أجمل الأخبار
من قصائد نزار قباني في الحب:
كتبت (أحبك) على جدار القمر
(أحبكِ بشدة)
كما لا أحبكِ يوماً أي إنسان
ألم تقرأيها؟
بخط يدي
على سور القمر
وعلى كراسي الحديقة..
وعلى جذوع الأشجار
وعلى السنابل
وعلى الجداول
وعلى الثمار..
وعلى الكواكب تزيل عنها
غبار السفر..
حفرت (أحبك) على عقيق السحر
حفرت حدود السماء
حفرت القدر..
ألم تلاحظيها؟
على ورقات الزهر
وعلى الجسر، والنهر، والمنحدر
وعلى صدفات البحار
وعلى قطرات المطر
ألم ترينها؟
على كل غصنٍ
وكل حصاةٍ، وكل حجر
كتبت على دفتر الشمس
أجمل الخبر..
(أحبك جداً)
فا ليتك قرأت الخبر
الأب
من قصائد نزار عن الأب:
هل مات والدك؟
مستحيل! لا يموت والدي.
ففي البيت منه
عطر الرب.. وذكريات نبي
هذا هو ركنه.. تلك أشياؤه
تنبت من ألف غصنٍ صبي
صحيفته. يفتقده. مكانه
كأن أبي – بعدُ – لم يغادر
وصحن الرماد.. وفنجانه
لا يزال كما هو.. لم يُشرب
ونظارته.. هل تنسى الزجاج
عيوناً أصفى من المغرب؟
بقاياه، في الغرف الفسيحة
بقايا النسر على الملعب
أجول الزوايا عليه، فحيثُ
أمر.. أمر على معشبي
أشد يديه.. أميل عليه
أصلي على صدره المتعب
أبي.. لا يزال بيننا، والحديث
حديث الكؤوس على المشراب
يسامرنا.. فالدوالي الحبالى
تتوالد من ثغره الطيب..
أبي، كانت له من جنةٍ
ومعنى من الأرحب الأرحب..
وعينا أبي.. ملجأ للنجوم
فهل يذكر الشرق عيني أبي؟
بذاكرة الصيف من والدي
كرومٌ، وذاكرة الكوكب..
أبي يا أبي .. إن تاريخاً طيباً
يمشي خلفك، فلا تعتبى..
على اسمك نمضي، فمن طيبٍ
شهي المجاني، إلى أفضل
حملتك في صحو عينيّ.. حتى
تهيأ للناس أني أبي..
أحملك حتى بنبرة صوتي
فكيف ذهبت.. ولا زلت بي؟
إذا الزهرة أعطت لدينا
ففي البيت ألف فمٍ مذهب
فتحنا لتَموزَ أبوابنا
ففي الصيف لا بد أن يأتي أبي..
نهر الأحزان
من قصائد نزار الحزينة:
عيناك كنهري أحزان
نهري موسيقى.. حملاني
وراء الأزمان
نهران قد ضاعا
سيّدتي.. ثم أضاعاني
الدمع الأسود فوقهما
يتساقط أنغام بيان
عيناك وتبغي وكحولي
والقدح العاشر أعماني
وأنا في المقعد محتَرقٌ
نيراني تأكل نيراني
أأقول أحبك يا قمري؟
آهٍ لو كان بإمكاني
فأنا لا أملك في الدنيا
إلا عينيك وأحزاني
سفني في المرفأ باكية
تتمزق فوق الخلجان
ومصيري الأصفر حطمني
حطّم في صدري إيماني
أأسافر دونك ليلكتي؟
يا ظل الله بأجفاني
يا صيفي الأخضر يا شمسي
يا أجمل.. أروع ألواني
هل أرحل عنك وقصتنا
أحلى من عودة نيسان؟
أحلى من زهرة غاردينيا
في عتمة شعر إسباني
يا حبي الأوحد.. لا تبكي
فدموعك تحفر وجدانى
إني لا أملك في الدنيا
إلا عينيك.. وأحزاني
أأقولُ أحبكِ يا قمري؟
آهٍ لو كان بإمكاني
فأنا إنسان مفقود
لا أعرف في الأرض مكاني
ضيّعني دربي.. ضيّعني
اسمي.. ضيّعني عنواني
تاريخي! ما ليَ تاريخ
إني نسيان النسيان
إني مرساة لا ترسو
جرح بملامح إنسان
ماذا أعطيكِ؟ أجيبي
قلقي؟ إلحادي؟ غثياني
ماذا أعطيكِ سوى قدرٍ
يرقص في كف الشيطان؟
أنا ألف أحبكِ.. فابتعدي
عنّي.. عن ناري ودخانِي
فأنا لا أملك في الدنيا
إلا عينيكِ.. وأحزاني
اغضب
يقول على لسان المرأة:
اغضب كما تشاء..
وجرح مشاعري كما تشاء..
حطّم أواني الزهر والمرايا
هدّد بحب امرأةٍ سوايا..
فكل ما تفعله سواء..
كل ما تقوله سواء..
فأنت كالأطفال يا حبيبي
نحبهم، مهما أساؤوا إلينا..
اغضب!
فأنت رائع حقاً متى تثور..
اغضب!
فلولا الموج ما تكوّنت بحور..
كن عاصفاً.. كن ممطراً..
فإن قلبي دائماً غفور..
