قصيدة كَرَمُ الطَّبْعِ شِيمَة الأَمْجَادِ
يُعبِر الشاعر محمود سامي البارودي في قصيدته:
كَرَمُ الطَّبْعِ شِيمَةُ الأَمْجَادِ
وَجَفَاءُ الأَخْلاقِ شَأْنُ الْجَمَادِ
لن يسود الفتى حتى لو امتلك الحكمة
ما لم يكن من الأجوادِ
ولعَمْرِي إنَّ رِقَّةَ الطَّبْعِ أُولى
منعنادٍ يجرُّ حربَ الفسادِ
قد ينال الحليم بالرفق ما ليسَ
ينال الكمّي يومَ الجِلادِ
فاقرن الحِلْمَ بالسماحةِ تبلغْ
كُلَّ ما رُمتَ نَيْله من مرادِ
وَضَعِ البرَّ حيثُ يزكو لتجني
ثمر الشكر من غراس الأيادي
واحذر الناس ما استطعتَ فإنَّ الناسَ
أحلاسُ خدعةٍ وتَعادِي
ربَّ خِلٍ ترى طلق المحيا
وهو جَهُمُ الضميرِ بالأحقادِ
فتأمل مواقِعَ اللمحاتِ تعلمْ
ما طَوَتْهُ صحائفُ الأكبادِ
إن في العين وهو عضوٌ صغيرٌ
لدليلٌ على خفايا الفؤادِ
وأناسٍ صحبتُ منهم ذئاباً
تحت أثوابِ ألفةٍ وودادِ
يتمنّون لي العثار ويقابلونني
بوجهٍ إلى المودّةِ صادِ
سابقوني فقصروا عن لَحاقي
إنما السَبْقُ من خِصال الجوادِ
أنا ما بين نعمةٍ وحسودٍ
والمَعَالِي كثيرةُ الحُسّادِ
فليموتوا بغيظهم، فاحتمالُ الغَيْظِ
موتٌ لهم بلا مِيعادِ
كيف تبيضُّ من أناسٍ وجوهٌ
صبغ اللؤمُ عِرضهم بسوادِ؟
أظهروا زُخْرُفَ الخداعِ وأخفوا
ذات نفسٍ كالجمر تحت الرمادِ
فترى المرءَ منهم ضاحك السِّنّ
وفي ثوبه دماءُ العبادِ
معشرٌ لا وَلِيدُهم طاهرُ المهدِ
ولا كهْلُهم عَفِيفُ الوسادِ
تلكَ آثارهم تدلُّ على ما
كان منهم من جفوةٍ وتبادِ
ليس من يطلب المعالي للفخرِ
كمَن يطلب العلا للزّادِ
وقليلاً ما يصلح المرء للجدِ
إذا كان ساقطَ الأجدادِ
فاعتصم بالنُّهى تفز بنعيمِ الدهرِ
غضًّا، فالعقلُ خيرُ عتادِ
إن في الحكمة البليغة للروحِ
غذاءً كطبِّ الأجسادِ.
قصيدة كَرُمَ الزّمان ولم يكن بكريمِ
كتب الشاعر إبراهيم بن عبد القادر الرياحي:
كَرُمَ الزّمان ولم يكن بكريمِ
وصفا فكان على الصفاء نديمِي
وأفاض من نِعَمٍ عليَّ سوابغاً
للّه يُشكرها فمي وصميمي
عَظمَتْ على الشعر البليغ وربّما
عجز الثناء عن الوفا بعظيم
وأجلُّها نظري إلى ابن حرازم
وتمتُّعي من وجهه بنعيم
وتلذّذي من خلقه بمحاسنٍ
وتنعُّمي من خلقه بنسيم
وتعرُّفي من عَرْفِهِ بعوارف
ومعارف ولطائف وفهوم
وتعزّزي بتذلُّلي لجماله
وتشرّفي من نعله المخدوم
ذاك الذي حملَت خزائنُ سرّه
ما لو بدا لارتاب كلُّ حليم
وهو الذي مُنِحَ المعارفَ فارتقى
منها لأرفع سرّها المكتوم
وهو الذي جُعِلَت أسرَّةُ وجههِ
مرآةَ إسعادٍ وبرءٍ سقيم
وهو الذي نال الرضى من ربّه
وبنَيْله مَنْ شاء غيرَ مَلومِ
وهو الذي أذن الرسولُ بوصله
وأمدّه من عنده بعلوم
وهو الذي التجاني أودع سرّه
فيه وخصّ مقامه بعموم
وهو الذي، وهو الذي، وهو الذي
وهو الذي معناه غير مروم
عظمت لديه مواهب أضحت لها
هِمَمُ الورى تسعى بكلّ سليم
وسعت محبَّته إلى أرواحهم
فهي الغذاءُ لراحلٍ ومقيم
يا سيّدي ولكم دَعَوْتُ لسيّدي
حتى عرفتُك فاستبنتُ رجومي
وعلمتُ أني كنت أرقم في الهوى
وأسير خلفي والشقاء نديمي
يا موئلي وكفى بفضلك موئلاً
ومؤملي عند التِهابِ سَمومي
هل أنتَ كاشفُ كُربتي فلقد سَطَتْ
وطغتْ عليّ وساوسي وهمومي
هل أنت راحمُ شقوتي فَتُرِيحَنِي
فَخيَارُ أهلِ اللهِ خيرُ رحيم
هل مُنقِذٌ مَنْ قد تحيَّرَ لم يَجِدْ
من مُسْعِدٍ يُجْلي الهمومَ زعيمِ
فارحمْ دموعاً قد رأتك عيونُها
فتكرّمت باللؤلؤِ المنظوم
وجوانحاً جعلتك في سودائها
وقد اصطلت وتكلّمت بكلوم
وجوارحاً هرعت إليك يقودها
أصلٌ عظيمُ الشأن غير هضيم
وسرائراً ألوانُها بَلِيَتْ لما
وَجَدَتْ سوى شوقٍ إليك أليم
ومُتَيّمًا لولا التذكّر لم يكن
بمُجَدَّدِ الأشواق غير رميم
لا تَقْطَعَنْ أَمَلي وقد وَجَّهْتُه
يسعى إليك وأنت خيرُ كريم
وقد اتخذتُك في الأنام وسيلةً
وتوسُّلي بهداكَ غيرُ فصيم
وجعلت حُبّي عند فضلك ذمَّةً
وتذمُّماً بعلاك غيرَ ذميم
ورجوتُ من ربّي بفضلك ما أنا
أصبحتُ من معناه غيرَ عديم
يا مسنِدي يا مقصدي يا سيّدي
يا منجدي ومؤمّلي وحميمي
أنت الذي ربّي اصطفاك لِسِرِّه
وحباك من فضلٍ عليكَ عميم
فلك الهناءُ فأنت سلطان الورى
ولي الهناءُ بأن تقولَ خديمي
ورسولُه أولئك ما اعترفتْ به
لك أهلُ سِرِّ الله بالتقديم
فسلامُ ربك كلما هبّت صبا
يغشاك طيبُ مِزاجه المختوم.
