وفاق.
إلحق اليوم فيصلاً فلقد كنت،
لخير الملوك خير الرفاق.
ولو الواجب المخلف لم يثنك،
لم تلف مبطئاً باللحاق.
واجب مرهق التكاليف أديت،
تكاليفه على الإرهاق.
لك فيه بت قويم ورأي،
واسع الأفق ساطع الإشراق.
سست من سست في الوزارة بالحق،
ووفيت ما اقتضت من خلاق.
وأتيت الإصلاح من حيث يؤتى،
في الأمور الجسام أو في الدقاق.
يا بني حيدر الكرام أغريكم،
ودمعي من حره غير راق.
رزوكم رزؤنا وكالعهد في الود،
خوالي أيامنا والبواقي.
شاطر العرب حزنكم وتلظى،
كل قلب لمجدهم خفاق.
عظم الله أجركم ما صبرتم،
ووقاكم مكاره الدهر.