النفس تتأمل حال الدنيا
يقول علي بن أبي طالب: النفسُ تتأمل حال الدُنيا وقد عَلِمت
إنّ النجاةَ فيها تَكمن في ترك ما فيها
لا بيتَ للإنسان بعد الموت يسكنه
إلا البيتَ الذي كان قد بناه قبل الموت
فإن بنى الخير فسيكون مسكنه طيبًا
وإن بنى بغير خير خاب من بناها
أين الممالك التي كانت تسود الأرض؟
سقاها الموت بكأسٍ فكانت مراراً
أموالنا نجمعها لتورث لذوي الحقوق
ودورنا نبنيها لخرب الزمان
كم من مدائن في الآفاق قد بُنِيَت
أصبحت خرابًا وقد دنا الموت منها
لكل نفس – وإن كانت كئيبةً
آمال تُقوّيها من أمام المنية
فالمؤمن يوسعها والدهر يقبضها
والنفس تنشرها والموت يطويها
إن اقترب مني الموت
يقول أبو العلاء المعري:
إن اقترب الموت مني
فلست أكره قُربه
وذاك حالٌ تصبر القبر دابره
من يلقاه لا يراقب
<pخطباً، ولا يخشَ كربه
كأني صاحب إبل
أصبح يعتاد جُرًبه
أو ناشطٌ يتطلع إلى الصافي في الأرض
وإن رُددتُ إلى الصلاة،
دفنت في شر تُربته
والوقت لا يمر، إلا
وحلّ في العمر عذابه
كلٌ يحذر حتفه،
وليس يعدم شربه
ويتقي العضب الشديد
الذي يباشر غربه
والنزع فوق الفراش،
أشقُّ من ألف ضربة
واللب حارب فينا،
طبعا يكابد حربه
يا ساكن القبر! عرّفني الحِمام وإربه
ولا تبخل! فإنّي
ما لي بتلك دربه
يكرُّ في الناس كالأجمل
المعاود سيره
أو كالمُعير من العاسلات، التي تطرق زربه
لا ذات سرب تعري الرُدى، ولا ذات سُربه
وما أظن المنايا
تخطو كواكب جربه
ستأخذ النسر والغفور، والسماك، وتربه
تفتش عن كل نفسٍ
شرق الفضاء وغربه
وزرنَ عن غير برٍّ،
عُجم الأنام، وعربه
ما ومضة من عقيقٍ،
إلا تهيج طرْبه
هوى تعبّد حُرًّا،
فما يحاول هربه
من رامني لم يجدني،
إن المنازل غربه
كانت مفارق جُونٍ،
كأنها ريش غُرْبه
ثم انجلت، فعجبنا
للقار بدّل صِربه
إذا خَمِصتُ قليلاً،
عددتُ ذلك قربه
وليسَ عندي من آلة
السُّرى، غير قِربه
الموت حقيقتنا
يقول أبو العتاهية:
لا شيء يُدفع الموت بالنُفوس ولا حرَسُ
لا جِنٌّ ولا إنس يُغلبوه
إن دعا الموت ملكًا أو سوقًا
إلا ثناهُم إليه الصرع والهفوات
للموت ما تلد الأقوام جميعًا
وللبلاء كل ما بنوا وما زرعوا
هلا بادرتُ هذا الموت في مهلٍ
هلا بادرتَهُ ما دام لي نفسٌ
يا خائف الموت! لو أمسيتَ خائفه
لكن كانت دموعك طيلة الدهر تتدفق
أمَا يُهيّجُكَ يومٌ لا نداءَ له
إذ أنتَ في غمرات الموت تنغمس
إياك إياك والدنيا ولذتها
الموت فيها خلق الله مُفترس
إن الخلائق في الدنيا لو اجتهدوا
أن يحبسوا عنك هذا الموت ما حبسوا
إن المنية حوضٌ أنت تكرهه،
وأنت عن قليل جدا فيه منغمس
ما لي رأيتُ بني الدنيا قد اقتتلوا،
كأنما هذه الدنيا لهم عرسٌ
إذا وصفت لهم دُنياهم ضحكوا
وإن وصفت لهم اُخراهم عبسوا
ما لي رأيتُ بني الدنيا وإخوتهما،
كأنهم لكلام الله ما درسوا
إذا الحتم كان موتٌ
يقول أبو العتاهية:
إن كان لا بد من موتٍ فما كَلَفِي
وما عنائي بما يدعو إلى الكَلَفِ
لا شيء للإنسان أغنى من قناعته
ولا امتلاءً لعيني الملتَهي الطارف
من فارق القصد لم يأمن عليه هوى
يدعو إلى البغي والعدوان والإسراف
ليس كل رأي الفتى يدعو إلى رشدٍ
