محمود درويش
محمود درويش يُعتبر واحدًا من أبرز الشعراء الفلسطينيين والمجدِّدين في مجال الشعر العربي المعاصر. يتميز شعره بتوظيف الاستعارات والرموز والإشارات التاريخية والدينية والأسطورية، مما يعكس ثقافته الواسعة وارتباطه العميق بالقضايا الإنسانية. يُعتبر درويش أحد أعلام أدب المقاومة، حيث تعكس قصائده تجربة شعبه في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، مما أكسبه لقب “شاعر الجرح الفلسطيني”. تجاوزت مسيرته الشعرية الأربعين عامًا، حيث ألّف أكثر من ثلاثين ديوانًا بين شعر ونثر، بالإضافة إلى ثمانية كتب، وقد تُرجمت أعماله الشعرية إلى عدد من اللغات الأجنبية.
نشأة محمود درويش وحياته
وُلِد محمود درويش في 13 مارس 1941م في فلسطين، وترعرع في قرية البروة في الجليل. في عام 1948م، نزحت عائلته إلى لبنان نتيجة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية خلال نكبة 1948م. وبعد فترة من النزوح، عادت الأسرة للعيش في قرية دير الأسد ثم استقرت في الجديدة، بالقرب من قريتهم المهجرة البروة. تلقّى محمود درويش تعليمه الابتدائي في دير الأسد، وأنهى تعليمه الثانوي في كفر ياسين. بعد ذلك، عمل كمحرر ومترجم في صحيفة الاتحاد، كما تولى تحرير مجلة الجديد بعد انضمامه إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي.
تعرض درويش للاعتقال عدة مرات في عام 1961م بسبب مواقفه السياسية وأشعاره. لاحقًا، غادر البلاد إلى موسكو ومن ثم إلى القاهرة، لينتقل بعد ذلك إلى لبنان حيث شغل منصب رئيس مركز الأبحاث الفلسطينية ورئيس تحرير مجلة شؤون فلسطينية. كما ترأس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين. في عام 1981م، أسس درويش مجلة الكرمل الثقافية في بيروت، وانتخب في عام 1988م عضوًا في اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية. كان مقربًا من الرئيس الراحل ياسر عرفات، وعمل كمستشار له، وكتب إعلان الاستقلال الفلسطيني الذي تم إصداره في الجزائر في عام 1988م. استقال محمود درويش من منظمة التحرير الفلسطينية احتجاجًا على توقيع اتفاقية أوسلو، وعاد بعدها إلى الوطن ليعيش في رام الله. توفي في الولايات المتحدة الأمريكية بعد إجراء عملية جراحية في القلب، ودفن في قصر رام الله الثقافي في 13 أغسطس/آب 2008م.
أجمل قصائد محمود درويش
عُرف محمود درويش بكتابة العديد من القصائد الشعرية الرائعة. إليكم بعض من مقتطفاته الشعرية:
العصافير تموت في الجليل
– نلتقي بعد قليل
بعد عامٍ
بعد عامين
و جيلْ..
ورمت في آلة التصوير
عشرين حديقةْ
وعصافير الجليل.
ومضت تبحث، خلف البحر،
عن معنى جديد للحقيقة.
– وطني حبل غسيل
لمناديل الدم المسفوك في كل دقيقةْ
وتمددتُ على الشاطئ
رملاً.. ونخيلْ.
هي لا تعرف
يا ريتا! وهبناكِ أنا والموتُ
سرَّ الفرح الذابل في باب الجماركْ
وتجددنا، أنا والموت،
وفي شباك دارك.
وأنا والموت وجهان
لماذا تهربين الآن من وجهي
لماذا تهربين؟
ولماذا تهربين الآن مما
يجعل القمح رموش الأرض، مما
يجعل البركان وجهًا آخر للياسمين؟.
كان لا يتبعني في الليل إلا صمتها
حين يمتد أمام الباب
كالشارع.. كالحي القديمْ
ليكن ما شئت -يا ريتا- يكون الصمت فأسًا
وبراويز نجوم
أو مناخًا لمخاض الشجرةْ.
إنني أرتشف القُبلة
من حد السكاكين،
تعالي ننتمي للمجزرةْ!..
عابرون في كلام عابر
أيها المارون بين الكلمات العابرة
احملوا أسماءكم وانصرفوا
واسحبوا ساعاتكم من وقتنا، وانصرفوا
وخذوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة
وخذوا ما شئتم من صور كي تعرفوا
أنكم لن تعرفوا
كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماءْ…
أيها المارون بين الكلمات العابرة
منكم السيف – ومنّا دمنا
منكم الفولاذ والنار – ومنّا لحمنا
منكم دبابة أخرى – ومنا حجرُ
منكم قنبلة الغاز – ومنا المطرُ
وعلينا ما عليكم من سماء وهواء
فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا
وادخلوا حفل عشاء راقصٍ.. وانصرفوا
وعلينا، نحن، أن نحرس ورد الشهداءْ..
وعلينا، نحن، أن نحيا كما نحن نشاء!
أيها المارون بين الكلمات العابرة
كالغبار المُرّ مرّوا أينما شئتم ولكنْ
لا تمروا بيننا كالحشرات الطائرة
فلنا في أرضنا ما نعملُ
ولنا قمح نربيه ونسقيه ندى أجسادنا
ولنا ما ليس يرضيكم هنا :
حجر… أو حَجَلُ
فخذوا الماضي، إذا شئتم، إلى سوق التحفْ
وأعيدوا الهيكل العظمي للهدهد، إن شئتم،
على صحن خزف.
فلنا ما ليس يرضيكم: لنا المستقبلُ
ولنا في أرضنا ما نعمل
أيها المارون بين الكلمات العابرة
كدسوا أوهامكم في حفرة مهجورة، وانصرفوا
وأعيدوا عقرب الوقت إلى شرعية العجل المقدس
أو إلى توقيت موسيقى مسدس
فلنا ما ليس يرضيكم هنا، فانصرفوا
ولنا ما ليس فيكم: وطن ينزف وشعبًا ينزف
وطناً يصلح للنسيان أو للذاكرة
أيها المارون بين الكلمات العابرة
آن أن تنصرفوا
وتقيموا أينما شئتم ولكن لا تقيموا بيننا
آنج أن تنصرفوا
ولتموتوا أينما شئتم ولكن لا تموتوا بيننا
فلنا في أرضنا ما نعمل
ولنا الماضي هنا
ولنا صوت الحياة الأول
ولنا الحاضر، والحاضر، والمستقبل
ولنا الدنيا هنا… والآخرة
فاخرجوا من أرضنا
من برنا.. من بحرنا
من قمحنا.. من ملحنا.. من جرحنا
من كل شيء، واخرجوا
من مفردات الذاكرة