أغلب فيك الشوق والشوق أغلب
كما قال الشاعر المتنبي:
أُغالِبُ فيكَ الشَوقَ وَالشَوقُ أَغلَبُ
وأعجب مما يحدث من هجر ووصل، فالأمر غريب.
أما تَخطئُ الأيامُ في أنني أرى
بغيضًا يُبعد أو حبيبًا يُقَرّبُ.
ولله سَيري، فكم هي قليلةٌ تأثيراتُ تلك الأيام
عشيّةَ الشروق من كل حدبٍ وغربٍ.
عشيّةً حيث يُخفَى الناسُ عني من جفوتُهُ،
وأنا أتعلم الطريقين اللذين أُجنِّبُ.
وكم لظلام الليل عندك من يدٍ
تخبرني أن المانوية تكذب.
وَقاكَ ردى الأعداء، يسري إليهم،
وزارك فيه ذو الدلال المُحَجَّبُ.
ويوماً كليل العاشقين، كنتُ متيقظًا له،
أراقب فيه الشمس أيان ستغرب.
وعيني إلى أذنه كأنها
مِنَ الليلِ باقية بين عينَيه كوكبٌ.
لهُ فضلٌ عَن جسمه في إهابِهِ
يأتي على صدرٍ رحيبٍ ثم تذهب.
شَقتُ عتمةَ الظلامِ حتى أدني عِنانَهُ،
فيَطغى وأرخيهِ مراراً فيلعب.
وأصرع أيَّ الوحشِ قفيتُهُ به،
وأنزلُ عنه مثلَه حين أركب.
وما الخيلُ إلا كالصديق، قلائلٌ،
وإن كثرت في عين من لا يجرب.
إذا لم تُشاهد غير حسن شياتها
وأعضائها، فالحُسن عنك مُغيّبٌ.
لَحا اللهُ ذا الدنيا، مُنَاخاً لراكبٍ،
فكل بعيد الهم فيها معذب.
أَلَا لَيتَ شِعري هل أقول قصيدةً
فلا أشتكي فيها ولا أتعتب.
وبي ما يزود الشعر عني أقوله،
ولكن قلبي يا ابنة القوم مُقلَب.
وأخلاق كافور إن شئتُ مدحهُ
وإن لم أُشأ تُملي عليَّ وأكتب.
إذا ترك الإنسان أهلاً ورائهُ
ويمّم كافورًا فما يتغرب.
فتًى يملأ الأفعال رأياً وحكمةً،
ونادرةً أحياناً يرضى ويغضب.
إذا ضربت في الحرب بالسيف كفّهُ،
تبيَّنتُ أن السيفَ بالكفِ يضرِب.
تزيدُ عطاياهُ على اللبث كثرةً،
وتلبثُ أمواهُ السحاب فتندب.
أبا المسك، هل في الكأس فضلٌ أنالهُ،
فإنّي أغني منذ حينٍ وتشرب.
وهبتَ على مقدار كفّي زماننا،
ونفسي على مقدار كفّيكَ تطلب.
إذا لم تنطِ بي ضيعةً أو ولايةً،
فجودكَ يكسوني وشغلك يسلب.
يُضاحكُ في ذا العيدِ كلُّ حبيبَهُ،
وحيائي وأبكي من أحب وأندب.
أحنُّ إلى أهلي وأهوى لِقائهم،
وأين من المشتاق عنقاء مغرب.
فإن لم يكن إلا أبا المسك أو هم،
فإنك أحلى في فؤادي وأعذبُ.
وكلّ امرئٍ يولي الجميل مُحببٌ،
وكلُّ مكانٍ يُنبِت العز طيبٌ.
يريد بك الحُسّاد ما الله دافع،
وسمرُ العوالي والحديدُ المذرب.
ودون الذي يبغون ما لو تخلصوا
إلى الموت منه عشتَ والطفل أشيَبُ.
إذا طلبوا جدواكَ أعطوا وحُكِّموا،
وإن طلبوا الفضل الذي فيك خُيِّبوا.
ولو جاز أن يحووا عُلاك وهبتَها،
ولكن من الأشياء ما ليس يوهبُ.
أبى الشوق إلا أن يحن ضمير
أبى الشوق إلا أن يحن ضمير،
وكل مشوق بالحنين جدير.
وهل يستطيع المرء كتمان لوعةٍ
ينمُّ عليها مدمع وزفير؟
خضعتُ لأحكام الهوى، لطالما
أبيتُ فلم يحكم عليَّ أمير.
أفُلا تُشبعُ الليثَ وهو مُنازِلٌ،
وأرهبُ لحظَ الرئم وهو غرير؟
ويجزع قلبي للصدودِ وإنني
لدى البأس إن طاش الكميُّ صبور.
وما كل من خاف العيون يرعةٌ،
ولا كل من خاض الحتوف جسور.