إذا بدا لك رأيٌ مشكل فقفِ
أخي! ما سكنتْ ريحٌ ولا عَصَفتْ،
إلا لتؤذنَ بالنقصان والتلف
ما أقرب الحِين ممن لم يزل بطراً
ولم تزل نفسه تموت على شرفٍ
كم من عزيزٍ عظيم الشأن في جثةٍ
مُجَدَّلٍ، بتراب الأرض مُلتَحِفٍ
لله أهل قبورٍ كنت أعهَدُهم
أهلَ الكيَبات الرخاميات، والغرف
يا من تشرف بالدنيا وزينتها،
حسب الفتى بتقوى الرحمن من شرف
والخير والشر في التّصوير بينهما
لو صُوِّرَا لك، بونٌ غير مؤتلف
أخي آخ الحسن ما استطعتَ ولا
تستَعذبَن مؤاخاة الأخ النطيف
ما أحرز المرء من أطرافه طرفاً،
إلا تخونه النقصان من طرف
والله يكفيك إن أنت اعتصمتَ به،
من يصرِف الله عنه السوء ينصرف
الحمد لله شكرًا، لا مَثيلَ له،
ما قيل شيءٌ بمثلِ اللين واللُطف
نداء الموت
يقول بدر شاكر السياب:
يمدّون أعناقهم من ألوف القبور يصيحون بي
أن تعال
نداء يشق العروق يهزّ المشاش يبعثر قلبي رمادًا
أصيل هنا مشعل في الظلال
تعال اشتعل فيه حتى الزوال
جدودي وآبائي الأولون سراب على حد جفني تهادى
وبي جذوة من حريق الحياة تريد المحال
وغيلان يدعو أبي سر فإني على الدرب ماش أريد الصباح
وتدعو من القبر أمي بنيّ احتضني فبرد الردى في عروقي
فدفّئ عظامي بما قد كسوت ذراعيك والصدر واحم الجراح
جراحي بقلبك أو مقلتيك ولا تحرفن الخطى عن طريقي
ولا شيء إلا إلى الموت يدعو ويصرخ فيما يزول
خريف شتاء أصيل أفول
وباق هو الليل بعد انطفاء البروق
وباق هو الموت أبقى وأخلد من كل ما في الحياة
فيا قبرها افتح ذراعيك
إني لآت بلا ضجّة دون آه
لنولد للموت ونبني للخراب
يقول أبو العتاهية:
لنولد للموت و ابنوا للخراب
فكلكم يصير إلى ذهاب
لمن نبني ونحن إلى تراب
نصير كما خُلِقنا من تراب
ألا يا موت! لم أَرَ منك بدّاً
أبيت فلا تحيف ولا تحابي
كأنك قد هجمت على مشيبي
كما هجم المشيب على شبابي
ويا دنياي ما لي لا أَراني
أسومك منزلاً إلا نبا بي
ألا وأراك تبذلُ يا زمني
لي الدنيا وتسرع باستلابي
وإنك يا زمان ذو صروفٍ
وإنك يا زمان ذو انقلابِ
وما لي لا أستحلب منك شطراً
فأحمد غِبَّ عاقبة الحلاب
فكم من صحيح بات للموت آمنًا
يقول سابق البربري:
وكم من صحيح بات للموت آمنًا
أتته المنايا بغتةً بعد ما هجـع
فلم يستطع إذ جاءه الموت بغتةً
فرارًا ولا منه بحيلةٍ امتنع
ولا يترك الموت الغنى لماله
ولا معدمًا في المال ذا حاجةٍ يدع
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب
يقول محمد بن عثيمين:
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب
متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب
نؤمل آمالاً ونرجوا نتاجها
وعلى الردى مما نرجوه أقرب
ونبني القصور المشمخرات في الهوا
وفي علمنا أننا نموت وتخرب
الموت آت لا شك
الموت لا شك آتٍ فاستعد له
إن اللبيب بذكر الموت مشغول
فكيف يلهو بعيشٍ أو يلذ به
من التراب عليه عينيه مجعول
الموت ميقات العباد
تزود من الذي لا بد منه
فإن الموت ميقات العباد
وتب مهما جنيت وأنت حي
وكنت متنبها قبل الرقاد
ستندم إذا رحلت بغير زاد
وستشقي عندما يناديك المناد
أترضي أن تكون رفيق قوم
لهم زاد وأنت بغير زاد