اغضب!
فلن أجيب بالتحدّي
فأنت طفل عابث..
يملؤه الغرور..
وكيف من صغارها..
تنتقم الطيور؟
اذهب..
إذا يوماً مللت مني..
واتهم الأقدار واتهمني..
أما أنا فإني..
سأكتفي بدمعي وحزني..
فالصمت كبرياء
والحزن كبرياء
اذهب..
إذا أتعبك البقاء..
فالأرض فيها العطر والنساء..
والأعين الخضراء والسوداء
وعندما تريد أن تراني
وعندما تحتاج كطفل إلى حناني..
فعُد إلى قلبي متى تشاء..
فأنت في حياتي الهواء..
وأنت.. عندي الأرض والسماء..
اغضب كما تشاء..
واذهب كما تشاء..
واذهب.. متى تشاء..
لا بد أن تعود ذات يوم
وقد عرفتَ ما هو الوفاء..
من يوميات رجل مجنون
من قصائده في الحب:
1
إذا ما صرخت:
“أحبك جداً”
“أحبك جداً”
فلا تسكتيني.
إذا ما أضعت اتزاني
وطوقت خصرك فوق الرصيف،
فلا تنهريني..
إذا ما نزفت كديكٍ جريحٍ على ساعديك
فلا تسعفيني..
إذا ما خرجت على كل عرف، وكل نظام
فلا تقمعيني..
أنا الآن في لحظات الجنون العظيم
وسوف تضيعين فرصة عمرك
إن أنت لم تستغلي جنوني.
2
إذا ما تدفقت كالبحر فوق رمالك..
لا توقفيني..
إذا ما طلبت اللجوء إلى كحل عينيك يوماً،
فلا تطرديني..
إذا ما انكسرت فتافيت ضوءٍ على قدميك،
فلا تسحقيني..
إذا ما ارتكبت جريمة حبٍ..
وضيع لون البرونز المعتق في كتفيك..
يقيني
أنا الآن في لحظات الجنون الكبير
وسوف تضيعين فرصة عمرك،
إن أنت لم تستغلي جنوني.
4
إذا ما كتبت على ورق الورد،
أني أحبك…
أرجوك أن تقرأيني..
إذا ما رقدت كطفلٍ، بغابات شعرك،
لا توقظيني.
إذا ما بعثت بألف رسالة حبٍ
إليك…
فلا تحرقيها.. ولا تحرقيني..
5
إذا ما رأوك معي، في مقاهي المدينة يوماً،
فلا تنكريني..
فكل نساء المدينة يعرفن ضعفي أمام الجمال..
ويعرفن ما مصدر الشعر والياسمين..
فكيف التخفي؟
وأنت مصورة في مياه عيوني.
أنا الآن في لحظات الجنون المضيء
وسوف تضيعين فرصة عمرك،
إن أنت لم تستغلي جنوني.
6
إذا ما النبيذ الفرنسي،
فك دبابيس شعرك دون اعتذار
فحاصرني القمح من كل جانب
وحاصرني الليل من كل جانب
وحاصرني البحر من كل جانب
وأصبحت آكل مثل المجانين عشب البراري..
وما عدت أعرف أين يميني..
وما عدت أعرف أين يساري؟
7
إذا ما النبيذ الفرنسي،
ألغى الفروق القديمة بين بقائي وبين انتحاري
فأرجوك، باسم جميع المجاذيب، أن تفهميني
وأرجوك، حين يقول النبيذ كلاماً عن الحب.
فوق التوقع.. أن تعذريني.
أنا الآن في لحظات الجنون البهي
وسوف تضيعين فرصة عمرك
إن أنت لم تستغلي جنوني.
8
إذا ما النبيذ الفرنسي،
ألغى الوجوه،
وألغى الخطوط،
وألغى الزوايا.
ولم يبق بين النساء سواك.
ولم يبق بين الرجال سوايا.
وما عدت أعرف أين تكون يداك..
وأين تكون يدايا..
وما عدت أعرف كيف أفرق بين النبيذ،
وبين دمايا..
وما عدت أعرف كيف أميز بين كلام يديك
وبين كلام المرايا..
إذا ما تناثرت في آخر الليل مثل الشظايا
وحاصرني العشق من كل جانب
وحاصرني الكحل من كل جانب
وضيعت إسمي.
وعنوان بيتي..
وضيعت أسماء كل المراكب
فأرجوك، بعد التناثر، أن تجمعيني.
وأرجوك، بعد انكساري، أن تلصقيني
وأرجوك، بعد مماتي، أن تبعثيني
أنا الآن في لحظات الجنون الكبير
وسوف تضيعين فرصة عمرك
إن أنت لم تستغلي جنوني.
9
إذا ما النبيذ الفرنسي،
ألغى اللغات جميعاً.
وحول كل الثقافات صفرا..
وكل الحضارات صفرا
وحول ثغرك بستان وردٍ
وحول ثغري خمسين ثغرا..
فباسم السكارى جميعاً
وباسم الحيارى جميعاً
وباسم الذين يعانون من لعنة الحب،
أرجوك لا تلعنيني..
وباسم الذين يعانون من ذبحة القلب،
أرجوك لا تذبحيني..
أنا الآن في لحظات الجنون العظيم
وسوف تضيعين فرصة عمرك،
إن أنت لم تستغلي جنوني..