قصيدة لهوى النفوس سريرة لا تعلم
يقول المتنبي:
الشخص العاقل يتألم في نعيمه بفكره
بينما الجاهل يستمتع في شقائه.
وقد تخلّى الناس عن التفكير، فهناك من ينسى ما يأتيه، وآخر يتألم في وقته.
لا تنخدع بدموع عدوك،
وكن رحيماً بشبابك من عدو يظهر الرحمة.
لا ينجو الشرف العالي من الأذى،
حتى تسيل الدماء على جوانبه.
القليل من اللؤم يؤذي بطبيعته،
فمن لا يذلّ كما يذلّ، يفضح.
والظلم من صفات النفوس، فحين تجد
شخصاً عفيفاً، فاعلم أنه لا يظلم لسبب ما.
ومن مصائب هذه الحياة، لوم من لا يتعظ
من جهل ويخاطب من لا يفهم.
وجفونه لا تستقر، وكأنها
راقصة أو تضرّ فيه رُقاص.
وإذا أشاره المتحدث، فكأنه
قرد يضحك أو امرأة مسنّة تعنف.
يقدّر بفراق الأيدي عندما يرميه
حتى يكاد أن يقع على يد تمرس.
وستراه أصغر ما تراه ناطقاً،
ويكون أكذب ما يكون ويقسم.
والذل يظهر في الضعيف مودة،
وأفضل مني ممن يهتم بالأرنب.
قصيدة إذا المرء لا يرعاكَ إلا تكلّفاً
يقول الإمام الشافعي:
إذا لم يكن الشخص يراك إلا بتكَلف،
فاتركه ولا تكثر عليه من الندم.
ففي الناس بدائل، وفي الفراق راحة،
وفي القلب صبر للحبيب حتى لو جفا.
فما كل من تهواه يهواك قلبه،
ولا كل من صافيتك قد صفا.
إذا لم يكن صفاء الود عشقاً،
فلا خير في حب يأتي بتكلف.
ولا خير في صديق يخون صاحبه،
ويواجهه بعد المودة بالجفا.
وينكر عيشاً قد مضت ردحاً،
ويظهر سراً كان بالأمس قد خفى.
سلامٌ على الدنيا إذا لم يكن فيها
صديق وفِيّ صادق الوعد ومنصف.
قصيدة نعيب زماننا والعيب فينا
يقول الإمام الشافعي:
نعيب زماننا والعيب فينا،
وما للزمان عيب سوى نحن.
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب،
ولو نطق الزمان لنا هجان.
وليس الذئب يأكل لحم ذئب،
ويأكل بعضنا بعضاً عياناً.
قصيدة ملومكما يجل عن الملام
يقول المتنبي:
وزائرتي كأن بها خجلاً،
فلا تزور إلا في الظلام.
بذلت لها المطارف والحشايا،
فرفضتها وباتت في عظامي.
يضيق الجلد عن نفسي وعنه،
فتوسعه بأنواع السقام.
إذا ما فارقتني، غسلتني،
كأننا عاكفان على حرام.
كأن الصبح يطردها فتهرع،
مدامعها بأربع سجّام.
أراقب وقتها من غير شوق،
بل مراقبة المشوق المستهام.
ويصدق وعدها، والصدق شر،
إذا ألقاك في الكرب العظام.
أبنت الدهر عندي كل بنت،
فكيف وصلتِ أنت من الزحام؟
جرحتِ مجرحاً لم يبق فيه،
مكان للسيوف ولا السهام.
ألا يا ليت شعر يدي تمسي،
تتصرف في عنان أو زمام.
قصيدة بم التعلل لا أهل ولا وطن
يقول المتنبي:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه،
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
رأيتكم لا يصون العرض جاركم،
ولا يدّر على مرعاكم اللبن.
جزاء كل قريب منكم ملل،
وحظ كل محب منكم ضغن.
