أشعار مؤثرة حول الفراق والعتاب

قصيدة عتاب ووعيد

يورد الشاعر عبدالله البردوني:

لماذا أعاني من الجوع بينما يأتيك كل شيء؟

ينديني الجوع إلى ضرورة السؤال،

أزرع في حقلي وأنت من تجني الثمار،

وتسكر من عرقي بآلتك. لماذا تملك كل كنوز العالم،

في حين تمسك بغذائي؟

تتغذى على جوعي، وتدع نفسك نزيهًا؛

هل تحول اللص إلى ملك يومًا؟

لماذا تهيمن على آلامي؟

جاوبني، حتى وإن كان في ذلك إحراج لك،

وإذا لم ترد فعزوفك صرخ يرد على سؤالي!

لماذا تدوس مشاعري الجريحة،

وهناك حنان بداخلي يتذكرك؟

ودمعي، دموعي سقتك من الرحيق.

هل تذكر يا نذل كم أذللني؟

كان من غير الحكمة تجاهي،

وأنت تعيش في جهل ما تجهل!

غدًا ستتعرف على ذاتي،

وسيسلبك شرفك أرضك.

ففي صدري، وفي دمي غضب قوي،

عندما تشتد الرياح يميل مشعلك.

غدًا ستنسب إليك الذكريات،

وسيلعن ماضيك مستقبلك.

وسيعود ما لديك من هدوء،

وآثامك ستعيق خططك.

ويستفسر الإثم: أين المجرم؟

وكيف انتهى به الأمر؟ أي طريق سلك؟

غدًا لا تقل تبت: لا تعتذر،

تحسر على ما فقدته،

ولا تسأل: أين يكون مستقبلي؟

فلا دخان بدون نار،

غدًا لن أصفق لأفراح الظلام،

سأهتف: يا فجر، ما أجملك.

قصيدة عتاب من شهيد

يقول عبدالعزيز جويدة:

من لحظة موتي،

من بحّة صوتي،

من طول عذابي،

من هول عتابي،

أنا دم شهيد،

ملابس العيد،

والدم القاني،

زهرة أوطاني،

أحرق أوراقي،

أنثر أوراقي،

أنا فيض حنين،

لصلاح الدين،

والشيخ ياسين،

ولأرض جنين،

من عبق الطيب،

في جرح حبيب،

وزميل كفاح،

ورفيق سلاح،

دمه الفواح،

قتل الأفراح،

يا حقل جراح،

في قلب بنيه،

ورحيل أبيه،

ومَشيب أخيه،

من أجل الثار،

أين الثوار؟

والولد البار،

من يمحو العار؟

قال العراف: الأرض تخاف،

ممن ستخاف؟

قال العراف: حرب استنزاف،

ضد الأعداء،

قال العراف: بين الأبناء،

فالأرض تضيق،

وحياة الضيق،

لم تبق عدوًا،

لم تبق صديقًا،

خلف الأسلاك،

لا شيء سواك،

والدرب طويل،

والزاد قليل،

واليأس جبال،

مات الأطفال،

وخطوط حمراء،

وخطوط خضراء،

وهنود حمر،

في ساحة القتال،

من أجل السلطة،

من أجل المال،

ودعاة نضال،

أبواق دعاية،

أشباه رجال،

ضيعت العمر،

خلف الموال،

أمل قد خاب،

خلف الأبواب،

ماذا سيحدث؟

سيخرج “مسرور”،

بيديه السيف،

يغتال الحلم،

في ليلة صيف.

قصيدة عتاب مع النفس

يقول محمد مهدي الجواهري:

عتبتُ ومالي من معتب،

على زمن حول قلبًا،

ألصق بالدهر ما نجتوي،

ونختص إحنا بما نجتبي؟!

كأن الذي جاء بالمخبثات،

غير الذي جاء بالطيب!

وما الدهر إلا أخو حيدة،

مطل على شرف يرتبي.

يسجل معركة الكائنات،

مثل المسجل في مكتب،

فما للزمان وكفي إذا،

قبضتُ على حمة العقرب؟!

وما لليالي ومغرورة،

تجشموني خطر المركب؟

بنابي من قبل ناب الزمان،

ومن قبل مخلبه مخلبِ،

تفرى أديمِي، لم أحرس،

عليه احتفاظًا ولم أحنب!

بناء أقيم بالجهود،

وسهرة أم ورعى أب،

وأضفت عليه الدروس،

لونًا من الأدب المُعجب.

