أفضل قصائد الشعر العربي الفصيح

بانت سعاد فقلبي في حال من الشغف

نظم كعب بن زهير هذه القصيدة في مدح الرسول:

بانت سعاد، وقلبُي اليومَ متبولٌ

مُتيمٌ في محبتها، لم تفِدْ مُكبولُ

وما سعادُ غداة الحَبي، إذ رحلوا

إلا الغصون، عذبة الطّرفِ مَكحولُ

هيفاءُ، مُقبلةً، عجزاءُ مُدبرّةً

لا يُشتكى قصَرٌ فيها ولا طولُ

تُجلي عوارض الذُّلِّ إذا ابتسمت

كأنها مُنهَلٌ بالراحِ مَعقولُ

شُجَّت بماءِ الرِّيّ من ظلَّ مُحنَّيةٍ

صافٍ بأبطحٍ أضحى وهو مَشمولُ

تجلو الرّياح القذى عنها وأفرطَه

من صوبِ سارِيَةٍ بيضٍ يُعاليلُ

يا ويحَها لو صدقت في وعودها

ما كانت أتت إلا بالعدل والمقبولُ

لكِنها خُلّةٌ قد انتزعت من دَمها

فجعٌ وشوقٌ وإخلافٌ وتبديلُ

فلا تدوم على حالٍ تكون بها

كما تتلوّن في أَثوابها الغولُ

وما تمسكت بالوصل الذي زعمت

إلا كما تُمسِكُ الماءُ الغَربيلُ

كانت مواعيد عرقوبٍ لها مثلاً

وما مواعيدها إلا الأباطيلُ

أرجو وآملُ أن تعجلَ في أبدٍ

وما لهن طوالَ الدهرِ تعجيلُ

فلا تغرّكَ ما منَّت وما وعدت

إن الأماني والأحلامَ تضليلُ

صحا القلب إلا من خُمار أماني

واحدة من قصائد أحمد شوقي، شاعر العصر الحديث:

صحا القلب إلا من خُمارِ أمانِي

يجاذبني في الغيد رثّ عِناني

حنانيك يا قلبي، هل يعيد لك الصبى؟

وهل للشاب بديع يَدان؟

نحن نسترجع ذاك الزمان وطيبه

وهل أنتَ إلا دمٌ وحنان؟

إذا لم تصن عهداً، ولم ترعَ ذمّةً

ولم تذكرِ الإلف، فلستَ جناني

أتذكر حين نُعطي الصبابةَ حقَّها

ونشرب من صرف الهوى بدنان؟

وأنت خَفوقٌ، فالحبيب مباعدٌ

وأنت خَفوقٌ، والحبيب مدان؟

وأيامٌ لا آلو رِهانا مع الهوى

وأنتَ فؤادي عند كل رهان

لقد كنتُ أشكو بعد ما علَّلك الصبَى

فكيف ترى الكاسين تختلفان؟

وما زلتُ في ريع الشباب، وإنما

يشيبُ الفتى في مصرَ قبل أوان

ولا أكذبُ الباري، بَنى اللهُ هيكلي

صنيعة إحسان ورِقّ حسان

أدين إذا اقتاد الجمالُ أزمّتي

وأَعنو إذا اقتادَ الجميلُ عِناني

قد أمات الهجران صبيان قلبي

من القصائد الحزينة التي تتحدث عن الهجر والبعد للجاحظ:

إنَّ الهجران قد أمات صِبيان قلبي

ففؤادي معذبٌ في خبال

كسر البين لوحة كبدي فما أطمُ

مع من هوَيْتَهُ في وصال

رفع الرقم من حياتي وقد أطلَقَ

مولايَ حبله من حِبالي

مَشقُ الحب في فؤادي لو حِلتْ

فاغرى جوانحي بالسلال

لاقَى قلبي بَنانه فمِدادُ

العينِ من هجر مالكي في انهمال

كرسفِ البين سُودُ الوجهِ من وصلي

فقلبِي بالبَينِ في اشعالِ

قلبي يحدثني بأنك مُتلفي

من القصائد الغزلية لابن الفارض:

