قصيدة مصرع حب
قال سيد قطب:
تعيشني ليلة تكتنفها الشكوك والأسى، تختلط فيها الظلمات وحيرة القرارات. إن عذابي، الذي لا يعد، لا يمكن تصوره في وعيد أو في خيالات الفكر. لقد تركت ذكرياتي ماضية، مجرد كومة من الرماد، وآمالي لا تتعدى كونها حطاماً. في خضم هذه المعاناة، ماذا يمكن أن يعززني؟ كيف يمكنني أن أعزي نفسي في ما فقدته من سجيني؟ في هذه الليلة المشؤومة، هل أستطيع أن أسترجع ألم الماضي لأعيد إحياء ما ضاع من أيامي؟ أليست هي ليلة الشك، فما زلت غارقًا في الظلام.
في مواجهة قسوة الحب الذي تلاشى في طيات الدجى العميق، أراقب الحياة التي كانت مفعمة بالبهجة، وها هي تتجلى في ضياع اليتامى. الحب، الآن، يمشي متوجسًا تحت سحب الاتهام. لقد حطمت ليلة الشك كل أمل؛ فكيف أستطيع أن أستجدي الهدوء بعد هذا الاضطراب؟
إنني أبحث عن يقين يعمق معاناتي، أستجد فيه وديعتي من فوضى مشاعري. أتساءل، أي يقين هذا الذي يحمل معه كل هذا التألم؟ كم أشتاق لليالي التي كانت مليئة بالراحة. أسعى إليك يا يقيني، فأنت أغلى ما أملك، وأنت مرشدي في هذه الحياة. لقد فقدتك يا جنتي، تركتني أسير في طرقات قاحلة، تتراكم فوقها عواصف اليأس والاغتراب.
يا لي من مشاعر يوماً كنت مؤمنة بها، وأخشى أن أنتهي إلى جحيم البعد عنك.
قصيدة أَمسى بُكاكَ عَلى هَواكَ دَليلا
يقول الشاعر العباس بن الأحنف:
أَمسى بُكاكَ عَلى هَواكَ دَليلا،
فَاِمنَع دُموعَكَ أَن تَفيضَ هُمولا.
دارِ الجَليسَ عَلى البُكاءِ فَإِن بَدا،
فَاَنظُر إِلى أُفُقِ السَماءِ طَويلا.
يا مُستَقِلَّ كَثيرِنا، يَسِّر لَنا،
مِنكَ القَليلَ فَما نَراهُ قَليلا.
ما أَنتَ أَوَّلُ مَن رَأَينا زاهِداً،
في الوُدِّ حينَ أَصابَهُ مَبذولا.
قصيدة وَمِمّا شَجاني أَنَّها يَومَ وَدَّعَت
يقول الشاعر قيس بن الملوح:
وَمِمّا شَجاني أَنَّها يَومَ وَدَّعَت،
تَوَلَّت وَماءُ العَينِ في الجَفنِ حائِرُ.
فَلَمّا أَعادَت مِن بَعيدٍ بِنَظرَةٍ،
إِلَيَّ اِلتِفاتاً أَسلَمَتهُ المَحاجِرُ.
قصيدة بالغتَ في شجني وفي تعذيبي
قال ابن نباتة المصري:
بالغتَ في شجني وفي تعذيبي،
ومعَ الأذى أفديكَ من محبوبيا.
قاسياً، هلاَّ تعلم قلبهُ،
إلين الصبا من جسمهِ المشروب؟
آهاً لوردٍ فوقَ خدِّك أحمر،
لو أنَّ ذاك الوردَ كانَ نصيبي.
ولاحظٌ ترِثُ الملاحةَ في الظبائ،
إرثَ السماحةِ في بني أيوب.
فتحت بنو أيوبَ أبوابَ الرجا،
وأتتْ بحار همُو بكلِّ عجائب.
بملكهم رفعَ الهدى أعلامه،
وحمى سرادِقَ بيتهِ المنصوب.
وإلى عمادهُم انتهتْ علياؤُهم،
وإلى العلاء قد انتهتْ لنجيب.
ملكٌ بأدنى سطوِه ونوَاله،
أنسى ندى هرمٍ وبأسَ شبيب.
الجود ملءُ والعلم ملءُ،
مسامع والعز ملءُ القلوب.
ألفت بأنبوبِ اليراعةِ والقنا،
مناهُ يومَ ندًى ويومَ حروب.
فإذا نظرتَ وجدتَ أرزاقَ الورى،
ودمَ العداةِ يفيضُ من أنبوبكم.
