أشعار دينية تتناول موضوع التوبة والرجوع إلى الله

دعاء التوبة

يقول عبداللطيف الجوهري:

دَعَا الدَّاعِي فَلَبَّيْنَا نِدَاهُ

تَتُوقُ نُفُوسُنَا لِسَنَا هُدَاهُ

فَيَا عَبْدًا يَضِيقُ بِكُلِّ إِثْمٍ

وَيَرْجُو اللَّهَ تَسْدِيدًا خُطَاهُ

تَقَدَّمْ نَحْوَ بَابِ اللَّهِ تَظْفَرْ

بِتَرْحَابٍ تُرَدِّدُهُ سَمَاهُ

كَرِيمٌ لا يُخَيِّبُ ظَنَّ عَبْدٍ

تُمَدُّ إِلَيْهِ فِي ذُلٍّ يَدَاهُ

فَكَمْ لِلَّهِ مِنْ فَضْلٍ عَلَيْنَا

وَيُمْنَاهُ تَجُودُ بِمَا قَضَاهُ

حَلِيمٌ لَيْسَ يَعْجَلُ فِي عَذَابٍ

إِذَا مَا الجَهْلُ مُرِّغَ فِي ثَرَاهُ

نَقَاءُ العَبْدِ يُسْرِفُ فِي المَعَاصِي

وَيَمْضِي لا يَلُوذُ بِمَنْ دَعَاهُ

لِنَيْلِ الحُبِّ وَالرِّضْوَانِ حَتَّى

يَفِيضَ النُّورُ يَغْمُرُ مَنْ يَرَاهُ

وَيَشْمَلُهُ بِعَطْفٍ مِنْهُ فَضْلاً

يُطَهِّرُهُ مِنَ الذَّنْبِ نَدَاهُ

وَيَبْسُطُ لِلْعَنِيدِ يَدًا وَدُودًا

لِرَحْمَتِهِ وَتَشْمَلُ مَنْ عَصَاهُ

فَكَيْفَ يَجُودُ رَحْمٌ لِعَبْدٍ

أَحَبَّ اللَّهَ أَوَّابًا رَجَاهُ؟!

تَبَارَكَ مِنْ إِلَهِ الكَوْنِ حَقًّا

تَطِيبُ لَنَا الحَيَاةُ بِمَا حَبَاهُ

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة

يقول أبو نواس:

يا ربِّ إنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِي كَثْرَةً

فلقد عَلِمْتُ بِأَنَّ عفوك أَعْظَمُ

إِنْ كَانَ لاَ يَرْجُوكَ إِلَّا مُحْسِنٌ

فَمَن الذي يَدْعُو ويَرْجُو المجرم

أَدْعُوكَ رَبِّ كما أمرت تَضَرُّعاً

فَإِذَا رَدَدَّتَ يَدِي فمن ذا يَرْحَمُ

مَالِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ إِلَّا الرَّجَا

وَجَمِيلُ عَفْوِكَ ثُمَّ إِنِّي مُسْلِمُ

إلهي لا تعذبني

يقول أبو العتاهية:

إلهي لا تعذبني، فإني

مُقِرٌّ بالذّي قد كان مني

وما لي حيلة، إلا رجائي

لعفوك إن عفوت و حسن ظني

فكم من زلة لي في البرايا،

وأنت علي ذو فضل و مَنِّ

إذا فكرت في ندمي عليها،

عضَضت أناملي و قَرَعْت سِنِّي

يظن الناس بي خيرا، و إني

لشر الناس، إن لم تعف عني

أُجن بزهرة الدنيا جنونا،

وأفنى العمر فيها بالتمنى

وبين يدي مُحتَبَس ثقيل،

كأنّي قد دُعيت له، كأني

ولو أني صدقت الزهد فيها،

قَلَبْتُ لأهلها ظهر المِجَنّ

إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل

يقول أبو العتاهية:

