أم المؤمنين زينب بنت جحش: سيرة وحياة شخصية بارزة في الإسلام

التعريف والنسب

زينب بنت جحش بن رباب، ابنة عم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وأمّها أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم، وهي شقيقة حمزة بن عبد المطلب -رضيَ الله عنه-. تُعَدّ زينب من أوائل المهاجرات في الإسلام.

زواجها من زيد بن حارثة

خطب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ابنة عمّته زينب بنت جحش لمولاه زيد بن حارثة، لكنها رفضت ذلك؛ حيث كانت ترى أن نسبها أعظم منه.

فأنزل الله -عزّ وجلّ- قوله: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۚ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)، فاتفق أن وافقت على الزواج من زيد، وذلك وفقًا لحكمة عظيمة من الله.

قصة زواجها من النبي

تقدم زيد بن حارثة للشكاية عن خلافه مع زينب -رضي الله عنهما- إلى النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، فأوصاه النبي بمواصلة زواجه منها وعدم التسرع في قرار الطلاق.

وأخفى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الأمر الإلهي الذي أُمر به بالزواج من زينب بعد طلاقها من زيد؛ خشية من ردود أفعال الناس بسبب تبنيه لزيد، وزينب كونها زوجة ابنه بالتبني.

ثم جاء الأمر الإلهي متمثلًا في قوله: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا).

كان زواج زينب من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بُعدًا لتحقيق حكمة إلهية في نسخ عادات الجاهلية وأحكامها، وقد وقع الأمر وفقًا لما أراده الله.

تميزت زينب بكبريائها وعزّتها على نساء النبي، فقد ذكرت عائشة -رضيَ الله عنها- أنها كانت تقول: “إنّ الله أنكَحَني في السَّمَاء”.

الآثار المترتبة على زواجها من النبي

الآثار التي نتجت عن زواج زينب بنت جحش من النبي -صلّى الله عليه وسلّم- كانت تتعلق بإلغاء عادة التبنّي وتحريمه، بعدما كانت رائجة في الجاهلية.

فقد كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- متبنيًا لزيد بن حارثة، وكانت إرادة الله -تعالى- تصبّ في إلغاء هذه العادة عن طريق زواج النبي من طليقة ابنه في التبنّي.

محبة النبي لها وغيرة أزواجه منها

كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يكنّ لزينب حبًا عظيمًا، مما أثار غيرة زوجاته منها، وكان يتردد كل يوم على زينب ويشرب العسل لديها.

وقد اتفقت أمّ المؤمنين عائشة مع حفصة -رضيَ الله عنهما- على القول للنبي إنه يشمّ رائحة غير طيبة منه، وعندئذٍ أكد أنه لم يشرب شيئًا سوى العسل الذي عند زينب، وحلف أنه لن يعود إليه.

وعندما حرّم النبي العسل على نفسه، أنزل الله -عزّ وجلّ- قوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، مما يعني أن الله نهى نبيه عن الحرمان من ما أحلّه بسبب غيرة أزواجه.

فضائل أم المؤمنين زينب

تتمتع أم المؤمنين زينب -رضيَ الله عنها- بالعديد من الفضائل، بيانها كالتالي:

كثرة صدقاتها

كانت أم المؤمنين زينب -رضيَ الله عنها- معروفة بكثرة صدقاتها وعطائها، وقد شهد لها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بذلك. فقد روى عن أم المؤمنين عائشة -رضيَ الله عنها-: “أنَّ بعض أزواج النبي سألنه: أيُّنا أسرع بك لُحُوقًا؟ فقال: أطولُكُنَّ يدًا، فأخذوا قصبة لقياس الأيدي، وكانت سوادة الأطول، وعلمنا بعد ذلك أنه يُقصد بيدها الطول الصدقة.”

عملها وكسبها الذاتى

كانت زينب تعمل بيدها وتكسب المال من سعيها، وقد تركت ملذات الدنيا لتُعطي من خيّر مالها في الصدقة، كما شهدت لها أم المؤمنين عائشة -رضيَ الله عنها-. وقالت عائشة: “وكانت زينب امرأةً متمكنة في عملها، تدبغ وتخراز وتصدق في سبيل الله.”

أخلاقها الرفيعة

تنعم أم المؤمنين زينب -رضيَ الله عنها- بأخلاق رفيعة، وكانت مشهورة بالصدق وسخاء اليد ووصلة الرحم، وقد شهدت لها السيدة عائشة بذلك أيضاً. فعن عائشة -رضيَ الله عنها- قيل: “لم أرى امرأة خيرة في الدين أفضل من زينب، أصدق حديثًا، وأوصل رحمًا، وأعظم صدقة، وملتمسة الآخرة.”

وفاتها

توفيت أم المؤمنين زينب -رضيَ الله عنها- في السنة 20 هجرية، وقد بلغت من العمر 53 عامًا، وبهذا تُعتبر أولى زوجات رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- التي توفيت بعده. وقد قام الفاروق عمر بن الخطاب -رضيَ الله عنه- بالصلاة عليها، حيث كان هو خليفة المسلمين في ذلك الوقت، ودُفنت في البقيع.