أشعار وطنية للشاعر أحمد شوقي

ألا بديارهم جن الكرام

ألا بديارهم جن الكرام

وشفهم بليلاها الغرام

بلاد أشرقت منها أنوار الحياة

وصرحت برائحة الفطام

وخالطت تربها بقايا من أحب

رفات حبيب أو عظام

هذا بناء يعود إلى أسلافنا

يكتمل بالأبناء ويتواصل

توالت أيادي المحسنين فشيدوا

وأيدي المحسنين كانت الأعمدة

وظهرت في عنان الجود علامة

كمنزل السموال لا يرام

يضيء النجم ليلاً من ضيائه

ويلمسها فتحلق الغيوم

كان له في الزمان الأول ذكر

وإذا ذكر اسمه ابتسم الذمام

كلا الجبلين حر مبدع

في محرابه ملك شجاع

أُزيلوا عن معاقلهم فأصبحوا

في معقل الصخر ملاذًا لهم

يا ساكني مصر إنا لا نزال على

يا ساكني مِصرَ نحن لا نزال على

عهد الوفاء وإن غبنا مقيمين

هلّا بعثتم لنا من ماء نهرِكمُ

شيئًا نبلل به أحشاء صادينا

كل المناهل بعد النيل آسنة

ما أبعد النيل عن أمانينا

يقولون عن مصر بلاد عجائب

يقولون عن مصر أنها بلاد العجائب

نعم ظهرت العجائب في وطن مصر

تقدمت فيها الأقوال بسبب الشبهات

وتقلد الأبرياء المناصب خلف القضبان

في الوقت الذي تم إقصاء الجميع

فقط فهمي وأقاربه كانوا في المقدمة

يا ورد، لقد أصبح هذا الحكم والله إطلاقًا

واكتملت الأحكام بالمآسي

ولم يبقَ إلا أنت فينا وقيصر

وقيصر رغم كل شيء مغلوب

اليوم نَسود بوادينا

اليوم نملك بوادينا

ونستعيد محاسن ماضينا

ويشيد الفخر بأيدينا

وطن نضحي له ويضحي لنا

وطن بالحق نؤيده

وبعين الله نبنيه مجددين

ونعمل على تحسينه وتزيينه

بالمآثر والمساعي الجادة

هذا سر التاريخ وعنصره

وسرير الدهر ومنبره

وجنان الخلد ومواردها

وكفى الآباء بثمار تكوينهم

نتخذ الشمس تاجًا له

وضحاها عرشًا متلألئًا

وسماء المجد أبراجًا

وكذلك كانت أجدادنا

العصر يراقبكم والأمم

والكرنك يلقي نظرة على الهَرَم

يا أبناء الوطن، ألا هِمَمُ

كأبطال الماضي ترفعنا

سعيًا غير متوقف في الأفق

لتحصيل المجد وللعليا

ولنجعل من مصر هي الدنيا

ولنجعل من مصر هي الدنيا

يا مصر سماؤك جوهرة

يا مصر، سماؤك كنز ثمين

وثراك بحار مليئة بالحب

والنيل ينساب حياةً عذبة

ونعمة جذابة من مياهه

والملك السعيد حاضر دوماً

لك في الدنيا مستقبل حر

والعصر يقرب إليك

ومداركك تتواصل كالوداد

والشرق يحقق لك المجد

وحضارة جيلك تسلط الضوء

لبنايتك بين قصورك

أعلى التاريخ وأمجده

بفضل الهمة سنعيده

وبنشر العلم نجدد في كيانك

تاج البلاد تحية وسلام

تاج البلاد، تحية وسلام

أعدّتك مصر وصارت الأحلام حقيقية

العلم والملك الرفيع، كلاهما

لك يا فؤاد جلالة ومقام

فكأنك المأمون في سلطانه

تحت ظلِّك الأعلام والأقلام

أهدى إليك الغرب من ألقابه

ما يرفع سمعتك في العلم والمكانة

من كل مملكة وكل جماعة

يسعى لك التقدير والإعظام

ما هذه الغرف الزواهر كالشمس

كالأعلام الشامخة في السماء

من كل مرتفع كالصباح

يرسم خيوط النور ويبدد الظلام

تتحطم الأمية الكبرى بدعمك

وتزول الأوهام من بيننا