عدوت عليه فهدّمت،

كأن ليس لي فيه من مطلب!

يداي أعانت يد الحادثات،

فرُّنِق طوع يدي مشربي.

أجد وأعلم علم اليقين،

بأني من الدهر في ملعب!

وأن الحياة حصيد الممات،

وأن الشروق أخو المغرب!

وإني على قدر ما كان،

بالفجآت من قسوةٍ كان بي،

بعثت البواعث تصطنني،

وأبصرت منجًى فلم أهرب!

وثارت مخيلتي تدعي،

بأن التنزل مرعى وبي،

وأن الخيانة ما لا يجوز،

وأن التقلّب للثعلب.

وأنِّ ليس في الشر من مغنم،

يُعادل ما فيه من مثلب.

ولما أخذت بها وانثنيت،

نزولًا على حكمها المرعب،

ووطنت نفسي كما تشتهي،

على مطعمٍ خشنٍ أجشب.

مشى للمثالب ذو فطنةٍ،

بقوة ذي لبد أغلب.

جسور رأي أن من يقتحم،

يحكم، ومن ينكمش يُنهب.

وأفرغها من صنوف الخداع،

والغش في قالبٍ مذهب.

فرفّت عليه رفيف الأقاح،

في منبت نضرٍ معشب.

تُسمى خلايق محمودة،

ويُدعى أبا الخلق الأطيب.

قصيدة عتاب من القبر

يقول فاروق جويدة:

يا أيها الطيف البعيد،

في القلب شيء من عتاب.

ودعت أيامي، وودعني الشباب،

لم يبق شيء من وجودي غير ذرات التراب.

وغدوت يا دنياي وحدي لا أنام،

الصمت ألحان أرددها، هنا وسط الظلام.

لا شيء عندي لا رفيق ولا كتاب،

لم يبق شيء في الحنايا غير حزن واكتئاب.

فلقد غدوت اليوم جزءًا من تراب،

بالرغم من هذا أحن إلى العتاب!

أعطيتك الحب الذي يرويك من ظمأ الحياة،

أعطيتك الأشواق من عمر تداعى في صباه.

قد قلت لي يومًا:

((سأظل رمزًا للوفاء،

فإذا تلاشى العمر يا عمري،

ستجمعنا السما))

ورحلت يومًا إلى السماء،

وبنيت قصرًا من ظلال الحب،

في قلب العراء.

وأخذت أنسج من حديث الصمت،

ألحانا جميلة..

وأخذت أكتب من سطور العشق،

أزجالا طويلة.

ودعوت للقصر الطيور،

وجمعت من جفن الأزاهر،

كل أنواع العطور.

وفرشت أرض القصر،

أثواب الأمل،

وبنيت أسوارًا من الأشواق،

تهفو للقبل.

وزرعت حول القصر زهر الياسمين،

قد كنت دوما تعشقين الياسمين.

وجمعت كل العاشقين،

فتعلموا مني الوفاء،

وأخذت أنتظر اللقاء..

ورأيت طيفك من بعيد،

يهفو إلى حب جديد.

وسمعت همسات الهوى،

تنساب في صوت الطبول..

لم خنت يا دنياي؟!

أعطيتك الحب الذي يكفيك عشرات السنين،

وقضيت أيامي يداعبني الحنين..

ماذا أقول؟

ماذا أقول وحبي العملاق في قلبي يثور؟

قد صار لحنًا ينشد الأشواق في دنيا القبور.

قد عشت يا دنياي أحلم باللقاء،

وبنيت قصرًا في السماء.

القصر يا عمري هنا أبقى القصور،

فهواك في الدنيا غرور في غرور.

ما أحقر الدنيا وما أغبى الحياة،

فالحب في الدنيا كأثواب العراة.

فإذا صعدتم للسماء،

سترون أن العمر وقت ضائع وسط الضباب.

سترون أن الناس صارت كالذئاب،

سترون أن الناس ضاعت في متاهات الخداع.

سترون أن الأرض تمشي للضياع،

سترون أشباح الضمائر،

في الفضاء تمزقت.

سترون آلام الضحايا،

في السكون تراكمت.

وإذا صعدتم للسماء،

سترون كل الكون في مرآتنا.

سترون وجه الأرض في أحزاننا.

أما أنا،

فأعيش وحدي في السماء،

فيها الوفاء،

والأرض تفتقد الوفاء.

ما أجمل الأيام في دنيا السحاب،

لا غدر فيها، لا خداع، ولا ذئاب.