وتغضبون على من نال رِفدكم،
حتى يعاقبه التنغيص والمِنن.
فغادر الهجر ما بيني وبينكم،
يهماءَ تكذب فيها العين والأذن.
تحبو الرسام بعد الرسيم بها،
وتسأل الأرض عن أخفافها الثفن.
إني أصاحب حلمي وهو بي كرم،
ولا أصاحب حلمي وهو بي جبن.
ولا أقيم على مال أذل به،
ولا ألذ بما عرضي به درن.
سهرْتُ بعد رحيله وحشة لكم،
ثم استمر مريري وارعوى الوسن.
وإن بليت بودٍ مثل ودكم،
فإني بفراقٍ مثله قمين.
أبلى الأجَلّة مُهري عند غيركم،
وبدل العذر بالفُسطاط والرسن.
عند الهمام أبي المسك الذي غرق،
في جوده مضر الحمراء واليمن.
وإن تأخر عني بعض موعده،
فما تأخّر آمالي ولا تهن.
هو الوفي ولكنّي ذكرت له،
مودّة فهْو يبلوأها ويمتحن.
قصيدة لهوى النفوس سريرة لا تعلم
يقول المتنبي:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله،
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم.
والناس قد نبذوا الحفاظ فمطلق،
ينسى الذي يولي وعافٍ يندم.
لا يخدعنك من عدو دمعه،
وارحم شبابك من عدو ترحم.
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى،
حتى يراق على جوانبه الدم.
يؤذي القليل من اللئام بطبعه،
من لا يقل كما يقل ويلؤم.
والظلم من شيم النفوس فإن تجد،
ذا عفّة فلعلّة لا يظلم.
ومن البلية عذل من لا يرعوي،
عن جهله وخطاب من لا يفهم.
وجفونه ما تستقر كأنها،
مطروفة أو فتّ فيها حصرم.
وإذا أشار محدثاً فكأنه،
قرد يقهقه أو عجوز تلطم.
يقلّى مفارقة الأكف قذاله،
حتى يكاد على يد يتعمّم.
وترى أصغر ما تراه ناطقاً،
ويكون أكذَب ما يكون ويقسم.
والذل يظهر في الذليل مودة،
وأودّ منه لمن يود الأرْقَم.
ومن العداوة ما ينالك نفعه،
ومن الصداقه ما يضر ويؤلم.
أرسلت تسألني المدح سفاهة،
صفرا أضيق منك ماذا أزعم؟
فلشَدّ ما جاوزت قدرَكَ صاعداً،
ولشَدّ ما قربت عليك الأنجُم.
وأرغت ما لأبي العشائر خالصاً،
إنّ الثناء لمن يزار فيُنعم.
ولمن أقمْتَ على الهوان ببابه،
تدنو فيهوجأ أخذاكَ وتنهد.
ولمن يُهين المال وهو مُكرّم،
ولمن يجر الجيش وهو عرمك.
ولمن إذا التقت الكماة بمأزق،
فنصيبُه منها الكمي المُعلم.
ولربما أطَرَ القناة بفارس،
وثنى فقوّمها بآخر منهم.
والوجه أزهر والـفؤاد مشيّع،
والرمح أسمَر والحسام مصمم.
أفعال من تلد الكرام كريمة،
وفعال من تلد الأعاجم أعجم.
قصيدة عاطفتي
يقول بدوي الجبل:
ألتّـصبر محمود ولكنني،
لم يرضني الصبر ولم أرضه.
أهوى نعم أهوى ولي ناظر،
فارق مذ فارقته غمضه.
ضعي على حرّ فؤادي يدا،
كأنها من خالص الفضّة.
وابتبسي عن لؤلؤ واسفري،
عن بشرة ناعمة بضّة.
في خدك القاني الشهي الوسيم،
تفاحة مترفة غضّة.
حكمك الحسن بأهل الهوى،
حسبي الهوى ما أظلم الحاكمات.