أشعار عن الحياة
يقول الشاعر أبو تمام:
يَعيشُ الإنسانُ ما دامَ مستحيياً بخيرٍ
ويبقى الخشبُ ما تَبقى اللحاءُ
إذا لم تخفْ عواقبَ الليالي،
وإن لم تستحِ فافعل ما تشاء.
أشعار عن العزم
يقول المتنبي:
على قدرِ أهلِ العزم تأتي العزائمُ
وتأتي على قدرِ الكرام المكارمُ
وتَعظُمُ في عَيْنِ الصغيرِ صغارُها
وتصغرُ في عين العظيمِ العظائمُ
يكلفُ سيفُ الدولةِ الجيشَ همّهُ
وقد عَجِزت عنه الجيوشُ الخضارمُ
ويطلبُ عند الناس ما عند نفسه،
وذلكَ ما لا تدعيه الضراغمُ
يُفدي أتمُّ الطيرِ عُمْراً سلاحهُ
نُسورُ الفلا أحداثٌ والقشاعمُ
وما ضرّها خلقٌ بغير مخالبٍ
وقد خُلِقَت أسيافهُ والقوائمُ
هل الحدثُ الحمراءُ تعرِفُ لونَها،
وتعلمُ أيّ الساقيين الغمائمُ
سقتها الغمامُ الغر قبل نزولهِ،
فلما دنا منها سقتها الجماجمُ
بناها فأعلى والقنا يقرعُ القنا،
وموجُ المنايا حولها متلاطمُ
وكانَ بها مثلُ الجنونِ فأصبحت،
ومن جُثَثِ القتلى عليها تمائمُ
طريدةُ دهرٍ ساقها فرددتها،
على الدينِ بالخطي والدهرُ راغمُ
تُفيتُ كل ليالي كل شيءٍ أخذتهُ،
وهنَّ لما يأخذن منك غوارمُ
إذا كان ما تنويه فعلاً مضارعاً،
مضى قبل أن تُلقى عليه الجوازمُ
وكيف تُرجى الرومُ والروسُ هدمَها،
وهذا الطعنُ أساسٌ لها ودعائمُ
وقد حاكمَوها والمنايا حواكمٌ،
فما ماتَ مظلومٌ ولا عاشَ ظالمُ
أتَوْكَ يجرّون الحديدَ كأنهم،
ساروا إليك بجِيَادٍ ما لهنّ قوائمُ
إذا برقوا لم تُعْرَفِ البيضُ منهمُ،
ثيابهم من مثلها والعَمائمُ
خميسٌ بشرق الأرضِ والغربِ زحفهُ،
وفي أذن الجوزاء منهُ زَمَازمُ
تجمعَ فيه كل لسانٍ وأمّةٍ،
فما يُفهمُ الحداث إلا الترَاجمُ
فللّهِ وقتٌ ذوبَ الغشَّ نارهُ،
فلم يبقَ إلا صارمٌ أو ضبارمُ
تقطّعَ ما لا يقطعُ الدّرعَ والقنَا،
وفرّ من الفُرسانِ من لا يُصادمُ
وقفتَ وما في الموتِ شكٌ لوَاقفٍ،
كأنَّكَ في جفنِ الردى وهوَ نائِمُ
تمرّ بك الأبطالُ كلمى هزيمةً،
ووجهكَ وضّاحٌ وثغركَ باسِمُ
تجاوزتَ مقدارَ الشجاعةِ والنُهى،
إلى قولِ قومٍ أنت بالغيبِ عالمُ
ضممتَ جناحيهُم على القلبِ ضمّةً،
تموتُ الخوافي تحتها والقوَادمُ
بضربٍ أتى الهاماتِ والنصرُ غائبٌ،
وصارَ إلى اللباتِ والنصرُ قادمُ.
شعر عن النفس البشرية
يقول البوصيري:
والنفسُ كالطفلِ إن تهملهُ شَبَّ على
حبّ الرضاعِ وإن تَفطمهُ ينفطِم
فاصرفْ هواها وحاذرْ أن تُولّيهِ،
إنَّ الهوى ما تولّى يُصمِ أو يَصمِ
وراعِها وهي في الأعمالِ سائمةٌ،
وإن هي استحلتِ المَرعى فلا تُسمِ
كم حسّنتْ لذةً للمرء قاتلةً،
من حيثُ لم يدرِ أن السُمَّ في الدَّسَمِ
واحشَ الدسائسَ من جوعٍ ومن شبعٍ،
فربّ مخمصةٍ شرٌّ من التخَمِ
واستفرغِ الدمعَ من عَيْنٍ قد امتلأتْ،
من المحارمِ والزِمْ حميةَ الندمِ
وخالفِ النفسَ والشيطانَ واعصهما،
وإن هما محضاكَ النصحَ فاتهم
ولا تُطِعْ منهما خصماً ولا حكماً،
فأنتَ تعرفُ كيدَ الخصمِ والحكمِ
أستغفرُ الله من قولٍ بلا عملٍ،
لقد نسبتُ به نسلاً لذي عقمِ
أمَرْتُكَ الخيرَ لكنْ ما اتّمتُ بهِ،
وما استقمتُ فما قولي لك استقمِ
ولا تَزَوَّدْتُ قبلَ الموتِ نافلةً،
ولم أصلِ سوى فرضٍ ولم أصُمِ
ظلمتُ سنةً من أحيا الظلامَ إلى
أن اشتكتْ قدماهُ الضرَ من ورم
وشدّ من سغبٍ أحشاءه وطوى
تحتَ الحجارةِ كشحاً مترفَ الأدمِ
وراودتهُ الجبالُ الشُمُّ من ذهبٍ
عن نفسهِ فأراها أيما شممِ
وأكدتْ زهدَهُ فيها ضرورتهُ،
إن الضرورةَ لا تعدو على العصمِ
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورةٌ مَنْ
لولاهُ لم تخرجِ الدنيا من العدمِ.
