أمت آكلة الموتى هي واحدةٌ من أبرز صور الأساطير المِصرية القديمة، ولكن في الوقت الراهن تُعد حديث الشارع نظرًا إلى ظُهورها كشخصية رئيسية في مُسلسل Moon Knight الذي تعمق في حيثيات التاريخ المصري القديم بشكل مُمتع، فمن هي آمت؟ وما هي الخصائص التي يُفترض كونها تمتلكها؟ في سبيل إشباع فُضولكُم حول كافة هذه الأسئلة نتطرق عبر موقع سوبر بابا للحديث عنها بشكلٍ مُوسع.
أمت آكلة الموتى
لا شكَّ في كون حضارة الفراعنة أو ما يُعرف بقُدماء المصريين واحدةً من أبرز وأعرق الحضارات التي عرفها كوكب الأرض على الإطلاق، وبالبحث فيما تركه الأجداد القُدماء منهُم فيما يُعرف بميثولوجيا مصر والأساطير القديمة “The mythology of the pharaohs” نجد عدد كبير من الكُتب، الرُموز وحتى القصص.
من أبرز هذه الكُتُب هو ما يُعرف بكتاب الموتى، ويُمكن القول إن الوصف الأبرز له هو كونه الكتاب الذي عمل على تأريخ فكرة الموت والمُعتقدة الذي كان في أذهان المصريين القُدامى حول فكرة الفرق بين الحياة الدُنيا وحياة ما بعد البعث والخُلود.
في واقع الأمر هذا الكتاب يُعد أبرز الكُتب التي تطرقت إلى الحديث عن السبب وراء التحنيط وترك مُمتلكات المُتوفى “والحديث هُنا عن المُلوك وسادة القوم بكُل تأكيد” في التابوت أو غُرفة الدفن رفقته.
من أكثر الأمور التي تم التطرق إلى الحديث عنها هذا الكتاب وغيره من النصوص الجنائزية التي عكست تفكير الفراعنة هي أمت آكلة الموتى “باللُغة الإنجليزية AMMIT”، ووفقًا للمصادر أميت أو عيميت هي مخلوق أُنثوي مُركب.
فبالاطلاع على هيئتها نجد أنها تمتلك رأس تمساح النيل، أرجُل أمامية لأسد والجُزء الخلفي منها يُشبه فرس النهر، وكما يُقال لكُل امرئٍ من اسمه نصيب، فتسمية أمت آكلة الموتى لم تأتِ عبثًا، مع العلم أنها لا تتناول أو تلتهم الموتى بحق في اعتقاد المصريين القُدماء.
لكنها تقوم بابتلاع أرواح أولئك الذين لا تُنصفُهُم أعمالهم في الحياة الدُنيا وفقًا لما تم وضعه من معايير عُرفت باسم ميزان الحق والعدل، فما هي آلية الذهاب إلى النعيم واستحقاق حياة الخُلود وفقًا لما جاء في هذه المصادر؟
مفهوم العقاب والنعيم وفقًا لقُدماء المصريين
من الجدير بالذكر كون كافة الأديان السماوية الإبراهيمية وغير السماوية امتلكت مُعتقدات تتمحور حول كون الحياة الدُنيا ما هي إلا بوابة للانتقال إلى حياة الخُلد الأبدية في نهاية المطاف، ومن اللافت في واقع الأمر التشابه الكبير بين كافة هذه الآليات باختلاف الثواب والعقاب في الكيف فقط.
فمن المعروف كون أتباع ومُعتنقي الأديان السماوية يؤمنون بأن هُناك جنة لمُكافأة المُحسنين وجحيم لمُعاقبة المُسيئين مع اختلاف المفهوم وآلية التطبيق، وفي ثقافاتٍ أُخرى هُناك اعتقاد بكون النعيم ما هو إلا حياة تشتمل على أراضٍ صالحة للزراعة، وفي غيرها من الثقافات والاعتقادات النعيم يتمثل في الركض وراء الثيران والأبقار.
