أصعب بيت شعري في العصر الجاهلي
يقول الشاعر امرؤ القيس:
متى على الربع القديم تذكرتُ
:::كأنّي أنادي أو أتحادث مع أخرى صامتة
فلو أن أهل الدار باقون كما عهدنا
:::لوجدت مقيلًا عندهم ومرتَعًا
فلا تنكروني إن كنتُ أنا ذاتكم
:::ليالي عندما حل الحي فأصبح كالظلام
فإما تراني لا أغمضُ جفني
:::ساعات الليل إلا أن أغفو فأستسلم لنوم
تأذيَّني علَّتي القديمة فغامت الأجواء
:::أحاذر أن يعود عليَّ دائي فينكسر
فيا عجائب مَن حالت بيني وبينه
:::قاتلتُ عنه الخيل حتى أخذت أنفاسها
ويا ليت يوماً أعود فيه مُترجلًا
:::محبوبًا لدى النساء اللواتي يُلمَسن
يُجِلّون صوتي حين يستمعون إليه
:::كما تروّع الأطفال عند سماع صوت البُكاء
أراهن لا يحببن مَن نقصَ ماله
:::ولا من رأين الشيب يعتلي ملامحه
وما خفت قسوة الحياة كما أرى
:::تضيقُ ذراعي عندما أقوم فأرتدي
فلئن كانت نفساً تموت جميعاً
:::لكنها نفس تُساقط أنفاسًا
وبُدِّلتُ جرحًا نازفًا بعد صحة
:::فيا لكَ من نعمة تحولت لآلام
لقد طمح الطامح من بعيد أرضه
:::ليستتر بمصائبه كلها
ألا إن بعد العدم للشخص قيمة
:::وبعد الشيب يقبع العمر وملبسه.
أصعب بيت شعري في عصر النبوة
يقول المرار بن منقذ:
راقه منها بياضٌ ناصعٌ
:::يؤنس العينَ وضافٍ موسكرٌ
تهلك المِدراة في أفنائه
:::فإذا أطلقته ينفر
جعدةٌ فرعاء في جمجمة
:::ضخمةٍ تفرق عنها كما يُفرق الشعر
شاذخةٌ غرتها من نسوةٍ
:::كن يفضلن نساء الناس ما بينهن
ولها عيناء خاذلة مُخرِفَةٌ
:::تعلق الضال وأفنان السمر
وإذا تضحك تُظهر ضحكتها
:::كأقحوانٍ قيدته ذاك الأشجار
لو تطعمت به شُبهتَ عليه
:::عسلًا شاب به ثلجٌ خفيفٌ
صلة الخد طويلٌ جيدها
:::ناهدٌ بالثدي ولمّا ينكسر
مثل أنف الرئم ينبئ درعها
:::في لبان بادين غير قفر
فهي هيفاء هضيم كشحها
:::فخمةٌ حيث يشد المؤتزر
يبهظ المفضل من أردافها
:::ضفرٌ أُردَفَ أنقاءَ ضفر
وإذا تمشي إلى جاراتها
:::لم تكَد تبلغ حتى تنبهِر
دفعت ربلتها ربلتَها
:::وتهادت مثل ميل المنقعر
وهي بدّا إن أقبلت
:::ضخمة الجسيم رادحةٌ
يضرب السبعون في خَلخالِها
:::فإذا ما أكرهتُهُ ينكسر
ناعمَتها أم صدقٍ برةٌ
:::وأبٌ برٌّ بها غيرُ حذر.
أصعب بيت شعري في زمن الخلفاء الراشدين
يقول أبو محمد الفقعسي:
ألم أكن معكي أُمثل بعرضه
:::مثل الأكف بخرقة المنديل.
أصعب بيت شعري في العصر الأموي
يقول سويد بن كراع:
سقاني سُبيعٌ شربةً فرويتُها
:::تذكرتُ منها أين أَم البواردي
أشَتَّ بقلبِي من هواه بساجرٍ
:::ومَن هو كوفيٌّ هوى مُتباعدُ
فقلْتُ لأصحابي المُزَجّين نبيهم
:::كلا جانبَي بابٌ لمَن راح قاصدُ
كلا ذينكَ الحيين أصبح داره
:::نائياً إلا أن تخبُّ القصائدُ
وأشعثُ قد شفت الهواجر وجهه
:::وعيساءُ تسدو مرةً وتُواغدُ
كأخنس موشي الأكارع رعاه
:::برودة معروفة ليالي صواردُ
رعى غير مذعور بهن ورقاهُ
:::لُعاعٌ تهاداه الدكادك واعدُ
فلَم يرَ إلا سبعةً قد رهنهُ
:::حوانيَ في أعناقهن القلائدُ
لهن عليه الموتُ والموتُ دونه
:::على حد روقيه ذابٌ وجامدُ
ولو شاءَ أنجاهُ فلم تلتحق به
:::له غائبٌ لم يبتذله وشاهدُ
ولكن رداه ثم ارعوى حلسًا به
:::يمارسها حينًا وحينًا يطارده
فلا غروَ إلا هنَّ وهو كأنهُ
:::شهابٌ يفرقهن بالجو واقدُ
إذا كرّ فيها كرّةً فكأنها
:::دفين نقالٍ يختفيهن ساردُ.
