أنواع الأمانة وأشكالها المختلفة

أنواع الأمانة

تعرف الأمانة في نظر العلماء بأنها إعادة الحق إلى أصحابه، مما يجعلها ضد الخيانة. تعتبر الأمانة صفة راسخة في نفس الإنسان تدفعه إلى تجنب ما لا يحق له محاولته استغلاله أو المساس به.

تمتد الأمانة لتشمل جميع جوانب الحياة؛ سواء كانت في العقيدة أو التصرفات أو الأخلاق. تدخل الأمانة في المعاملات المالية، وحفظ الأسرار، والحديث عن الآخرين، كما تشمل العلاقات بين الخالق والمخلوق، وأيضًا بين الأفراد بعضهم البعض. فيما يلي توضيح لهذه الأنواع:

الأمانة تجاه الله

تتجلى الأمانة الأولى مع الله -تعالى- من خلال الإيمان به -عز وجل-، وتوحيده، وطاعته فيما أمر، والابتعاد عما نهى عنه. وتتضمن أيضًا العبادة واتباع الهداية التي اختارها الله لنا، والدعوة إلى الدين الله بلطف.

بالإضافة إلى ذلك، يجب الالتزام بتلاوة وتدبر كتاب الله -تعالى- والحكم به، والجهاد في سبيل الدعوة إلى الله. وقد عرض الله -عز وجل- هذه الأمانة على السماوات والأرض والجبال، فاعتذرت عنها لعجزها، وتحملها الإنسان، فمن أداها فقد قام بأداء الأمانة، ومن أخل بها تعرض للعذاب.

قال الله -عز وجل-: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا* لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾.

الأمانة في الأموال والأعراض

قال الله -عز وجل-: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾. وتشمل الأمانة المالية إرجاع المال إلى صاحبه، سواء كان وديعة، أو أجر عامل، أو حقّ لوارث، أو مهر لزوجة، أو دين في ذمته، أو مال مرهون لديه.

وقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- خيانة الأمانة كعلامة على النفاق، فقال: “آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان.”

أما الأمانة في الأعراض فتكون في ستر المذنبين، وكف البصر عن محارم البيوت، وعدم تتبع عورات الناس وزلاتهم، وحفظ المجالس، وضرورة عفة اللسان عن النقد، والشتم، والغيبة، والنميمة، وكذلك عن قذف المحصنات وغيرها من آفات اللسان.

الأمانة في الجهاد

يحمل المجاهد أمانة يتوجب عليه الوفاء بها أثناء الجهاد والقتال، حتى في أوقات الشدة والحرب، ومن ذلك:

  • عدم الغدر أو الخيانة أو السرقة.

كما أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- المجاهدين بقوله: “اغزوا ولا تغلوا، ولا تراجعوا، ولا تمثلوا.”

  • عدم قتل النساء والأطفال.

فقد رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن قتل النساء والأطفال حيث وجدت امرأة قتيلة في بعض المعارك.

  • ما يتعين على من يخلف المجاهد في أهله.

قال -صلى الله عليه وسلم-: “… وما من رجل من القاعدين يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم، إلا وقف له يوم القيامة، فيأخذ من عمله ما شاء، فماذا تظنون؟”

الأمانة في النصيحة وكتمان الأسرار

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “الدين النصيحة.” قلنا: لمن؟ قال: “لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.” يعد تقديم النصيحة للآخرين بمثابة أمانة، إذ يطلب النصيحة من يحتاج إليها لتحسين حالته. وقد يسعى البعض للحصول على نصيحة حول أمور خاصة لا يرغب في معرفة أحد بها، لذا يتعين على الناصح الحفاظ على أمانته وعدم إفشاء هذا السر.

قال -صلى الله عليه وسلم-: “إذا حدث رجلً رجلًا بحديث ثم التفت؛ فهو أمانة.” كما قال أيضًا: “المستشار مؤتمن”، لذا يتوجب على الناصح أن يكون أمينًا في تقديم النصيحة المناسبة لحالة السائل، وألا ينصحه بما يضر به.

الأمانة في الولاية

  • تكون الأمانة في الولاية بين الحاكم والمحكوم، وتشمل كافة الجوانب التي يكون الحاكم مسؤولًا عنها تجاه الرعية. وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- الحاكم الذي يفرط في الأمانة التي أوكلها الله إليه بقوله: “ما من عبد يسترعيه الله رعيةً، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة.”
  • تشمل الأمانة في الولاية كل من كان مسؤولًا عن شأن من شؤون المسلمين، فيجب عليه أن يراعي الأمانة التي كلفه الله بها. قال -صلى الله عليه وسلم-: “اللهم، من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم، فارفق به.”
  • تمتد الأمانة إلى حقوق الأجير أيضًا، فمن استأجر أجيرًا ومنعه حقه؛ فقد خان الأمانة، لما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: “قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره.”

الأمانة في الأسرة

قال -صلى الله عليه وسلم-: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته. والأمير راعٍ، والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعيةٌ على بيت زوجها وولدها، فكلٌّ منكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته.”

فالمنزل أمانة على الزوج، لذا عليه مراعاة ذلك من خلال اختيار الزوجة المناسبة، وتربية الأبناء بشكل سليم، والإنفاق على الأسرة بدون تقتير أو إسراف. والمرأة مسؤولة عن بيتها وتربية أبنائها والإنفاق بحكمة من مال زوجها.

كما تشمل الأمانة خصوصية العلاقة بين الزوجين، فيحرُم كشف أسرار الحياة الزوجية، ويُعتبر ذلك خيانة للأمانة، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: “إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها.”