هذا البناء الفاطمي منارة

وقواعد لحضارة ودعائم مستقبلية

مهد يعد للوليد وأيكة

يغني فيها حمام وزقزوق بلبل

شرفاته ضوء الطريق وزاويته

للعبقرية منزل رفيع ومقام

وملاعب تجري الحظوظ فيها

والنجاح يفضي بها لمصائر جديدة

يمشي فيها الفتيان حاملين أحلامهم

تلك هي الروح التي تسودهم ومسيرتهم

تتصلب الأماني تحت ظلاله

نفس من المجد تجريان بشغف كبير

من آل إسماعيل، لم يقصّر العمّات

ولا الأعمام في كرمهم وفضلهم

لم تُعطَ عزائمهم ولا أفعالهم

سالت في وادي الملوك همام

وأقام فؤاد حائطيه يعينه

شعب متحفز لا ينام

انظر أبا الفاروق غرسك يتفتح

هل دنت ثماره وفي الطل أعلام

وهل واديه ازدهر وطلعت ثماره

وجاء العراق مشاطراً والشام

في كل عاصمة وكل مدينة

شبان مصرَ يسيرون على المناهل حكوماتهم

كم نستعير من الآخرين ونستزرع

لكن ما للعاريات دوام

اليوم يزدهر في خمائل أراضيهم

نشأة تتوجه لداعي الغناء

حبّ غرست بيديك ولا يزال

تسقيه من كلتا يديك الغمام

حتى برزت في أسواقهم

ثمراً يثقل كاهل الأكمام

قريبهم يجلب لهم الجديدة

وبعيدهم ينطبق عبق الماضي

عظة لفاروق وصالح جيله

فيما تحصد الثمار والنجاح

ونموذج يقتدي به الجميع

وبنجاحهم يتشبه الأقوام

شيّدت صرحاً للكنوز عالياً

يؤوي الجمال والإلهام

رف أعلى عيون الكتب فيه طوائف

وحملات الأسفار فيه مكدسة

إسكندرية عادت كنزك سالماً

حتى كأن لم يلتهمه لهيب النيران

جمعت من لهب الحريق أعماقاً

برداء يتلامس مع السلام

وجراحة قديمة توارت راحتها

جرح الزمان يلتئم بحضورك

تمنح الحياة من الفخار وقد تبعث

لديها بقايا المجد لاحام

هل رأيت ركن العلم كيف يتعزز

هل رأيت الاستقلال كيف يتحقق

العلم في مجريات الحضارة

قائد لكل جماعة وراية

باني الممالك حين تنشد بناءً

ومأوى الأوطان عند الازمات

قامت أركان العلم في الوادي فهل

للعبقرية والنبوغ من مجال

فهما الحياة وكل دور ثقافة

أو دور تعليم هي الجسم المتكامل

ما العلم إن لم يصنع حقيقة

للطالبين ولا يكون البيان كلامًا

يا مهرجان العلم، من حولك فرحة

وعليك من آمال مصر زحام

ما أشبهتك مواسم الوادي ولا

أعياده في الدهر وهي عظيمة

إلا نهاراً في بشاشة صباحه

قعد البناة وقامت الأهرام

وأطال خوفو من مواكب عزه

فاهتزت الربوات والآكام

يومي بتاج في الحضارة معبق

تتعالى الرؤوس لعزه والأفكار

تاج تعاقبت عليه العصور معظماً

وتأسست الدول عليه بكرامة

عندما اضطلعت به مشى فيه الهدى

ومراشد الدستور والإسلام

سبقت مواكبك الربيع وحسنها

فالنيل زهو والضفاف وسامها

الجيزة الفيحاء آذنت بمكانة

سبغ النوال عليه والإنعام

قد ارتدت زينتها ولمست طيبها

وترددت في أكنافها الأنغام

أضفت لها هرماً يعقد فناؤه

ويُشد أزر الدنيا إليه حزام

تقف القرون يومًا على درجاته

تيمم الثناء وتكتب الأيام

أعوام جهد في الشباب وراءها

من جهد خير كهولة أعوام

بلغ البناء بيديك تمامه

ولكل ما تبني يداك تمام