لكن بالنسبة للفراعنة والمصريين القُدماء يُعتبر هذا المفهوم أعم وأشمل من غيره من الديانات الأخرى غير السماوية، فقد تطرق الفراعنة إلى تحديد حيثيات الموت، آلية الحساب لمعرفة ما إذ كان المرء يستحق الحياة الأبدية أم لا بالإضافة إلى شكل هذه الحياة والآلهة المسؤولين عنها.
من الجدير بالذكر هُنا هو كون الجنة وفقًا للمُعتقدات الدينية لهذه الفئة من البشر تُعرف باسم “آرو”، وهو ما يعني حقول القصب في اللُغة المِصرية القديمة.
فيعيش فيها الصالحون حياةً دائمة من النعيم، ووفقًا للباحثين كان توصل الفراعنة والقُدماء من المصريين إلى هذا الاعتقاد حول الجنة يرجع إلى شكل الدلتا على النيل مع كميات أكبر من نبات قصب السُكر.
يحظى الموتى في هذه الجنة بفُرصة تناول كميات كبيرة من الطعام اللذيذ، ولا يوجد نار أو جحيم في الغالب، ففكرة العقاب تتمثل في عدم عيش هذه الحياة.
لكن لا يتم الوصول إلى هذه المرحلة ومعرفة ما يستحقه المرء بحق إلا بعد المُرور بما يُعرف بقاعة الحقيقتين، والتي تتواجد في منزل أوزوريس، وفي هذه المرحلة يكون دور أمت آكلة الموتى على وشك أن يبدأ.
آلية الحساب عند المصريين القُدماء
وفقًا لكتاب الموتى فور أن يموت المرء يتم أخذ قلبه واختباره في ميزان العدل والحِكمة، وفيه يعمل تحوت “إله الحكمة” على المُقارنة بين قلب المُتوفى في كفة وبين ريشة ماعت إلهة الحق والعدل والنظام في الكون كُله وفقًا لاعتقادات الفراعنة في الكفة الأُخرى.
بعد أن يتم وضعهما في الميزان ينتظر تحوت نتيجة هذا الاختبار، فمن المُفترض أن يتوازن القلب والريشة ليكون هذا الشخص الذي يتم اختباره في قاعة الحُكم الدُنيوية صادقًا خاشعًا ونقيًا ليستحق أن يكون ضمن الموتى المُباركين الذين يتم إيصالهم فيما بعد في رحلةٍ طويلة إلى أوزوريس إله هذا العالم وفقًا لمُعتقداتهم.
وجب التنويه إلى كون أوزوريس نفسه كان ميتًا وقام بنفسه من بين الأموات ليعيش إلى الأبد كما هو الحال مع أصحاب القلوب النقية، ولكن في حال ما لم تتوازن كفتي الميزان بدايةً من موت المرء وحتى الوصول إلى العالم السُفلي يأتي هُنا دور أمت آكلة الموتى.
فالمُهمة الأولى لآمت آكلة العظام الباردة هي التهام الموتى وأرواح من لا يستحقون عيش حياة الخُلود ومُقابلة أوزوريس إله هذا العالم والمسؤول عنه، ويتم ذلك وفقًا للمصادر عن طريق رمي أنوبيس قلب هذا الميت إلى عميت أو أمت، والتي لا تتوانى بدورها عن التهام قلبه بنهمٍ وشغف، فيموت صاحب هذا القلب إلى الأبد.
من الجدير بالذكر أن أمت آكلة الموتى أو العظام الباردة ليست من الآلهة المصرية كما هو مُعتقد، ولكنها أداة الآلهة في تنفيذ العقاب وإنزاله على من لا يستحقوه، وهي واحدةً من الأساطير والخُرافات الأبرز في هذه الحضارة العريقة.