قلبي يُحدّثني بأنك مُتلِفي،

روحي فداءً لك، عرفتَ أم لم تعرفِ

لم أقضِ حقَّ هَواك إن كُنتَ الذي

لم أقضِ فيه أسا، ومِثلي من يفي

ما لي سِوى روحي، وباذِلُ نفسِهِ،

في حب من يهواهُ ليس بمسرفِ

فلئن رضيتَ بها، فقد أسعَفْتَني؛

يا خيبة المسعى إذا لم تسعفِ

يا مانِعي طيبَ المنام، ومانحي

ثوبَ السقمِ به ووجدي المتلفِ

عطفاً على رمَقي، وما أبقيتَ لي

من جسميَ المضنى، وقلبي المُدنَفِ

فالوَجدُ باقٍ، والوِصالُ مماطِلي،

والصبرُ فانٍ، واللّقاءُ مُسوّفي

لم أخلُ من حَسدٍ عليك، فلا تُضعْ

سهري بتشنيع الخيالِ المُرجفِ

واسألْ نُجومَ اللّيل: هل زارَ الكَرى

جفني، وكيف يزورُ من لم يعرفِ؟

لا غروَ إن شحّت بغُمض جفونها

عيني وسحَّتْ بالدموعِ الدُرَّفِ

وبما جرى في موقف التوديعِ من

ألمِ النوى، شاهدتُ هول الموقفِ

إن لم يكُن وصْلٌ لديك، فعدْ بهِ

أملي وماطل إن وعدتَ ولا تفي

فالمطل منكَ لديَّ إن عزّ الوفا

يحلو كوصلٍ من حبيبي مُسعفِ

أهفو لأنفاس النَّسيم متعلةً

ولوجه من نقلتْ شذاهُ تشوّفي

فلعل نار جوانحي بهبوبها

أن تنطفئ، وأودّ أن لا تنطفئ

يا أهل ودي أنتم أملي ومن

ناداكم يا أهل ودي قد كفي

عودوا لما كنتم عليه من الوفا،

كرماً فإنّي ذلك الخلّ الوفي

وحياتكم وحياتكم قسماً وفي

عمري، بغير حياتكم، لم أحلِفِ

لو أن روحي في يدي ووهبتها

لمبشّري قدومكم، لم أنصفِ

لا تحسبوني في الهوى متصنِّعاً

كلفي بكم خلقٌ بغير تكلفِ

أخفيت حبكم فأخفاني أسىً

حتى، لعَمري، كِدتُ عني أختفي

وكتمتُه عني، فلو أبدَيْتُهُ

لوجدتُه أخفى من اللطفِ الخَفي

ولقد أقول لمن تحرّش بالهوى:

عرّضتَ نفسكَ للبلا، فاستهدفِ

أنت القتيل بأي من أحببتهُ

فاختر لنفسكَ في الهوى من تصطفي

قل للعذول أطلتَ لومي طامعاً

إن الملامَ عن الهوى مستوقفي

دعْ عنكَ تعنيفي وذقْ طعمَ الهوى

فإذا عشقتَ فبعدَ ذلكَ عنِّفِ

بَرَحَ الخفاء بحبّ مَن لو، في الدجى

سفر اللِّثام لقلتُ يا بدرُ اختفِ

وإن اكتفى غيري بطيف خيالِهِ،

فأنا الّذي بوصولهِ لا أكتفي

وقْفاً عليّ محبتي، ولِمحنَتي،

بأقل مِن تَلَفي به، لا أشْتَفي

وهواهُ، وهو أليّتي، وكفى به

قسماً، أكاد أُجِلّهُ كالمصحفِ

لو قالَ تِيهاً:قفْ على جمرِ الغضا

لوقفتُ ممتثلاً ولم أتوقّفِ

أو كان مَنْ يرضَى، بخدّي، موطِئاً

لوضعتهُ أرضاً ولم أستنكفِ

لا تنكروا شغفي بما يرضى وإنْ

هو بالوصالِ عليّ لم يتعطفِ

غلبَ الهوى، فأطعتُ أمرَ صبابتي

من حيثُ فيه عصيتُ نهيَ معنّفي

مني له ذلّ الخضوع، ومنه لي

عزُّ المنوعِ وقوة المستضعفِ

ألفَ الصّدودَ، ولي فؤادٌ لم يزل،

مذ كنتُ، غير وداده لم يألفِ

يا ما أملحَ كل ما يرضى به

ورضابهُ، يا ما أحيلاهُ بفي

لو أسمعوا يعقوبَ ذكرَ ملاحةٍ

في وجههِ نسيَ الجمالَ اليوسفي

أو لو رآهُ عائداً أيوبُ في

سِنَةِ الكرَى، قِدماً، من البلوى شُفي

كلّ البدورِ إذا تجلّى مقبلاً

تصبو إليه، وكُلّ قَدٍ أهيَفِ

إن قلتُ: عندي فيكَ كل صبابةٍ؛

قال: الملاحةُ لي، وكُلُّ الحسنِ في

كَمَلت مَحاسنهُ، فلو أهدى السّنا

للبدرِ عند تمامهِ لم يُخسفِ

وعلى تفنّنِ واصفيهِ بحُسنِهِ،

يفنى الزمانُ، وفيه ما لم يُوصَفِ

ولقد صرفتُ لحبّهِ كُلّي على

يد حسنِهِ فحمدتُ حسنَ تصرُّفي

فالعينُ تهوى صورةَ الحسنِ التي

روحي بها تصبو إلى معنىً خفي

أسعِدْ أُخَيَّ، وغنِّ لي بحديثهِ،

وانثرْ على سمعي حِلاهُ، وشَنفِ

لأرى بعين السمع شاهِدَ حسنهِ

معنىً فأتحفني بذاكَ وشرّفِ

يا أخت سعدٍ من حبيبي جئتني

بِرسالَةٍ أديتِها بتلطفِ

فسمعتُ ما لم تسمعي ونظرتُ ما

لم تنظري وعرفتُ ما لم تعرفي

إن زارَ يوماً يا حشايَ تَقطّعي،

كَلَفاً به، أو سارَ، يا عينُ اذرِفي

ما للنّوى ذنبٌ، ومَن أهوى مَعي،

إن غاب عن إنسان عيني، فهو في