قصيدة سل الملك الكريم إلام تبني
يقول الشاعر بديع الزمان الهمذاني:
سل الملك الكريم إلام تبني
وأين وقد تجاوزتَ السماءَ
أجدَّك لا براك اللَّه إلا
علاءً أو عطاءً أو وفاء
ولو ذوبتني ما كنت إلا
ولاءً أو دعاءً أو ثناء
منحتك من سواء الصدروداً
يكاد لفرطه يروي الظماءَ
أيعجزني إذا احتكُّوا هِناءٌ
وللكلبى إذا مرضوا شفاءَ
جريت مع الملوكِ إلى مداها
ففتهم سناءً وارتقاءً
فضلتهم ندى وفضلت مالاً
ومن طلب الثناءَ رمى الثراءَ
أمن جمع الدراهم واقتناها
كمن جمع النهى ليسوا سواء
يكاد التخت يورق جانباه
ويقطر عوده ليناً وماء
إذا خطرت له قدماك تسعى
إلى أعواده أو قيل جاءَ.
قصيدة الكريم
يقول الشاعر إيليا أبو ماضي:
قالوا: ألا تصف الكريم لنا؟ فقلت على البديه:
إنّ الكريم لكالربيع، تحبّه للحسن فيه
وتهشّ عند لقائه، ويغيب عنك فتشتهيه
لا يرضي أبداً لصاحبه الذي لا يرتضيه
وإذا الليالي ساعفته لا يدلّ ولا يتيه
وترى تبسم هازئاً في غمرة الخطب الكريه
وإذا تحرّق حاسدوه بكى ورقّ لحاسديه
كالورد ينفح بالشذى حتّى أنوف السارقيه.
شعر يا خيرَ ملتحفٍ بالمجدِ والكرمِ
يقول الشاعر ابن هانئ الأندلسي:
يا خيرَ ملتحفٍ بالمجدِ والكرمِ
وأفضلَ الناسِ من عربٍ ومن عجمٍ
يا ابنَ السدى والنّدى والمعلماتِ معاً
والحِلمِ والعلمِ والآدابِ والحكَم
لو كنتُ أُعطَى المُنى فيما أُؤمّلُهُ
حملْتُ عنك الذي حُمّلتَ من ألم
وكنتُ أَعْتَدُّهُ يداً ظفِرْتُ بها
من الأيادي وقسماً أوفرَ القسم
حتى تروح مُعافى الجسمِ سالمةً
وتستبل إلى العَلْياءِ والكرم
الله يَعْلَمُ أني مُذْ سمِعتُ بما
عراكَ لم أغتمضْ وجداً ولم أنم
فعند ذلك أنا مدفوعٌ إلى قلقٍ
ومرّةً أنا مصروفٌ إلى سدم
أدعوا وطوراً أُجيلُ الوجهَ مبتهلاً
على صعيدِ الثّرى في حِندِس الظُّلَم
وكيف لا، كيف أن يخطو السقامُ إلى
من في يديه شفاءُ الضُرّ والسّقم
إلى الهمامِ الذي لم ترن مقلتُهُ
إلاّ إلى الهممِ العظمى من الهمم
أجرى الكرامِ إلى غاياتِ مكرمةٍ
أجل وأمضَاهُمُ طُرّاً حسامَ فم
إيهاً لعاً لك يا ابنَ الصيدِ من ألمٍ
ولا لعاً لأناسٍ مظلمي الشيم
قومٌ تعرَّوا من الآدابِ واتشَحوا
مرادي اللؤمِ والإخلافِ للذِّمم
من كلّ أنحلَ في معقولِهِ خَوَصٌ
صفراً من الظرفِ مسلوباً من الفهم
كأنّهُ صنمٌ من بعدِ فطنتهُ
وما التنفُّسُ معهودٌ من الصنم
ولا زلت تسحب ذيول النّدى كرماً
في نعمةٍ غير مزجاةٍ من النعم.