مدحةٍ لي صغتها وأثابها،
فزَهتْ على التفضيضِ والتذهيب.
وتعوَّدت في كلِّ مصرٍ عندهم،
رعى يقابل جدبها بخصيب.
يا رُبَّ بشرٍ منه طائيَّ الندى،
يلقى مدائحاً لقاء حبيب.
قصائد في الحب مؤلمة
يقول الشاعر مصطفى التل:
قل للمليحة مالهابعدت عن النظر الشفيق،
هجرت مكاناً لم يكن يوماً بها أبداً يضيق.
شفقية الخدين والثغر المعنبر بالرحيق،
يا ليت شانيها يجازى بالبعاد عن الصديق.
يا حسنها بين البنات وكلهن لها رفيق،
عيني تأمل حسنهاإذ غير ذلك لا يليق.
إن الجمال دواء دائك فليكن منك اللصيق.
قصيدة هل أنتِ سامعةٌ أنيني
يقول الشاعر إبراهيم ناجي:
هل أنتِ سامعةٌ أنيني،
يا غايةَ القلب الحزين.
يا قِبلة الحب الخفي،
وكعبة الأمل الدفين.
إني ذكرتك باكياً،
والأفق مُغبر الجبين.
والشمس تبدو وهي تغــرب،
شبه دامعة العيون.
أمسيت أرقبها على صخر،
وموج البحر دوني.
والبحر مجنون العباب،
يهيج ثائره جنوني.
ورضاكِ أنتِ وقايتي،
فإذا غضبتِ فمَنَ يقيني؟
قصيدة قد أعرب الدمع عن وجدي وكتماني
يقول ابن دنينير:
قد أعرب الدمع عن وجدي وكتمان،
وأعجم القلب في صبري وسلواني.
وقابلت أدمُعي فبمن كفت به،
يوم التفرّق والتوديع نيراني.
أشكو الهوى وفؤادي يستلذّ به،
وغير شاني الذي أبدى لكم شاني.
بنت فما زلت مع وجد أكابد،
همستوحشاً لكم سرّي وإعلاني.
والبعد في النار أكفاني وموقده،
من بعد وشك نواكم دمعة قاني.
لا كان سهم نوى أصمى فؤادي،
من عوجا وتين بمرنان ومذعان.
لو زارني الطيف سلّيت الهموم به،
ولو تغشى رقادي كان يغشاني.
لم يطرق النوم أجفاني،
ولا عجب من بعد فرقتكم أنى تجافاني.
ما صحّ كتمان سرّي إذ جفيت،
وقد أصبحت ما بين أحشاء وأجفان.
فدمع عيني طليق بعد بعدكم،
لكن فوادي المعنّى فيكم دعان.
ما استعذبت عذبات الرند بعدكم،
روحي ولا بان مني رغبة البان.
تحمّلت منكم ريح الصبا أرجاء،
أزرى على نشر يبرين ونعمان.
ما خلت أني وإن ساء الزمان بنا،
فعلاً أفارق أحبابي وخلان.
ولا علمت بأن الدهر يبدلني،
من بعد تشتيت إخواني بخوّاني.
ظاعنين وقلبي نحوهم أبداً،
يحدى من الشوق فيما بين أظعان.
بنت فما لذّ لي عيش لبعدكم،
ولا فرحت بأوطاري وأوطاني.
أورثتموني شبحاً باقٍ تردّدهُ،
لبعدكم، يا سويد القلب أشجاني.
أنّى ذكرتكم فالشوق من ولهج،
جمر الفضا بفنا الأوطان أوطاني.
إن خانني زمني فيكم فليس له بدع،
إذا ما رمى حرّا بحرمان.
أو كان بغيته خفضى، فقد رفعت يد،
الفضائل بين الناس بنياني.
جلّيت عند فتاء السن من أدبي،
أوفى شيوخ بني الدنيا وشبّان.
وطلت هذا الورى بالفضل أجمعهم،
لكنما الرزق لم يحرز بإمكان.
حتى ظفرت بزيد الجود جللني،
وأفاضاً أذهبت همي وأحزاني.
فرحت إذ راح حوضى عنده ترَعاً،
أوفى البرايا بإحسان وحسّان.
وصرت من شرف مستوطئا قدميه،
ما الثريا وبهرام وكيوان.
ولم تكن جنّتي من نيله طمثت،
وجود كفّيه من إنس ولا جان.
لو رامت الثقلان الجود من يده،
تحكيه لم ينفذوا فيه بسلطان.