أصول الوجود في الفلسفة اليونانية القديمة

أصول الوجود في الفلسفة اليونانية

تُعتبر قضية أصل الوجود من القضايا الأساسية التي درسها الفلاسفة اليونانيون. حيث كان السؤال المطروح هو: “ما هو أصل الوجود؟”. ومن المعروف أن اليونان كانت من أوائل الحضارات التي قدمت إجابات لهذا السؤال. تجدر الإشارة إلى أن هذا السؤال يحمل طابعًا علميًا، بعيدًا عن مجرد التأمل الفلسفي، إذ انطلق الفلاسفة في أبحاثهم من العالم المادي. استمر هذا النهج حتى ظهور سقراط وأفلاطون، ومن بين أبرز الفلاسفة الذين قدموا إسهامات مهمة في هذا السياق نجد:

طاليس الملطي

طاليس هو فيلسوف يوناني معروف بمساهماته العلمية، وكان له اهتمامات في مجالات السياسة والاجتماع والأخلاق. قام أيضًا بتطوير تقنيات في مجال الهندسة وحقق إنجازات في الرياضيات، كما أنه كانت له دراسات فلكية. وقد اعتبر أن العنصر الأساسي للوجود هو الماء، وذلك للأسباب التالية:

  • كان يعتقد أن المادة التي ينشأ منها الشيء يجب أن تكون أصل وجوده، وبما أن الماء يشكل عنصرًا أساسيًا فلابد أن يكون مصدر كل شيء.
  • رأى أن الماء يعد أول العناصر، كونه بسيطًا وغير مركب.
  • تتعلق وجهة نظره بطريقة حياته، حيث كانت معظم حياته تعيش بين الجزر.

أنكسيمندريس

تلميذ طاليس، أنكسيمندريس كان له دورٌ مهم في تطوير أدوات ومجسمات، بما في ذلك الكرة الأرضية. وقد عارض نظرية أستاذه حول أصل الوجود، حيث اقترح وجود مادة غير محدودة في الكمية والنوعية، وهي أصل الوجود، وهي عبارة عن مزيج يمتزج فيه صفات متضادة مثل الحرارة والبرودة والجفاف والرطوبة.

أنكسيمانس

تلميذ آخر لأنكسيمندريس، يُنسب إليه العديد من النظريات المتعلقة بشكل سطح الأرض وحركة الكواكب والشمس. وقد عاد إلى فكرة أستاذه الأول حول وجود عنصر واحد كأساس للوجود، ولكن اختلف حول طبيعة هذا العنصر. بالنسبة له، كان الهواء هو المادة الأولية للوجود، وبالتالي استبدل فكرة المادة غير المحدودة والماء بالهواء، وذلك لأسباب عدة، منها:

  • يعتبر الهواء أكثر بساطة وأقل تعقيدًا من الماء.
  • يحيط الهواء بالأرض من جميع الجهات، بما في ذلك الغلاف الجوي.

الفلاسفة الطبيعيون المتأخرون

تُنسب هذه الفئة من الفلاسفة إلى فترة زمنية متأخرة عن الفلاسفة الطبيعيين الأوائل، وقد تأثروا بأفكارهم وكذلك بالمدرسة الفيثاغورية، وأكّدوا على ضرورة توسيع البحث الفلسفي في أصل الوجود. ومن هؤلاء الفلاسفة:

أنبادوقليس

يتميز بحث أنبادوقليس عن الأبحاث السابقة بكونه لا يعتبر أن الوجود يمكن الإرجاع إلى مادة واحدة، بل قال إن هناك أربعة عناصر أساسية للوجود، وهي الماء، والهواء، والنار، والتراب. ويعتبر أول من أشار إلى أن التراب يُعد عنصرًا في الوجود، موضحًا أن وزن الهواء لا يعيق اعتباره عنصرًا أساسيًا كما اعتقد طاليس وأنكسيمانس.

تتميز هذه العناصر بالتوازن، حيث لا يوجد ترتيب هرمي بينها، وكل عنصر له خاصية تميزه عن العناصر الأخرى، ويمكن توضيح ذلك من خلال الجدول التالي:

العنصر الخاصية أو الصفة المميزة
الماء الرطوبة
الهواء البرودة
النار الحرارة
التراب الصلابة

ديموقريطس

عمل ديموقريطس على التوفيق بين التجارب الحسية والمدرسة الإيلية، وقد اقتنع بمجموعة من آراء الإيليين بأن الفراغ غير موجود. وذهب إلى أن وجود الأشياء لا يمكن أن يكون ناتجًا عن عدم الوجود، لكن فلسفته تعتمد على أن الكون مركب من ذرات لا متناهية. عُرف مذهب ديموقريطس بـ “المذهب الذري”، في حين اعتقد أن النفس أيضًا تتكون من مادة.

يمكن اعتبار الذرات مفاهيم مادية، لكن مفهوم الجوهر انزلق إلى الفلسفة الميتافيزيقية في العصور اللاحقة. ومع ذلك، فإن فكرة الذرات كأساس للوجود أثرت بشكل كبير في تاريخ الفلسفة، حيث تطور عليها الفلاسفة الأبيقوريون، الذين اعتقدوا أن الحركة والعمليات الآلية هي المبدئ الحاكم لهذه الذرات، حيث كانت الحركة مفهومًا محوريًا في فلسفته.

أنكساغورس

تلميذ آخر لأنكسيمانس، درس في مدرسته وكان لديه تصور متميز حول جوهر الأشياء. وركز على المبدأ الذي أكده ديموقريطس، وهو أن لا شيء يمكن أن يظهر من عدم الوجود، وأن الوجود يتكون من مبادئ لا نهائية سواء من حيث العدد أو الحجم.

تتجمع هذه العناصر أو المبادئ في الأشياء ولكن بكميات مختلفة، ومن خلال هذه الاختلافات، يتشكل الكون ويحدث الفساد، مما يجعل لكل جسم طبيعته الخاصة. لذلك، خلص إلى أنه من المستحيل حصر جميع طبائع الجواهر.