إِذا ما خَلَوتَ الدَهرَ يَوماً فَلا تَقُل

خَلَوتُ وَلَكِن قُل عَلَيَّ رَقيبُ

وَلا تَحسَبَنَّ اللَهَ يُغفِلُ ما مَضى

وَلا أَنَّ ما يَخفى عَلَيهِ يَغيبُ

لَهَونا لَعَمرُ اللَهِ حَتّى تَتابَعَت

ذُنوبٌ عَلى آثارِهِنَّ ذُنوبُ

فَيا لَيتَ أَنَّ اللَهَ يَغفِرُ ما مَضى

وَيَأذَنُ في تَوباتِنا فَنَتوبُ

إِذا ما مَضى القَرنُ الَّذي كُنتَ فيهِم

وَخُلِّفتَ في قَرنٍ فَأَنتَ غَريبُ

وَإِنَّ امرَأً قَد سارَ خَمسينَ حِجَّةً

إلى مَنهَلٍ مِن وِردِهِ لَقَريبُ

نَسيبُكَ مَن ناجاكَ بِالوِدِّ قَلبُهُ

وَلَيسَ لِمَن تَحتَ التُرابِ نَسيبُ

فَأَحسِن جَزاءً ما اجتَهَدتَ فَإِنَّما

بِقَرضِكَ تُجزى وَالقُروضُ ضُروبُ

يا نفس توبي

يقول أبو الداود النبراوي:

يانفس توبي فإن الموت قد حانا

واعصي الهوى فالهوى ما زال فتانا

أما ترين المنايا كيف تلقطنا

لقطًا فتلحق أُخرانا بأُولانا

في كل يوم لنا مَيْتٌ نشيعه

نرى بمصرعه آثار موتانا

أتصح توبة مدرك من كونه

يقول أبو علاء المعري:

أَتَصِحُّ تَوبَةُ مُدرِكٍ مِن كَونِهِ

أَو أَسوَدٍ مِن لَونِهِ فَيَتوبا

كُتِبَ الشَقاءُ عَلى الفَتى في عَيشِهِ

وَليَبلُغَنَّ قَضاءَهُ المَكتوبا

وَإِذا عَتَبتَ المَرءَ لَيسَ بِمُعتَبٍ

أُلفيتَ فيما جِئتَهُ مَعتوبا

يَبغي المَعاشِرُ في الزَمانِ وَصَرفِهِ

رُتَباً كَأَنَّ لَهُم عَليهِ رُتوبا

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي

يقول الإمام الشافعي:

وَلَمّا قَسا قَلبي وَضاقَت مَذاهِبي

جَعَلتُ الرَجا مِنّي لِعَفوِكَ سُلَّما

تَعاظَمَني ذَنبي فَلَمّا قَرَنتُهُ

بِعَفوِكَ رَبّي كانَ عَفوُكَ أَعظَما

فَما زِلتَ ذا عَفوٍ عَنِ الذَنبِ لَم تَزَل

تَجودُ وَتَعفو مِنَّةً وَتَكَرُّما

فَلَولاكَ لَم يَصمُد لِإِبليسَ عابِدٌ

فَكَيفَ وَقَد أَغوى صَفِيَّكَ آدَما

فَلِلَّهِ دَرُّ العارِفِ النَدبِ إِنَّهُ

تَفيضُ لِفَرطِ الوَجدِ أَجفانُهُ دَما

يُقيمُ إِذا ما اللَيلُ مَدَّ ظَلامَهُ

عَلى نَفْسِهِ مَن شِدَّةِ الخَوفِ مَأتَما

فَصيحاً إِذا ما كانَ في ذِكرِ رَبِّهِ

وَفي ما سِواهُ في الوَرى كانَ أَعجَما

وَيَذكُرُ أَيّاماً مَضَت مِن شَبابِهِ

وَما كانَ فيها بِالجَهالَةِ أَجرَما

فَصارَ قَرينَ الهَمِّ طولَ نَهارِهِ

أَخا الشُهدِ وَالنَجوى إِذا اللَيلُ أَظلَما

يَقولُ حَبيبي أَنتَ سُؤلي وَبُغيَتي

كَفى بِكَ لِلراجينَ سُؤلاً وَمَغنَما

أَلَستَ الَّذي غَذَّيتَني وَهَدَيتَني

وَلا زِلتَ مَنّاناً عَلَيَّ وَمُنعِما

عَسى مَن لَهُ الإِحسانُ يَغفِرُ زَلَّتي

وَيَستُرُ أَوزاري وَما قَد تَقَدَّما

ألا لله أنت متى تتوب

يقول أبو العتاهية:

ألاَ للهِ أَنْتَ مَتَى تَتُوبُ

وقد صبَغَتْ ذَوائِبَكَ الخُطوبُ

كأنّكَ لَستَ تَعلَمُ أي حَثٍّ

يَحُثّ بكَ الشّروقُ، كما الغُروبُ

ألَسْتَ تراكَ كُلَّ صَبَاحِ يَوْمٍ

تُقابِلُ وَجْهَ نائِبَةٍ تَنُوبُ

لَعَمْرُكَ ما تَهُبّ الرّيحُ، إلاّ

نَعاكَ مُصرِّحاً ذاكَ الهُبُوبُ

ألاَ للهِ أنْتَ فتىً وَكَهْلاً

تَلُوحُ عَلَى مفارِقِكَ الذُّنُوبُ

هوَ المَوْت الذي لا بُدّ منْهُ،

فلا يَلعَبْ بكَ الأمَلُ الكَذوبُ

وكيفَ تريدُ أنْ تُدعى حَكيماً،

وأنتَ لِكُلِّ مَا تَهوى رَكُوبُ

وتُصْبِحُ ضاحِكاً ظَهراً لبَطنٍ،

وتذكُرُ مَا اجترمْتَ فَمَا تَتُوبُ

أراكَ تَغيبُ ثمّ تَؤوبُ يَوْماً،

وتوشِكُ أنْ تغِيبَ ولا تؤُوبُ

أتطلِبُ صَاحِباً لاَ عَيْبَ فِيهِ

وأيُّ النَّاسِ ليسَ لَهُ عيوبُ

رأيتُ النّاسَ صاحِبُهمْ قَليلٌ،

وهُمْ، واللّهُ مَحمودٌ، ضُرُوبُ

ولَسْتُ مسمياً بَشَراً وهُوباً

ولكنَّ الإلهَ هُوَ الْوَهُوبُ

تَحاشَى رَبُّنَا عَنْ كلّ نَقْصٍ،

وحَاشَا سائِليهِ بأَنْ يخيبُوا

وافاك بالذنب العظيم المذنب

يقول البوصيري:

وافاك بالذنبِ العظيمِ المذنبُ

خجلاً يعنفُ نفسهُ ويؤنبُ

لم لا يشوبُ دموعهُ بدمائه

ذو شيبةٍ عوراتها ماتخضبُ

لَعِبَتْ به الدنيا ولولا جَهْلُه

ما كان في الدنيا يخوضُ ويَلعَبُ

لَزمَ التَّقَلُّبَ في معَاصي رَبِّهِ

إذْ باتَ في نَعْمائِه يَتَقلَّبُ

يستغفرُ الله الذنوبَ وقلبه

شرهاً على أمثالها يتوثبُ

يُغْرِي جَوَارِحَهُ عَلَى شَهَوَاتِهِ

فكأَنَّه فيما استَبَاحَ مُكلِّبُ

أضْحَى بِمُعْتَرَكِ المَنايا لاهِياً

فكأَنَّ مُعْتَرَك المنايا مَلْعَبُ

ضاقت مذاهبه عليه فما له

إلاّ إلى حرم بطيبة َ مهربُ

Mُتَقَطِّعُ الأسبابِ مِنْ أعمالِهِ

لكنه برجائه متسببُ

وقفت بجاه المصطفى آماله

فكأَنه بذُنوبه يَتَقَرَّبُ

وَبدا له أنَّ الوُقُوفَ بِبابِهِ

بابٌ لِغُفْرانِ الذُّنوبِ مُجَرَّبُ

صلَّى عليه الله إنَّ مَطامِعي

في جُودِهِ قد غارَ منها أشعَبُ

لمَ لا يغار وقد رآني دونه

أدركْتُ مِنْ خَيْرِ الوَرَى ما أَطلُبُ

ماذا أخافُ إذا وَقَفْتُ بِبابِهِ

وصَحائِفي سُودٌ ورَأْسيَ أشْيَبُ

والمصطفى الماحي الذي يمحو الذي

يحصي الرقيبُ على المسيء ويكتبُ

بشرٌ سعيدٌ في النفوسِ معظمٌ

مِقْدارُه وإلى القلوبِ مُحبَّبُ

بجمالِ صُورَتِهِ تَمَدَّحَ آدَمٌ

وبيان ِمنطقهِ تشرّفَ يعربُ

مصباحُ كلِّ فضيلة ٍوإمامها

وَلِفَضْلِهِ فَضْلُ الخَلائِقِ يُنسَبُ

ردْ واقتبسْ من فضلهِ فبحارهُ

ما تَنْتَهي وشُموسُهُ ما تَغرُبُ

فلكلٍّ سارٍ مِنْ هُداهُ هِدَايَةٌ

ولكا عافٍ من نداهُ مشربُ

وَلكلِّ عَيْنٍ منه بَدْرٌ طالعٌ

ولكلِّ قلبٍ منه لَيْثٌ أَغْلَبُ

مَلأَ العوالِمَ عِلْمُهُ وثَنَاءُهُ

فيه الوجودُ منوَّرٌ ومُطَيَّبُ

وهبَ الإلهُ لهُ الكمالَ وإنهُ

في غيرهِ من جنسِ مالا يوهبُ

كُشِفَ الغِطاءُ لهُ وقد أُسرِي به

فعُلومُهُ لا شيء عنها يَعْزُبُ

ولقاب قوسين انتهى فمحلهُ

من قاب قوسين المحل الأقربُ

ودَنَا دُنُوّاً لا يُزَاحِمُ مَنْكِباً

فيه كما زَعَمَ المكَيِّفُ مَنْكِبُ

فاتَ العبارَة َ والإشارَة َ فضلُهُ

فعليكَ منه بما يُقالُ ويُكْتَبُ

صَدِّقْ بما حُدِّثْتَ عنه فَفي الوَرَى

بالغيبِ عنه مصدقٌ ومكذبُ

واسمع مناقب للحبيبِ فإنها

في الحسنِ من عنقاءَ مُغربَ أغرب

مُتَمَكِّنُ الأخلاقِ إلاَّ أنه

في الحكم يرضى للإله ويغضبُ

يشفي الصدورَ كلامهُ فداواؤهُ

طَوْراً يَمُرُّ لها وطَوراً يَعْذُبُ

فاطْرَبْ لتَسْبيحِ الحَصَى في كَفِّهِ

يَلَذُّ منْ كَرَمٍ لهم أن يَسْغَبُوا

والجِذْعُ حَنَّ لهُ وباتَ كمُغرَمٍ

قَلِقِ بِفَقَدِ حَبيبهِ يَتَكَرَّبُ

وسعتْ له الأحجارُ فهي لأمرهِ

تأتي إليه كما يشاءُ وتذهبُ

واهْتَزَّ مِنْ فَرَحٍ ثَبِيرٌ تَحْتَهُ

وَمِنَ الجِبالِ مُسَبِّحٌ ومُؤَوِّبُ

والنَّخْلُ أَثْمَر غَرْسهُ في عامِهِ

وَبَدا مُعَنْدَمُ زَهْوِهِ والمَذْهبُ

وَبَنانُهُ بالماءِ أَرْوَى عَسْكراً

فكأنه من ديمةٍ يتصببُ

والشَّاةُ إِذْ عَطَشَ الرَّعِيلُ سَقَتْهُمُ

وهم ثلاثُ مئينَ مما يحلبُ

وشَفى جميعَ المُؤْلِمَات بِرِيقه

يا طِيبَ ما يَرْقي به ويُطَيِّبُ

ومشى تظلله الغمامُ لظلها

ذَبْلٌ عليه في الهواجِر يُسْحبُ