ولكن لأحكام الهوى جبريةٌ،
تبُوخُ لها الأنفاس وهي تفور.
وإني على ما كان من سفف الهوى
لذو تُدْرأ في النائبات مُغير.
يرافقني عند الخطوب إذا عَرَت
جوادٌ وسيفٌ صارمٌ وجفير.
ويصحبني يوم الخلاعة والصبا،
نديمٌ وكأسٌ رَيَّةٌ ومدير.
فطَوْرًا لفُرسان الصباح مُطاردٌ،
وطورًا لإخوان الصفاء سمير.
ويا رب حيٍ قد أصبحنا بغارةٍ
تَكادُ لها شُمُّ الجبال تمور.
وليلٍ جمعت اللهو فيه بغادةٍ،
لها نظرة تُسدي الهوى وتُنور.
عقلنا به ما نَدَّ من كل صبوةٍ
وطِرنا مع اللذَّات حيث تَطير.
وقلنا لساقينا أدرها فإنما
بقاء الفتى بعد الشباب يسير.
فطاف بها شمسيّةً ذهبيّةً
لها عند أبواب الرجال ثُؤور.
إذا ما شربناها أقمنا مكاننا
وظلّت بنا الأرض الفضاء تدور.
إلى أن أمَاطَ الليلُ ثنيَ لثامه،
وكادت أسارير الصباح تُنير.
ونبهنا وقعُ الندى في خميلةٍ
لها من نجوم الأُقحوان ثُغُور.
تَناغت بها الأطيار حين بدت لها
من الفجر خيطٌ كالحُسَامِ طرير.
فهُنَّ إلى ضوء الصباح نَوَاظِرٌ،
وعن سُدفَةِ الليلِ المُجَنّحِ زُور.
خوارجُ من أَيْكٍ داخِلُ غيرهِ،
زَهَاهُنَّ ظِلٌّ سَابِغٌ وغَدِير.
توسّدُ هاماتٌ لَهُنَّ وسائدٌ
مِنَ الرّيشِ فيه طائلٌ وشَكِير.
كأنَّ على أَعْطافِهَا مِنْ حَبِيكِها
تمائمَ لم تُعقَد لهنَّ سُيُور.
إذا ضاحكتها الشمسُ رفَّت كأنما
على صفحتَيها سندسٌ وحَرير.
فلما رأيتُ الليلَ ولَّى وأقبلَتْ
طلائعُ من خيلِ الصباح تُغِير.
ذهبت أجرّ الذيِلَ تيهاً وإنما
يَتِيهُ الفتى إن عفَّ وهو قدير.
ولي شيمةٌ تأبى الدنَايَا وعزيمةٌ
تفُلُ شباةَ الخطبِ وهو عَسير.
معوّدةٌ ألا تكفَّ عنانَها
عن الجَدّ إلا أن تُتِمَّ أُمورُ.
يا جامع الشمل بعدما افترقا
يا جامعَ الشملِ بعدما افترقا،
قدّرْ لعيني بمَنْ أُحبُّ لقاء.
ويا مجيرَ المحبّ من فَرَقِ الـ
فراقِ، عجلْ وأذهبِ الفَرْقَ.
عافِ من السقمِ مبتلى بهوى،
ما نفعتْ فيه عوذَةٌ ورقى.
أجرْ بوصلِ الحبيب قلبي منِ
طوارقِ الهجر وافتح الطرقا.
ولا تسلطْ أذى الفراقِ على
ضعفي فما لي على الفراقِ بقا.
ولا تؤاخذْ فلستُ أولَ منْ
بخيسِ عهدِ الحسان قد وثقا.
أنا الذي رَامَ مِنْ أحبَّتِهِ
حظاً بلقياهم فما رُزِقا.
وهل مطيقٌ على النوى جلداً
صبٌّ لغيرِ الغرامِ ما خلقا.
أحبّتي ما الذي أضرَّ بكُمْ
قُرْبيَ بَعدَ النوى لو اتَّفقا.
جودوا وعودوا فديتكمْ دنفاً،
نضوَ سقامٍ على الفراشِ لقى.
حسبتُ يومَ الوَداع أنّ مَعِي
قَلْبي ولم أدرِ أنّهُ سُرِقا.
إنّ فؤادي فَرَاشُ شوقِكُمُ
صادفَ نارَ الغرامِ فاحترقا.
وإنّ وجدي الذي أراقَ دمَ الـ
عينِ لَدمعٌ أهدى لها الأرقا.
واعجبا، لا يزالُ ذا ظماءٍ
إنسانُ عينٍ بدَمعِها غَرِقا.
روحي للقاك يا مناها اشتاقت
رُوحي للقاك يا مُناها اشْتَاقَتْ،
والأرضُ عليّ كاختيالي ضَاقَتْ.
والنفسُ لَقَدْ ذابَتْ غراماً وجوىً،
في جنب رضاك في الهوى مالاقَتْ.