شعر عن المصاعب في الحياة
يقول المتنبي:
بِمَ التعلّلُ لا أهلٌ ولا وطنُ،
ولا نديمٌ ولا كأسٌ ولا سكنُ
أريدُ منْ زمني ذا أن يُبلّغني
ما ليسَ يبلغُهُ من نفسِه الزمنُ
لا تَلْقَ دَهْرَكَ إلاّ غير مُكتَئِثٍ،
ما دامَ يَصحَبُ فيه روحَكَ البدنُ
فما يُديمُ سُرُورٌ ما سُرِرْتَ بهِ،
ولا يردّ عليكَ الفائتَ الحزنُ
ممّا أضرّ بأهلِ العشقِ أنهمُ،
هَوَوْا وما عرفوا الدنيا وما فطنوا
تفنى عُيُونُهُم دمعاً وأنفُسُهُم،
في إثرِ كلّ قبيحٍ وجهُهُ حسنُ
تحمّلُوا حَمَلتْكُمْ كلُّ ناجِيَةٍ،
فكلُّ بينٍ عليّ اليومَ مؤتمنُ
ما في هَوَادِجِكم من مُهجتي عوَضٌ،
إنْ مُتُّ شوقاً ولا فيها لها ثمنُ
يا مَنْ نُعيتُ على بُعدٍ بمَجلِسِهِ،
كُلٌّ بما زعمَ النّاعونَ مُرتهنُ
كم قد قُتِلتُ وكم قد متُّ عندَكُمُ،
ثم انتفَضْتُ فزالَ القَبرُ والكَفَنُ
قد كانَ شاهَدَ دَفني قَبلَ قولهِمِ،
جماعةٌ ثم ماتُوا قبلَ مَن دفنوا
ما كلُّ ما يَتَمَنّى المَرءُ يُدركُهُ،
تجري الرّياحُ بما لا تشتَهي السّفنُ
رأيتُكُم لا يَصُونُ العرضَ جارُكمُ،
ولا يدِرُّ على مَرعاكُمُ اللبنُ
جزاءُ كلّ قريبٍ منكمُ مللٌ،
وحظُّ كلّ محبٍّ منكمُ ضغَنُ
وتغضبُونَ على مَنْ نالَ رِفْدَكُمُ،
حتى يُعاقِبَهُ التّنغيصُ والمِنَنُ
فغادرَ الهجرُ ما بيني وبينَكُمُ،
يهماءَ تكذِبُ فيها العينُ والأُذنُ
تحبو الرّواسمُ من بعدِ الرسمِ بها،
وتسألُ الأرضَ عن أخفافِها الثّفنُ
إنّي أُصَاحِبُ حِلمي وهوَ بي كرمٌ،
ولا أُصاحِبُ حِلمي وهوَ بي جُبُنُ
ولا أُقيمُ على مالٍ أذلُّ بِهِ،
ولا ألذُّ بما عِرْضي بِهِ دَرِنُ
سَهِرْتُ بَعدَ رحيلي وَحشَةً لكُمُ،
ثم استمَرّ مريري وارعوى الوَسَنُ
وإن بُلِيتُ بودٍّ مثلِ ودّكُمُ،
فإنّني بفراقٍ مثلهِ قَمِنُ
أبلى الأجِلَّةَ مُهْري عندَ غَيْرِكُمُ،
وبدّلَ العذرَ بالفُسطاطِ والرّسَنُ
عندَ الهُمامِ أبي المِسكِ الذي غرِقَتْ،
في جودِهِ مُضَرُ الحمراءِ واليَمَنُ
وإن تأخّرَ عنّي بعضُ موعدهِ،
فما تأخّرَ آمالي ولا تَهِنُ
هو الوَفيُّ ولكنّي ذَكَرْتُ لهُ،
مَوَدّةً فَهْوَ يبلُوهَا ويُمْتَحِنُ.