أصعب بيت شعري في العصر العباسي
يقول الحلاج:
العشق في أزل الآزال من قديمٍ
:::فيهِ منهُ يبدو فيهِ إبداءُ
العشق لا حدثٌ إذا كان هو صفةً
:::من الصفات لمن قتلاه أحياءُ
صفاته منهُ فيه غير محدَّثةٍ
:::ومحدث الشيء ما مبداؤه أشياءُ
لما بدا البدء أبدى عشقُه صفةً
:::فيما بدا فتألّلا فيه لألاءُ
واللام بالألف المعطوف مؤتلفٌ
:::كلاهما واحدٌ في سبق معاني
وفي التفرق إثنان إذا اجتمعا
:::بالافتراق هما عبدٌ ومولى
كذا الحقائق نار الشوق ملتهبٌ
:::عن الحقيقة إن باتوا وإن ناءوا
ذلّو بغير اقتدارٍ عندما ولهوا
:::إن الأعزاء إذا اتقوا أذلاءُ.
أصعب بيت شعري في العصر المملوكي
تقول الباعونية:
وفي بكائي لحال حالَ من عدمٍ
:::لفّقت صبرًا فما أجدى لمنع دمي
يا سعد إن أبصرت عيناك كاظمةً
:::وجئت سلعًا فسأل عن أهلها القدمِ
فثم أقمار تم طلعت على
:::طُويلع حَيّهم وانزل بحَيّهم
أحبة لم يزلوا منتهى أملي
:::وإن هم بالتِّنائي أوجبوا ألمي
علوا كمالًا جلوا حسنًا سلبوا أممًا
:::زادوا دلالًا فني صبري فيا سقمي
أحسنت ظني وإن هم حاولوا تَلَفي
:::وثم سرّ وضني فيه من شيمي
اليحمدي وأبو تمّام كلّ شج
:::عانى الغرام إلى قلبي لأجلهمِ
قيل اسلهم قلت إن هبّت صبا سحرًا
:::وأشرَق البدر تمامًا سلخ شهرهم
ما لي رجوعٌ عن الأشجان في ولهي
:::بل عن سُلوّي رجوعي صار من لزمي.
أصعب بيت شعري في العصر العثماني
يقول أبو بحر الخطي:
الله جارُكَ هل رأيتَ منازلاً
:::عطلَتْ فحلَّتْها عُقُودُ الأدمعِ
واستبقي قلبًا لا تعيش بغيرهِ
:::وشعاعَ نفسٍ إن يغِب لم يطلِعِ
واصرف بصرفِ الراحة همّك إنّها
:::مهما تفرقَ من سرورك تجمعِ
كرميّةٌ تذرُ البخيل كأنما
:::نزل ابن مامة من يديه بإصبعِ
فهي التي آلتْ أليةَ صادقٍ
:::إن لا تجاوزهُم الهموم بموقعِ
مع كل ساحرةِ اللحاظ كأنما
:::ترنو بناظرتَي مهاةٍ مُرضِعِ
وكأنما تثني على شمس الضحى
:::إما هي انتقبَتْ حواشي البرقعِ
وكأنما وُضع البرى منها على
:::عشرٍ تعاورَهُ الحيا أو خروعِ
يا من يفر من الخطوب وصرفِها
:::إني أراه يفر عنها يتبعِ.
أصعب بيت شعري في العهود المتأخرة
يقول الأرجاني:
ألا مَن عذيري من جوىً في الجوانحِ
:::ومن دمع عينٍ بالسّرائر بائحِ
ومن لائمٍ يسعى بكأس ملامة
:::على الصبِّ منه غابِقٌ بعد صابح
ومن موقفٍ يوم الوداع وقفتُه
:::وقد هاج أشجان القلوب الجَرائح
فقلتُ وقد زُمّت المطايا عَشيةً
:::وقد جَرّحتْ أيدي الفراق جوارحي
دم القلب في عيني وتشفى بمائها
:::فقُلْ في إناءٍ لا بما فيه راشح
ولكن عذرْتُ العين مِمّا أَتتْ به
:::وقالت وبعض القول أوضحُ واضح
هُم أودعوني الدُّرَّ يوم رحيلهم
:::وقد ثار في بحرٍ من الوجد طافح