أعلى مراتب الجنة

الجنة

تعتبر الجنة مكانًا عظيمًا، فسبحان من خلقها وأعدّها، دارٌ تنعم فيها الأرواح، حيث تحقق الآمال وتلتقي الرغبات. فهي تحتوي على كنوز من المشاعر، حيث لم تُشاهد عين ولم تسمع أذن ولم تتخيلها قلوب البشر، تضم فواكه مما يختاره أهلها ولحومًا مما يتمنون، وانهارًا متنوعة، فمنها ماء طاهر، ومنها لبن، ومنها خمر، ومنها عسل صافٍ. تجري الأنهار بلا قيود، وظلها ممتد، وخيرها لا يُعد ولا يُحصى. فتبارك الرب الذي يُعبد، ولها ثمانية أبواب، ما بين كل بابين مسافة أربعين سنة، وعندما يصل أهل الجنة إليها يجدون أبوابها مفتوحة، كما يقول الله تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا). إن صفات الجنة وفضلها الكبير، ونعمها الدائمة، جعل أحدهم يسعى بجدٍ لتحقيقها، كما فعل الصحابة -رضوان الله عليهم- الذين اهتدوا بهديهم واجتهدوا في العبادة كقيام الليل وصيام النهار سعيًا للحصول على جنة عرضها السماوات والأرض.

أعلى درجة في الجنة

تحوي الجنة درجات متعددة، وكل من فيها متفاضل حسب منازله. وقد أشار الله -عز وجل- إلى تفاوت البشر في الآخرة أكثر مما هو موجود في الدنيا، فدرجات الآخرة أعلى وأشرف من درجات هذه الحياة، كما ورد في قوله تعالى: (انظُر كَيفَ فَضَّلنا بَعضَهُم عَلى بَعضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكبَرُ تَفضيلًا). وقد وصف شيخ الإسلام ابن تيمية تفاضل هذه الدرجات بقوله: “والجنة درجاتٌ متفاضلة تفاضلاً عظيماً، وأولياء الله المؤمنون المتّقون يتفاوتون في تلك الدرجات بحسب إيمانهم وتقواهم”.

أما درجة الفردوس، فهي قمة درجات الجنة، بحسب ما أشار إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (إنَّ في الجَنَّةِ مِئَةَ دَرَجَةٍ، أعَدَّها اللَّهُ لِلْمُجاهِدِينَ في سَبيلِ اللَّهِ، ما بيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كما بيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، فإذا سَأَلْتُمُ اللَّهَ، فاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فإنَّه أوْسَطُ الجَنَّةِ وأَعْلَى الجَنَّةِ -أُراهُ- فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَانِ، ومِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهارُ الجَنَّةِ). يتبين من هذا الحديث أن جنة الفردوس هي أعلى وأشرف الدرجات، لقربها من عرش الرحمن، إلا أن هناك أحاديث أخرى تشير إلى أن الوسيلة هي أعلى درجة، ولا ينالها إلا نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم. ويدل على ذلك قوله -صلوات الله عليه-: (الوسيلةُ درجةٌ عندَ اللهِ ليسَ فوقَها درجةٌ فَسَلُوا اللهَ أن يُؤتِيَني الوسيلةَ على خَلقِه). الكلمة وسيلة تتعلق بالقرب، وتأتي بمعنى القرب من الله، ولذلك فهي أفضل وأعظم درجات الجنة، لأنها الأقرب إلى عرش الرحمن.

عندما يسمع المسلم الأذان، يُستحب له أن يتبعه ويطلب من الله -تعالى- منح الوسيلة والفضل لنبيه -عليه الصلاة والسلام- في الآخرة، حتى ينال شفاعته، كما ورد في قوله: (مَن سَأَلَ لي الوَسِيلَةَ حَلَّتْ له الشَّفاعَةُ). ومن المستحب أيضًا طلب الوسيلة بعد الإقامة، حيث يتفق أهل العلم على أهمية هذا الطلب.

طرق تحصيل أعلى درجة في الجنة

أعلى درجات الجنة، وهي الفردوس، تحتوي على نعيم لا يُصوَّر، وقربها من عرش الرحمن يجعلها أسمى مراتب الجنة. وقد وضح الله -سبحانه- الخصائص التي ينبغي للمسلم التحلي بها لتحقيق هذه الدرجة، والتي تشمل:

  • الخشوع في الصلاة: إذ تكون القلوب حاضرة والأجساد هادئة، حيث يشعر المؤمن بقربه من الله.
  • الإعراض عن اللغو: فهم ينأون بأنفسهم عن الأمور التافهة، ويتوجهون إلى ما ينفعهم.
  • التزكية: حماية النفس من الأخلاق السيئة، ودفع زكاة الأموال بنية خالصة.
  • حفظ الفروج: الالتزام بالستر وغض البصر عن المحرمات.
  • رعاية الأمانة والعهد: الوفاء بالعقود والالتزامات مع الخلق.
  • المحافظة على الصلاة: بالتزامهم بأوقاتها وشروطها وأركانها وواجباتها.