من العجائب أن تنشأ هذه اللغة القومية وتبلغ ذروة الكمال في بيئة صحراوية تعود لأمة رحل، فهي اللغة التي تفوقت على باقي اللغات بمفرداتها الوفيرة ودقة معانيها، إضافة إلى نظام أبنيتها الفريد. لم تشهد هذه اللغة في جميع مراحلها العمرية طفولة أو شيخوخة، بل تميزت فتوحاتها وانتصاراتها التي لا تُضاهى، ولا يُعرف في تاريخها نَظيرٌ تَمَكَّن من البروز بصورة كاملة غير متدرجة، وظلت محتفظة بجوهرها من أي شائبة.
تعد العربية لغة متكاملة وساحرة، حيث تُجسد ألفاظها مشاهد الطبيعية، وتعكس كلماتها مشاعر النفس الإنسانية. كأن معانيها تتراءى في أركان الألفاظ، وكلماتها تعبر عن خطوات الضمير ونبضات القلب.
إن القرآن الكريم يُعد بمثابة جواز الالتحاق بالهوية اللغوية العربية، حيث يستمر أهله بالاستعراف به ويتميزون بهذه الهوية حقيقةً أو حكماً.
لا توجد لغة يمكن أن تنافس اللغة العربية في مكانتها السامية، فهي هي الوسيلة التي اختيرت لتحمل رسالة الله الأخيرة، ومكانتها الروحية لا تعود فقط على ما تتميز به من قوة وبلاغة، بل السعة والإثراء في المفردات يعززان هذه المكانة. بالإضافة إلى جمال الصوت وثروتها المدهشة من المترادفات، تضفي العربية دقة ووضوحًا على التعبير، كما تمتاز بسهولة استخدام المجاز، مما يجعلها تتفوق بكثير على اللغات الأخرى. وللغة العربية خصائص مميزة في الأسلوب والنحو لا تتواجد في أي لغة أخرى، ورغم سعتها وكثرتها، إلا أنها تعتبر من أكثر اللغات اختصاراً في إيصال المعاني، حيث تظهر الصورة العربية لأي مثل أجنبي بمزيد من الاختصار في جميع الحالات.
من المهم إدراك أن الانتظام في استخدام اللغة يؤثر بشكل كبير وواضح على العقل والأخلاق والدين، كما يؤثر في محاكاة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين. وهذا التشابه يثري الفكر والدين والأخلاق، كما أن اللغة العربية تمثل جزءًا من الدين، فمعرفتها أمر واجب، إذ إن فهم الكتاب والسنة يتطلب فهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
يُعتبر تعلم وتعليم اللغة العربية فرض كفاية، وقد اعتاد السلف على تعليم أبنائهم قواعد اللغة. لذا نحن مُلزمون بضرورة الحفاظ على القواعد اللغوية العربية وإصلاح الألسن المُنحرفة عنها، حيث يساعد ذلك في فهم الكتاب والسنة، والاقتداء بأسلوب العرب في خطابهم، ولذلك إن تُرك الناس على حال لحنهم سيكون ذلك نقصًا وعيبًا.
تظل اللغة العربية الفصحى اليوم تحتفظ بمكانتها العالمية كرمز لغوي للوحدة الثقافية والمدنية في جميع البلدان العربية والإسلامية، حيث أثبت التراث العربي الخالد قوته في التصدي لمحاولات الحد من هيمنة العربية الفصحى، فإذا صحت التوقعات واستمرت الأدلة، ستظل العربية محتفظة بهذه المكانة الرفيعة كلغة حضارة إسلامية.
عندما أوحى الله برسالته إلى نبيه محمد، أنزلها قرآناً عربياً، حيث يقول الله لنبيه: “فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لدّاً”.
باستثناء الصين، لا يوجد شعب آخر يمكنه أن يتفاخر بتوفر كتاباته في علوم لغته مثل العرب.
حققت اللغة العربية من خلال القرآن نطاقاً استثنائياً لا يمكن مقارنته بأية لغة من لغات العالم الأخرى.
تتميز العبارة العربية كالأوتار الموسيقية، فعند النقر على وتر واحد يُثار جميع الأوتار وتدب الحياة فيها، حيث تثير اللغة مشاعر وعواطف تجسد أعماق النفس.
كانت اللغة العربية هي التي أدخلت في الغرب أساليب التعبير العلمي، وتعتبر من أنقى اللغات إذ تميزت بأساليب التعبير العلمي والفني.
من العجائب أن تنمو هذه اللغة القومية وتصل إلى تميزها في بيئة صحراوية. تفوقت هذه اللغة على غيرها من حيث وفرة مفرداتها ودقة معانيها ووضوح نظام أبنيتها. لم تعرف هذه اللغة في مراحلها المختلفة طفولة أو شيخوخة، بل ارتبط تاريخها بفتوحات مذهلة وانتصارات مستمرة.
إن الإسلام يمثل دعماً مهماً للغة العربية، حيث حافظ على روعتها وخلودها على عكس ما حدث لغات قديمة مشابهة، مثل اللاتينية التي انطوت بين جدران المعابد. حيث أثر الإسلام بشكل كبير على الشعوب التي اعتنقته حديثاً، وترك أسلوب القرآن تأثيراً عميقاً في خيال هذه الشعوب، فاقتربت إلى اللغة العربية واقتبست منها آلاف الكلمات، مما زاد من قوتها ورونقها. علاوة على ذلك، فإن مرونة اللغة العربية تتميز بشكل لا يُضاهى، حيث يستطيع العرب المعاصرون فهم آداب لغتهم المكتوبة منذ الجاهلية، بينما يعاني الألمان المعاصرون من عدم فهم كلمات لهجات أسلافهم منذ ألف عام.
تُعتبر اللغة العربية أغنى لغات العالم.
تمتلك العربية ليناً ومرونة تُتيح لها التكيف مع تغيير متطلبات العصر.
صادفت اللغة العربية ظهورًا مفاجئًا في أقصى درجات الكمال، وهو أمر غير مألوف في تاريخ البشرية، حيث لا تعرف مرحلة طفولة أو شيخوخة.
تُعرف مكانة القرآن الكريم من خلال فهم كلام العرب، حيث يتم التعرف على علم اللغة وعلم العربية وفن البلاغة، إضافة إلى الاطلاع على أشعار العرب وخطبهم ومقاولاتهم.
تزخر اللغة العربية بالفوائد المتنوعة المشوقة المُتعلقة بعلوم القرآن.
تُعتبر اللغة العربية أفضل اللغات والألسنة، والنظر في فهمها يشكل جانبًا من جوانب الديانة. فإذا كان المرء يمتلك إدراكًا لخصائصها وفهم ملامحها ومجاريها، فإنه سيقوى على إدراك معجزات القرآن، مما يزيد البصيرة في تأكيد النبوة، وهو محور مهم في الأمر.
ما ذلّت لغة شعب إلا ذلّ، ولا انحطّت إلا كان مصيرها إلى زوال. وهذا يأتي من فرض اللغة الأجنبية من قبل المستعمر على الأمة المستعمَرة، ويشعرهم بعظمته، فيسلبهم لغتهم ويهدم ماضيهم، ثم يقيد مستقبلهم ويربطهم لأمره.
إن اللغة تُعبر عن ملامح التاريخ، والتاريخ يمثل هوية الأمة. وينعكس الارتباط الوثيق بين الثقافة والتاريخ من خلال اللغة التي ستبقى ثابتة حتى زوال الهوية وفصل الأمة عن ماضيها.